آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

ماهي منطلقات “ترامب” للإقرار “بالقدس″ عاصمة “للكيان” ومامدى واقعيتها؟


عبدالوهاب الشرفي

استعرض الرئيس الأمريكي في خطابه الذي أعلن فيه اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني منطلقاته لإقراره بهذا القرار ، فالرجل تحدث أولا عن أنه يعترف بواقع فالقدس عمليا غربييها وشرقييها يسيطر عليها ويديرها الكيان الصهيوني بشكل كامل منذ مابعد 67 م وبالتالي فما قام به ترامب هو فقط الاعتراف بهذا الواقع متناسيا أنه وفقا للقرارات الدولية فالجزء الشرقي من المدينة يعتبر محتلا وبالتالي فاعترافه بالواقع هو الاعتراف بحالة احتلاله وليست حالة غير موصفة قائمة على الواقع وتم الاعتراف بها وتوصيفها على واقعها ، بل الواقع حسب ”  القرارات الدولية ” هو أن شرق القدس – على الأقل – أرض محتلة وإقرار ترامب بها عاصمة للكيان الصهيوني هو قلب للواقع وليس اعترافا به .

ثاني المنطلقات التي تحدث ترامب عنها هو أن الكيان الصهيوني هو نظام ديمقراطي أو هو النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة من وجهة نظر أمريكية وهذا الكلام أراد ترامب منه أن يقول أن الكيان الصهيوني هو النظام الوحيد المؤهل لأن يدير المدينة بما لها من قدسية لدى جميع الديانات الإسلامية و المسيحية و اليهودية وتحتاج نظام ديمقراطي لاينطلق في تطبيقه للقانون من منطلقات دينية أو عقائديه يترتب عليها محابة ديانة و معاداة الديانات المخالفة ، و ترامب هنا يتناسى أن الكيان الصهيوني يضع أحد معاييره للمضي في استكمال مايسمى عملية السلام الاعتراف ” بيهودية ” الكيان الصهيوني ، ومتناسيا كل الممارسات الصهيونية ضد المقدسات الإسلامية و المسيحية وكل ماهو إسلامي ومسيحي أو عربي من المعالم الحضارية و السكان ، ومتناسيا لكل التشريعات التي تمرر من ” الكنيست ” بمزاج عنصري بحت يتصادم مع قواعد الديمقراطيات ومع القوانين الدولية و الإنسانية .

ثالث هذه المنطلقات هو أن إقرار ترامب هذا يتماشى مع المصالح الأمريكية وبالطبع هذه المسألة هي ذات علاقة بمفهوم الإدارة الأمريكية للأمن القومي الأمريكي وهذه المرة مع شخص ترامب كونه رئيس  يتبنى أكثر مفاهيم الأمن القومي الأمريكي  تطرفا ويعتبر أمن الكيان الصهيوني جزء ذي أولوية لايتجزئ عن الأمن القومي الأمريكي ، لكن إذا استثنينا هذا المفهوم الأكثر تطرفا للأمن القومي الأمريكي فلا تماشي على الإطلاق بين إقرار ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني بقرار أمريكي منفرد – وليس نتيجة لتسوية سياسية الولايات المتحدة أهم رعاتها – وبين مصالح الولايات المتحدة سواء من ناحية صورتها و دورها في الأمن والسلم الدوليين فقد ظهرت كدولة تنتهك القانون الدولي و تقفز على مقررات دولية و تنفرد بالتقرير في شأن يتعاطى معه ويرعاه كثير من دول العالم ، كما أنها تضرب دورها كوسيط في ما يسمى بعملية السلام فقد انحازت انحيازا كاملا وفي أخطر نقاط الخلاف بين طرفي الملف الفلسطيني ( السلطة الفلسطينية – الكيان الصهيوني ) ولم تعد مؤهلة لا شكلا ولا مضمونا كوسيط بل أن هذا الإقرار يمثل حكم بالإعدام على ما يسمى بعملية السلام برمتها  ، أضف إلى ذلك أنها بهذا الإقرار تزيد من الكراهية للولايات المتحدة لدى مليارات البشر من المجتمعات الإسلامية و حتى بعض المسيحية فالاعتراف بتسليم مقدسات للمسلمين و للمسيحيين للكيان الصهيوني أمر حساس وماس بالمشاعر لهذه المليارات من البشر ، وهذا غير ما سيترتب على مثل هذا الإقرار من تنامي للجماعات الإرهابية ، وكذا زيادة تعريض أمن الولايات المتحدة و أمن الدول الغربية لمخاطر أمنية غير محدودة ولا محددة نتيجة لما سيمثله هذا الإقرار  من مبرر للعديد من ردود الأفعال الغاضبة و التهديدات للأمن والاستقرار في العديد من الدول و للأمن والسلم الدوليين كذلك  .

كان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو احد وعود ترامب أثناء حملته الانتخابية لكنه تراجع عنه بعد توليه الرئاسة الأمريكية لتقدير الإدارة الأمريكية أن الوقت غير مناسب ، لكنه في ظرف زمني معين أعلن إقرار بالقانون الذي جانبت ادارات أمريكية سابقة الإقرار به واعترفت بذلك الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، ولاشك أن أهم معالم هذا الظرف الزمني الذي أعلن ترامب فيه إقراره هو الفرصة و الحاجة ، فالفرصة هي الحالة التي تعيشها المجتمعات العربية فلم يكن الواقع العربي و الإسلامي أكثر ضعفا و تفككا وصراعا من الظرف الحاصل ، كما لم تكن بعض الإدارات السياسية للدول العربية و الإسلامية انصياعا بل تنسيقا مع ” صهاينة الإدارة الأمريكية ” والصهاينة ككل كما هي اليوم ولم تكن باقي الإدارات مسلوبة وعاجزة عن اتخاذ قرارات في مستوى هذه الخطوة وردا عليها كماهي اليوم ، وكون ما أقره ترامب هو قانون كان قد صدر عن  الكونجرس الأمريكي  في 1995م وما منع أقرار الإدارات السابقة به هو توقّعها لردود الأفعال عليه من قبل العرب و المسلمين لكن هذا المانع  حاليا كما يقدره ترامب و” صهاينة الولايات المتحدة ” هو في أدنى مستوياته و هي فرصه يجب استغلالها .
تصاعدت مظاهر الأزمة الداخلية الأمريكية التي عنوانها التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وإيصال ترامب لكرسي البيت الأبيض ووصلت إلى محيط ترامب بشكل مباشر و ابتلعت التقصيات و التحقيقات العديد من المسئولين عن حملة ترامب و مستشاريه وصولا لأهم شخص مؤثر في قرارات ترامب وهو مستشاره و صهره – كوشنر – وهو أحد أهم ” الشخصيات الصهيونية الأمريكية ” ووصلت التحقيقات لنقطة حرجه للغاية قد يترتب عليها الإطاحة بترامب من كرسي الرئاسة وبالتالي قامت هنا حاجة لمجاوزة هذه النقطة الحرجة بسلام وهو ما سيجعل من إقرار ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني أحد الحلول لمجاوزة هذه النقطة الحرجة ، فبالنظر للنفوذ ” للوبي الصهيوني ” في الولايات المتحدة الأمريكية وتأثيره على الإدارة و السياسة و الإعلام فلا مانع أن تتم صفقة بين الطرفين يتخذ بموجبها ترامب أحد أهم القرارات التي تسعى لها الصهيونية وهو الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني بمقابل أن يقوم اللوبي الصهيوني بدور في دفن ملف التدخل الروسي لصالح ترامب في الانتخابات الأمريكية أو عدم السماح بمجاوزته للنقطة الحرجة هذه على الأقل . وهذه هي الحاجة التي كانت أحد المؤثرات على ترامب للإقدام على هذه الخطوة التي تجنبها قبله أكثر من رئيس أمريكي .

إقرار ترامب هو أمر متعلق بموقف الولايات المتحدة من ملف القدس وليس قرارا دوليا وبالتالي فالمواقف التي يجب أو يفترض أن تتم تجاهه هي المواقف التي تأخذ هذا التفصيل في الاعتبار – والحديث هنا عن الردود الرسمية – والمساحة المتاحة للرد عليه هو ما بين إلغاء الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني اعترافها به و بين عدم التعامل مع أي دور أمريكي باتجاه عملية السلام و كذا إلى تجميد العلاقات المتبادلة مع الولايات المتحدة و وصولا لإصدار قوانين تقر بالقدس عاصمة فلسطين  لكن هذا الأمر يبدو صعب المنال لفهمنا بالحالة التي تعيشها الدول العربية و الإسلامية والتي أول مظاهرها اجتماع عربي بعد الإعلان بثلاثة أيام و على مستوى وزراء الخارجية !! واغلب المواقف ستدور حول الشجب و الإدانة و الرفض ودعوات التراجع عن القرار و الرفع إلى مجلس الأمن أن حصل .

فهم هذا التفصيل أن القرار هو موقف دولة مهم في فهم أهمية كل تحرك غير رسمي شعبي ومنظماتي و حقوقي وغيره ، فبما أن القرار قرار دولة فقوته وأثره متعلق بهيمنة هذه الدولية وأثرها في الملفات الدولية وعلى سياسات الدول وبالطبع الولايات المتحدة هي صاحبة اكبر نفوذ دولي حاليا وبالتالي مع أن القرار ليس قرار دوليا ولايقر حقا للكيان الصهيوني إلا أنه يمكن البناء عليه وجر العديد من الدول للحاق بالولايات المتحدة والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، وبالتالي فالتحرك غير الرسمي يجب أن يكون في أعلى صوره و أن يتم العمل على كسبه صفة الاستدامة كي يمثل حاجز يمنع جر دول أخرى لمثل هذا القرار اعتمادا على هيمنة ونفوذ الولايات المتحدة التي بدءت بالإقدام عليه .

يرى البعض هذا القرار بصورة سوداوية لكن يجب التنبه لأنه يحمل قدر كبير من الايجابية لصالح القضية الفلسطينية ومن تلك الايجابيات أولا  انكشاف الموقف الأمريكي اللاعب الأهم في الملف الفلسطيني على حقيقته فقد ضل الموقف الأمريكي  يراوغ على مدى عقود بصورة تمييع القضايا لتمرير مصالح الصهيونية وإعاقة أي خطوة باتجاه صالح ” السلطة الفلسطينية ” والحق الفلسطيني ككل بذريعة الحفاظ على استمرار مايسمى بعملية السلام ، وثاني هذه الايجابيات أن هذا الإقرار سيمكن الكثير من رسم صور حقيقية تجاه العديد من المواقف و الإدارات و القوى ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية فردود الأفعال عليه ستكشف من هو متماهي مع الكيان الصهيوني ومن هو مع الحق الفلسطيني و العربي و الإسلامي بأدنى مستوياته – أي الحق المقرر تبعا لعملية السلام – أما ثالث هذه الايجابيات فهو إتاحة الفرصة لتخلق علاقات جديدة أو تمتين علاقات قائمة كالعلاقة بين فتح وحماس و العلاقة بين الحكومات المتمسكة  بالحق العربي و الإسلامي عربيا وإقليميا ، ورابع هذه الايجابيات هو حالة الصدمة التي تسبب بها هذا القرار وسينقل القضية الفلسطينية إلى مستوى اهتمام متقدم كانت قد تراجعت عنه كثيرا في السنوات الأخيرة  .

كما من الايجابيات أن القرار بطبيعته الحساسة و مجيئه بعد خطوة حساسة أيضا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع مع الكيان هي اتفاق تيران وصنافير سيمثل ومضة قوية بطبيعة الأحداث التي تدور في المنطقة من صراعات داخل الدول وبينها وصناعة عداوات بديله تشغل القدرات العربية و الإسلامية عن العدو الأول والحقيقي المحتل و المغتصب وأنها أحداث مصنوعة بمنهجية  لتحقيق خطوات لصالح العدو الصهيوني  لم تكن لتمرر لولا هذه الحالة التي نعيشها كعرب ومسلمين ، وكذا التنبية بأن العدو يعمل محوريا ومركز تركيزا كبيرا على استكمال احتلاله وتوطين كيانه والعرب والمسلمون في انشغال ببعضهم وأصبح من  المُلحّ الآن أن يتم التوجه لتغيير واقعنا إلى الأفضل لمواجهة هذه الخطوات الغادرة قبل أن يستكمل الصهاينة و كيانهم طموحاتهم ونجد أنفسنا نحن الغرباء في بلداننا و منطقتنا .

كنت قد كتبت في مقال سابق بأن المنطقة دخلت مرحلة الفرز ونقطة الفرز هي الموقف تجاه مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني ولا شك أن هذا القرار سيكون ذو علاقة بمسألة الفرز بشكل مباشر وكبير والمرحلة التي نراوح فيها ستكون لها خريطة ديمغرافية وجيوسيسة مختلفة تماما .. و القدس وكل شبر في فلسطين حق فلسطيني عربي إسلامي كان ولازال وسيضل و سيعود بمكر من يعملون لاستلابه بأذن الله .
صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/12/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد