آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعد ناجي جواد
عن الكاتب :
كاتب في صحيفة رأي اليوم

من بيروت اكتب لكم: لبنان بين تفاؤل أبنائه وخشيتهم على مستقبله


سعد ناجي جواد

أكتب لكم من بيروت التي وصلتها في زيارة قصيرة جدا. بعض المحبين حذروني من السفر إلى لبنان في هذا الوقت بالذات، ولا اخفي باني كانت لديّ مخاوفي الشخصية، ولكن زائر بيروت يجد كالعادة أن هذا البلد الجميل لا يزال يعيش بهدوء رغم كل المؤشرات التي تقول بأن ما ينتظره شيٌّ قد يزعزع استقراره. واعترف بأني فوجئت بروح التوحد التي اتسم بها اللبنانيون وبصورة غير مسبوقة.

فهناك إجماع على المطالبة بعودة رئيس وزرائهم السيد سعد الحريري الذي استقال تلفزيونيا. ويريدون أن يسمعوا منه وهو في لبنان وبينهم. وإجماع على الوقوف خلفه في هذا الوقت. وأستطيع أن أؤكد، نتيجة لمشاهدتي، أن الرجل اكتسب شعبية كبيرة بين كل طوائف وأحزاب لبنان لم يكن يتمتع بها من قبل،  بل ويمكنني أن أزيد بأنه لم يكن يحلم بها.  كما أن هناك إجماع على الرضا عن الطريقة الحكيمة التي تصرف بها أغلب قادته المختلفين في طروحاتهم ومواقفهم. وإجماع على التمسك باستقلاليتهم.

ورضا كبير عن موقف رئيس الجمهورية من استقالة الحريري ومطالبته بعودته. ويعزز هذا الموقف بل ويظهره بجلاء واضح اللافتات المنتشرة في كل أنحاء بيروت والتي تحمل صورة السيد سعد الحريري والمذيلة بعبارات، كلنا معك أو كلنا سعد أو نحن في انتظارك. إلى جانب ذلك كله ينتظر اللبنانيون بقلق اليوم اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية في القاهرة ، خشية أن تُتَخذ ضد لبنان قرارات مشابهة لتلك التي اتخذت ضد سوريا وشرعنة الحرب المدمرة عليها أو القرارات التي مهدت وبررت للحرب على العراق بعد اجتياحه للكويت. وعلى الرغم من هذه المخاوف المشروعة والمبررة نتيجة لمواقف الجامعة العربية السابقة وغير الحكيمة، شعر للبنانيون ببعض التفاؤل عندما علموا أن رئيس وزرائهم وصل مع زوجته إلى باريس ، وبأنه سيلتقي الرئيس الفرنسي، الذي بذلت بلاده جهودا كبيرة في مجال انتقال السيد الحريري إليها.
ولو أن تفائلهم هذا خفت بعض الشيء بعد أن علموا أن أبناء الحريري لم يرافقوا والديهم كما كان متوقعا، الأمر الذي أثار لديهم علامات استفهام اكبر من علامات استفهامهم على الاستقالة وطريقة وتوقيت طرحها. أكثر ما يزعج اللبنانيون  ويؤلمهم بل ويجرح كرامتهم هذه الأيام هو ما يصدر عن إعلاميين وبعض الرسميين في الخليج عن وصف زيارة الحريري إلى السعودية بأنها جاءت نتيجة استدعاء، والتي تظهر رئيسهم وكأنه موظف بسيط لدى دولة أخرى. على كل فالجميع في لبنان يعيش حالة ترقب في انتظار عودة الحريري لبيروت، وهل سيبقى مصرا على استقالته، الذي ثبت أنها لم تجر البلاد إلى احتراب داخلي. وإذا ما أصر، واعتقد انه سيفعل استنادا إلى مؤشرات كثيرة، فمن سيكون البديل وكيف سيدير دفة الأمور في ظل الضغوطات الإقليمية والدولية؟

داخليا فان الركود الاقتصادي واضح في بيروت، والعاصمة خلت تقريبا من السياح الخليجيين والأجانب، ولا تسمع في شوارعها هذه الأيام  سوى اللهجتين العراقية والسورية.

وفي حديث مع شخص يعتبر من المطلعين على بواطن الأمور أخبرني بأنه لا خوف على مستقبل لبنان لعدة أسباب، أولها وأهمها بان كل الدول الكبرى والقوى السياسية المتنفذة في لبنان مجمعة على تهدئة الأمور، ومصرة على الإبقاء على لبنان كساحة حرة ومفتوحة لكل القوى المختلفة، وهذا ما ميز ويميز لبنان طوال تاريخه. طبعا هناك ما يؤيد هذا القول إذا ما استعدنا تصريحات قادة الدول الكبرى وصحفها، وخاصة الفرنسية والأمريكية والبريطانية والألمانية والروسية، لا بل بعض العربية. يضاف إلى ذلك إصرار أغلب القوى اللبنانية المؤثرة على تجنب أي تصعيد للأمور.

ولكن السؤال الأخطر الذي لا يزال يدور في ذهن اللبنانيين بل وكل العرب المهتمين بسلامة لبنان،  ومفاده هو هل ستقبل الأطراف التي أرادت أن تثير هذه الزوبعة هذه الهزيمة بسهولة؟ وهل ستقدم إسرائيل على عمل عسكري واسع في الجنوب أو في جميع أنحاء لبنان؟ نعم هناك ما يردع إسرائيل عن الأقدام على مغامرة جديدة في لبنان، وكل التقارير والصحف الإسرائيلية تؤكد بأن حكومتهم لن تقدم على عمل عسكري إكراما لرغبات أطراف أخرى. ولكن قلق اللبنانيين الأكبر هو من تصرفات وتصريحات  بعض ساستهم الذين يصرون على صب الزيت على النار، ويخشون أن يؤدي هذا الإصرار إلى جر لبنان إلى فتنة داخلية تطيح بالهدوء الحذر الذي يخيم على بلادهم. ويخشون من الأموال الكبيرة التي يمكن أن تبذخ من أجل هذا الهدف. بكلمة أوضح أن الركود الاقتصادي لا يقلق للبنانين كثيرا، ما يقلقهم حقا هو ما يحاك ضد بلدهم من الخارج وفي كثير من الأحيان بأيدي داخلية. حفظ الله لبنان الحبيب وشعبه من كل سوء.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/11/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد