آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
جيمس زغبي
عن الكاتب :
أكاديمي أمريكي من أصل لبناني و مؤسس و مدير المعهد العربي الأمريكي. كان يقدم البرنامج الأسبوعي فيوبوينت الذي بثه تلفزيون أبوظبي.

فوضى على مستوى صنع القرار في واشنطن


 د. جيمس زغبي
 
على الرغم من حقيقة أن أسعار الأسهم والسندات هي الآن في أعلى مستوياتها، وأن معدل البطالة كان قد بدأ رحلة هبوطه القوي خلال عهد أوباما، ووصل الآن إلى أدنى مستوياته، فإن لدينا إحساسا هذه الأيام بأن حياتنا خرجت عن نطاق السيطرة.

فخلال الأسابيع الأخيرة، تعرضنا لضربات الأعاصير التي اجتاحت جزر البحر الكاريبي ودمرت أجزاء من ولايتي تكساس ولويزيانا ومعظم بورتوريكو. ثم جاءت جريمة القتل الجماعي المروّعة في لاس فيغاس. والآن تندلع حرائق ضخمة في الغابات الشمالية لولاية كاليفورنيا.

ولعله من الصعب دائماً تجاهل المآسي حين تأتي فُرادى، ولكن يصبح من المستحيل هضم الكوابيس حين تقع بسرعة وتتابع. فمشاهد البيوت المحترقة في مدينة «سانتا روزا» بولاية كاليفورنيا والتقارير المتعلقة بضحايا حرائق الغابات، الذين بلغ عددهم رقماً قياسياً، تؤكد أنها لا تشكل أكثر من مشهد عابر قبل أن ننتبه إلى ما يحدث في «سان خوان» ــــ عاصمة بورتوريكو ــــ التي ما زال %85 من سكانها ــــ البالغ عددهم 3.7 ملايين نسمة ــــ بلا كهرباء أو مياه صالحة للشرب. ومما يعزز الشعور بالمأساة أن مدينة هيوستون أصبحت منسيّة، وهي تكافح للتعافي ــــ إن أمكنها ذلك ـــــ مما دمّره الإعصار الأخير، في ظل ارتفاع عدد القتلى والبيوت المدمرة والمساحات الواسعة منها التي لا تزال غير صالحة للعيش فيها.

وأما مدينة لاس فيغاس فلها قصة أخرى تماماً، فالرعب فيها من صنع الإنسان. وعلى رغم الحجم الاستثنائي لهذه المجزرة، يبدو أننا نرفض تصديق الحقيقة التي تؤكد أن حوادث إطلاق النار القاتلة أصبحت حدثا يومياً في الولايات المتحدة، فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً رسما بيانيا للحوادث المماثلة من أورلاندو إلى لاس فيغاس، تحدثت فيه عن تسجيل 521 عملية إطلاق نار بالأسلحة النارية خلال 477 يوماً، مما أدى إلى مقتل 527 شخصا وإصابة 2156 بجروح.

ومع كل هذا الرعب الذي نواجهه من دون انقطاع، سواء من صنع الطبيعة أو من صنع الإنسان، تولد لدينا شعور دائم بالخوف والرهبة. وأصبحنا وكأننا نستيقظ كل يوم ونحن ننتظر وقوع كارثة جديدة!

وكأن كل ذلك ليس كافياً، فإن سياساتنا وحكومتنا تبدو وكأنها خارج نطاق السيطرة، فقد خلق الاستقطاب الحزبي الشديد حالة من الشلل الوظيفي، حتى أصبح الكونغرس عاجزاً تماماً عن وضع أو تنفيذ أجندة محددة لمواجهة الأزمات. ولا تزال الرعاية الصحية في حالة فوضى، وبات أكثر من 700 ألف مهاجر يواجهون مستقبلا مجهولا. ولا توجد آفاق حقيقية لإصلاح شامل في نظام الهجرة أو الاستثمار في إصلاح البنى التحتية المتهالكة. وأغلب الظنّ أن الكونغرس سيفشل، مرة أخرى، في جلسته المقبلة في تمرير مشروع الميزانية الجديدة.

ويبدو أن الرئيس ترامب منشغل بإجهاض كل ما أنجزته إدارة أوباما، بصرف النظر عن العواقب المحتملة لأفعاله وأقواله. فخلال هذا الأسبوع، وحده، اتُّخذت إجراءات تنفيذية لإلغاء التشريعات البيئية التي سُنّت في عهد أوباما، وأجريت تعديلات واسعة على شروط منح التأمين الصحي، وبما قد يشكّل إضراراً بالفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي عهد الإدارات الأميركية السابقة، عندما كانت تواجهنا مأساة أو فوضى، كان يتحرّك الرؤساء من أجل توحيدنا واستعادة الثقة في ما بيننا. وقد لعب الرؤساء السابقون دوراً كبيراً في تهدئتنا ومساعدتنا على التغلّب على انقساماتنا واستعادة ثقتنا بالأهداف الوطنية التي نسعى إلى تحقيقها. إلا أن الرئيس ترامب ليس كذلك.

لقد انتُخب ترامب بناء على وعود قطعها لناخبيه بأنه سوف «يغيّر الأوضاع السائدة». ولا يبدو أنه كان يفهم مقولة إن «هناك وقتاً ومكاناً لكل شيء»، وهكذا، فإنه يختار إضافة المزيد من الاضطراب بعد وقوع أي كارثة.

إنني أبحث صباح كل يوم في موقع «تويتر» عن تغريدات الرئيس لأرى إهاناته أو تهديداته للرؤساء الأجانب أو معارضيه الأميركيين، فقد وجه هذا الأسبوع تهديداً لرئيس كوريا الشمالية، وانتقد الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وهدد القيادة السياسية في بورتوريكو الجريحة بسبب تقصيرها في مواجهة الأعاصير، وهدد بسحب رخصة البث لقناة «إن بي سي نيوز».
وبخلاف كوريا الشمالية، لم أشر إلى الأزمات المتعددة الأخرى التي نواجهها في الخارج، من الكابوس المستمر في سوريا، مع مئات الآلاف من القتلى والملايين من اللاجئين، إلى الأزمة الإنسانية في اليمن، وإسرائيل، حيث الصراع المتفاقم مع الفلسطينيين. إضافة إلى ذلك، هناك إيران التي عزّزت من نفوذها وقوتها، والتأثير الذي يصعب التنبؤ به لتهديد ترامب الأخير بتعليق الاتفاق النووي. وهناك الصين التي تستعرض عضلاتها إقليميا ودوليا؛ وروسيا القوية وعلاقاتنا المتوترة مع أوروبا.

وفي مواجهة كل ذلك، يبدو أن الإدارة ليس لديها اتجاه واضح أو حتى قيادة. ومن الصعب على نحو متزايد أن نحدد بالضبط المكان الذي تقف فيه الولايات المتحدة في أي قضية، أو من هو صاحب القرار أو كيفية اتخاذه. فلا نجد أمامنا سوى تغريدات تضعنا، في كل مرة، في المياه المضطربة.

وفي عالم تعمّه الفوضى والشعور بأن الأمور خارجة عن نطاق السيطرة، ومع سياساتنا وكونغرسنا ورئيسنا الذين يزيدون شعورنا بالقلق الوطني، يجب ألا نستسلم لليأس. ويجب أن نعمل على توحيد صفوفنا بالإصرار على الحوار المدني مع خصومنا. ويجب أن نضع جدول أعمال وطنيا يعيد هدفنا ويهتم بشعبنا ويعطي الأمل للذين يشعرون بأنهم تُركوا وحدهم وفقدوا الثقة في قدرتنا على الوفاء بوعد بلدنا. ويجب أن نقدم توجّها واضحا في السياسة الخارجية، يكون المرشد لنا في علاقاتنا مع الأمم الأخرى.

إنها مهمة كبيرة، والطريق طويل أمامنا، ولكن لا يمكننا تجاهل هذا التحدي، لأنه ينطوي على كثير من المخاطر، التي ــــ ربما ــــ تكون استقامتنا أولها.

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2017/10/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد