آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمود بوناب
عن الكاتب :
كاتب تونسي

هل ستنجح “بيريسترويكا” محمد بن سلمان وهل سيكون الأمير الشاب غورباتشوف أم بوتين السعودية؟


محمود بوناب

منذ وفاة الملك عبد العزيز آل سعود عام 1953، تعاقب على حكم المملكة العربية السعودية ستة من أنجاله سيكون الملك سلمان آخرهم بعد أن انتقلت ولاية العهد من أبناء الملك المؤسس إلى أحفاده وفق ما ينص عليه القانون الأساسي للمملكة الصادر عام 1992 وما ورد في التعديل الذي أدخله الملك سلمان على النظام الأساسي للحكم وأصبحت بموجبه المادة الخامسة من النظام الذي هو بمثابة دستور المملكة تنص على أن “يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس″.

وهذا يعني أن “أبناء الأبناء”، أي أحفاد المؤسس، سوف لن يحق لهم عند توليهم حكم المملكة تعيين ولي للعهد من نفس الفرع الذي ينتمون إليه. وعليه، فإن الأمير محمد بن سلمان لن يجوز له بعد توليه ملك بلاده أن يعين وليا للعهد من أبنائه أو إخوته أو أبناء إخوته.

ولئن تولى الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد الحكم في السعودية وهم في الخمسينات من العمر، أي في أوج قوتهم الذهنية والبدنية، فإن الملك عبد الله والملك سلمان توليا مقاليد الحكم وهما في الثمانين من العمر وفي وضع صحي هش، وقد تعاقب على ولاية العهد خلال فترة حكم الملك عبد الله التي امتدت 10 سنوات من 2005 إلى 2015 ثلاثة ولاة للعهد توفي اثنان منهم هما الأمير سلطان والأمير نايف نتيجة المرض، قبل أن يؤول الملك إلى الأمير سلمان الابن الخامس والعشرين للملك المؤسس من بين أبناءه الذكور الخمسة وأربعين، والذي سيدخل التاريخ على أنه آخر ولي للعهد وآخر ملك للسعودية من أبناء الملك عبد العزيز، فضلا عن تسليمه مقاليد الحكم الى جيل أحفاد الملك المؤسس وهو على قيد الحياة، وآخر ملك يعين نجله وليا للعهد حسبما ينص عليه القانون الأساسي، على الأقل في صيغته الحالية.

فمن المنتظر بين الفينة والأخرى أن يعلن الملك سلمان تنازله عن الحكم لفائدة نجله السادس محمد البالغ من العمر 32 عاما، والذي منذ أن تولى ولاية العهد قبل بضعة أشهر، بعد إزاحة الأمير محمد بن نايف من طابور الخلافة وعزل شخصية تنتمي إلى أحد أقوى الفروع داخل الأسرة السعودية، ما فتئ يُحدث الرجة تلو الأخرى في الأركان والثوابت التي أُقيم عليها حكم المملكة وتقاليدُها منذ تأسيسها عام 1932.

 لقد ذهبت به الجرأة إلى حد الأمر باعتقال ومحاسبة شخصيات وأمراء ما كان أحد يتجرأ حتى على انتقادهم في العلن بتهم الفساد والمحسوبية وسوء استعمال السلطة، ومن بينهم الأمير متعب بن عبد الله الرئيس السابق للحرس الوطني وأحد أقوى الشخصيات السياسية وأكثرها نفوذا وتأثيرا خلال فترة حكم والده الملك عبد الله، إلى جانب الأمير “النجم” الوليد بن طلال وعشرات رجال الأعمال والوزراء والمسؤولين السابقين في إدارات وأجهزة الدولة.

 ولم يتردد بعض المتابعين والمهتمين بالشأن السعودي، سيما في الإعلام الإيراني، في مقارنة “الثورة” التي أعلنها الأمير الشاب من أجل تغيير المملكة بتلك التي قادها ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي، والتي أدت كما هو معروف إلى تفكك الإمبراطورية السوفييتية وانهيارها.

ويتساءل الكاتب السعودي المعروف جمال خاشقجي الذي غادر المملكة قسرا بعد تولي بن سلمان ولاية العهد في مقال بصحيفة واشنطن بوست «هل أن ولي العهد أشبه بميخائيل غورباتشوف أم بفلاديمير بوتين في هذا الأمر، وهل هو على طريق الإصلاح الحقيقي للنظام السعودي بأكمله، أم أنه مجرد إقصاء شخصيات معروفة لتعزيز مركزية السلطة بين يديه”؟ وأضاف خاشقجي: “حتى الآن، أود أن أقول إن محمد بن سلمان يتصرف مثل بوتين، ويفرض عدالة انتقائية جدا…”.

وبحكم أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث نسبة السكان دون 30 عاما بواقع بشري يناهز 13 مليون شخص يمثلون حوالي %70 من السكان، فمن البديهي أن %70 من السعوديين ومن بينهم ولي العهد، إما كانوا أطفالا رُضعا أو أنهم لم يولدوا بعد، ولم يعايشوا حقبة تعيين ميخائيل غورباتشوف أمينا عاما للحزب الشيوعي السوفياتي في مارس 1985 وكان عمره 54 عاما، وهو أول شخصية مولودة بعد الثورة البولشيفية عام 1917  تتولى المنصب، ويُعتَبَر آنذاك من القيادات الشابة في الحزب مقارنة بمن سبقوه،  قبل أن تنتخبه قيادة الحزب في أكتوبر 1988 رئيسا لمجلس السوفييت الأعلى (رئيسا للدولة)، ويتحول بعد مرور أقل من 3 سنوات إلى أخر رئيس للإمبراطورية السوفييتية.

وقد تمخضت السياسات التي انتهجها غورباشوف والتي عُرّفت آنذاك بكلمتين انتشرتا كالنار في الهشيم في كافة أنحاء العالم، وهما ” Glasnost و Perestroika” أو “الشفافية وإعادة الهيكلة “، عن انهيار إحدى أكبر وأقوى الإمبراطوريات عبر التاريخ وعن تفكك الاتحادُ السوفييتي إلى دول وكيانات منفصلة دون أن يحتاج المعسكر الرأسمالي المنافس الذي بتزعمه “حلف شمال الأطلنطي” إلى إطلاق رصاصة واحدة لإذلال العقيدة الشيوعية العنيدة وتركيع “حلف وارسو” الذي كان يأتمر بإمرة موسكو.

فالاتحاد السوفييتي الذي تنبأت الكاتبة والأكاديمية الفرنسية Hélène Carrère D’Encausse منذ عام 1978 بتفككه وانهياره في كتابها الشهير L’empire éclaté ” “أو الإمبراطورية المتفككة، كيان ضخم مفتعل ومركب، قام على أنقاض حربين عالميتين وجمع شعوبا وأعراقا غير متجانسة ما فتئت تنخره من الداخل من أجل استعادة حريتها واستقلالها وإحياء ثقافاتها وأديانها، وخاض سباقا محموما من أجل التسلح واللهث وراء تحقيق توازن القوى مع المعسكر الغربي فيما كان يُعرف بالحرب الباردة، وتدخل عسكريا ضد دول مستقلة منضوية تحت لواء حلف وارسو مثل المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، وأدى تدخله العسكري الكاسح عام 1979 في أفغانستان بذريعة حماية النظام الشيوعي في كابول إلى وقوف العالم بأسره ضده ومواجهته على الأراضي الأفغانية، إلى أن انسحبت القوات السوفياتية عام 1989 مهزومة، وتزامن ذلك مع بداية انهيار المنظومة الشيوعية وتفكك الدولة السوفيتية.

أما المملكة العربية السعودية، فهي وريثة ما يُعرف بالدولة السعودية الثالثة التي تأسست في يناير 1902 على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود الذي تمكن من الاستيلاء على منطقة الرياض. وعَرفت هذه الدولة بداية عهدها باسم “إمارة الرياض”، ثم تمكنت الإمارة من التوسع حتى استطاعت عام 1921 السيطرة على كامل أراضي نجد بعد إسقاط إمارة حائل المنافسة، وأصبحت الإمارة تُعرف باسم سلطنة نجد، وظل الاسم قائما حتى إعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932.

وقد قامت المملكة على أساس تحالف عقائدي وسياسي بدأ في منتصف القرن الثامن عشر بين الفكر الوهابي (نسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب) وأسرة آل سعود (نسبة لمحمد بن سعود).

ورغم حداثة عهدها بمفهوم “الدولة الوطنية” وتأرجحها بين “الدولة الدينية ” و”الدولة السلفية”، فإن المملكة كسِبتْ عبر تاريخها الحديث جٌلَّ مقومات “الدولة الوطنية”، واكتسبت أسرة آل سعود شرعية تاريخية حيث أصبحت رمزا للكيان الموحد ومجسدة للشرعية الدينية والإيديولوجية من جهة والشرعية السياسية الوطنية من جهة أخرى.

لذا، ورغم ما قد يجده البعض من قواسم مشتركة بين ميخائيل غورباتشوف ومحمد بن سلمان من حيث اقتناع الرجلين أن الأوضاع في بلديهما لا يمكن أن تبقي على ما هي عليه من جمود وتحجر، ومن حيث إصرارهما على القطيعة مع الماضي من أجل بناء مستقبل أفضل، فإن ما يسود الساحة السعودية من أحداث وتحولات غير مسبوقة في تاريخ المملكة منذ قيامها قبل خمسة وثمانين عاما، والثورة الصاخبة التي يقودها الأمير بن سلمان من أجل بسط نفوذه على شؤون الأسرة الحاكمة وكسب ولائها المطلق لشخصه والسيطرة على مؤسسات الدولة ودواليبها بهدف توفير كافة الضمانات لاستلام الملك في كنف الاستقرار، تختلف في جوهرها وأهدافها عن الأوضاع التي كانت سائدة في الاتحاد السوفييتي عند تولي غورباتشوف مقاليد الحكم، ولا يمكن لأي مقارنة بين مجريات الأمور وتطورها في البلدين أن تصمد بحجة المنطق والتاريخ.

إن الخطر الأكبر المحدق بمحمد بن سلمان هو أنه، ورغم ما يتحلى به من ثبات وصرامة، ما يزال طرِيّ العظم في الوقت الذي يتعامل فيه مع عدة ملفات شائكة وملغومة في نفس الوقت لعل أبرزها إصلاح منظومة الحكم السعودية التقليدية والبالية عن طريق تعزيز المشاركة الشعبية وتكافئ الفرص والتوازن بين مختلف جهات ومناطق المملكة وتلبية تطلعات الشباب السعودي نحو التطور وتحقيق التنمية وإصلاح التعليم وفقا لرؤية 2030 التي ساهم الأمير في وضعها ونسجتها أكبر المكاتب الاستشارية العالمية،  إلى جانب إرساء العدالة والمساواة والمحاسبة وعُلُو سلطة القانون وقبول الاختلاف…

كما أن الأمير الشاب يواجه تحديات داخلية وإقليمية لا تُحصى بين هوس تطلع النظام في المملكة إلى قيادة العالم السني، والحرب العبثية التي لا مبرر لها ولا جدوى من وراءها على اليمن، والنزاع العقيم مع قطر، والتدخل المباشر المنافي لكل القيم والمبادئ في الشؤون الداخلية اللبنانية…وفوق كل هذا اللعب بالنار مع إيران وكأن تجربة حرب الثمان سنوات التي أشعلها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1980 وما رافقها من دمار وخراب و”احتواء مزدوج” وعاصفة صحراء… قد أمحت من الذاكرة السعودية.

لكن الأخطر من كل هذا هو أن الأمير بن سلمان وضع كل أوراقه بيد واحدة هي البيت الأبيض، حيث يكاد صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأقرب مستشاريه جاريد كوشنر، وهو من نفس جيل بن سلمان، أن يتحول إلى مستشار خاص للأمير أو سفير غير مقيم للبيت الأبيض لد قصر اليمامة بالرياض.

إن أمام الأمير محمد بن سلمان فرصة ذهبية فريدة لصناعة التاريخ شرط ألاّ ينساق وراء جموح شبابه وأن يتحلى بالصبر والتواضع والثبات في خدمة شعبه ووطنه وتلبية طموحات جيله واستيعاب الدروس والعبر من تاريخ بلاده وتاريخ جزيرة العرب والمناطق المحيطة بها، وألا يكون لا غورباتشوف ولا بوتين ولا ترمب ولا كوشنر… بل مجرد أمير سعودي شاب ابتلاه القدر لأداء مهمة تاريخية عُظمى ستغير وجه بلاده ولا يعلم مآلها اليوم إلا القادر على ما يشاء الذي لا يعجزه شيء.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/11/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد