آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

من الثورة إلى المنظمة فإلى نجمة داوود في بكين


طلال سلمان

لم يلتهم “الكيان الإسرائيلي” فلسطين دفعة واحدة..
بدأ الالتهام ببناء مجموعة من المستوطنات، وتعزيز سكانها بالسلاح، الفردي بداية، ثم بقليل من المصفحات والرشاشات الثقيلة، ومحاولة إغراء بعض المزارعين العرب ببيع أملاكهم، التي ستصادر على أي حال.

بعد الثورة الشعبية العارمة في 1936، وارتفاع وتيرة العنف، ارتكبت عصابات “شتيرن” و”الهاغانا” سلسلة من المذابح المنظمة لإلقاء الرعب في قلوب الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم بلا سند إلا من أناشيد الحماسة “يا فلسطين جينالك .. جينا وجينا جينالك.. جينا لنشيل احمالك”..

أما في الحرب الفلسطينية الأولى، في العام 1948 فقد شارك من الجنود والضباط العرب (مصريين وسوريين وأردنيين ولبنانيين (عند نقطة الحدود) وكذلك من المتطوعين العرب مغاربة وتوانسة ويمنيين، مئات من الذين جاءت بهم “نخوتهم” وإيمانهم بعروبة فلسطين وبضرورة حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وحتى اليهودية، فيها.

احتل الإسرائيليون معظم أرض فلسطين، ولكنهم حرصوا ـ بناء على اتفاقات سرية ـ على ترك الضفة الشرقية لنهر الأردن لتكون تحت حماية العرش الهاشمي، قبل أن تصير جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.. متكاملة مع إسرائيل في الأرض والوظيفة.

وهكذا، على سبيل المثال لا الحصر، لم يتمكن أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني الذين اختيروا بناء على جدارتهم وكفاءاتهم ودورهم في خدمة قضيتهم، من المشاركة في أعمال هذا المجلس، وأعيدوا من مطار القدس (الشهيد غسان كنفاني مثلاً)..

كانت الضفة في يد “السلطة” شكلاً، و”السلطة” في أيدي الأنظمة العربية بعنوان المملكة الأردنية الهاشمية..

وفي 5 حزيران 1967 دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي القدس الشرقية مكملة السيطرة على فلسطين، ومعها هضبة الجولان وبحيرة طبريا وتلال شبعا على الحدود اللبنانية ـ السورية.

ستبدأ، حينذاك، مرحلة جديدة من العمل الوطني الفلسطيني باعتماد الكفاح المسلح والعلميات الفدائية داخل الأرض المحتلة أو عبر الحدود.

وجاءت معركة “الكرامة” في الأغوار لترفع معنويات الثورة وتقدم الكفاح المسلح على العمل السياسي.. ميسرة أمام الراحل ياسر عرفات التقدم لوضع اليد على منظمة التحرير، جامعاً من خلال موقعه على رأس سلطتها التنفيذية بين “الرئيس” و”قائد الثورة”.

صار “أبو عمار” الكل في واحد: رئيس “الدولة”، رئيس “الحكومة” قائد القوات المسلحة، قائد الـ17 (أي الشرطة)، وزير الخارجية، مدير المخابرات الخ..

وحاول الرجل أن يعوض خسارة الأردن، بعمان، وجرش وسائر المناطق المطلة على فلسطين، عبر جنوب لبنان، مع التمدد إلى العاصمة الساحرة بيروت، حيث يمكن أن يطل على الدنيا جميعاً..

وأذكر أنني خلال رحلة إلى الصين، بناء على دعوة من اتحاد عموم الصحافيين الصينيين، قد فوجئت بصبية ساحرة الجمال تتلفع بالعلم ذي النجمة السداسية الزرقاء، في نهاية الممر الإجباري إلى قسم الاستعلامات..

مع نهاية الزيارة جاء رئيس الاتحاد العام لعموم الصحافيين الصينيين، مع لفيف من زملائه، يريدون أن يسمعوا منا الملاحظات السلبية، “أما الايجابية فنحن نعرفها”..

امتدحنا كرم الضيافة وحسن التنظيم وشكرنا وحمدنا، فقال الرئيس بوجهه الضخم: السلبيات يا رفيق..

لم نجد مفراً من أن نذكر حكاية العلم الإسرائيلي، يستقبلنا في أول أيام وصولنا إلى البلاد الصديقة العظيمة، الصين، بالحزب الشيوعي العريق وتاريخه النضالي المجيد..

حدق فينا المسؤول الصيني طويلاً قبل أن يقول: هل تعرفون من طلب إلينا إعادة العلاقات مع إسرائيل؟! أنه السيد عرفات. كان يسعى لتمرير صفقة: تعترف دول عدم الانحياز بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير..

كنا مبهوتين لهذه الصراحة الجارحة.. ولقد أيقظنا مضيفنا وهو يعود إلى الكلام قائلاً: وكما تعرفون، يا رفاق، فإن إسرائيل متقدمة جداً بمسألة الري بالتنقيط… ثم أن إسرائيل تنتج أنواعاً من الرشاشات الصغيرة جداً، ونحن بحاجة إليها.. وطالما أن السيد ياسر عرفات لا مانع لديه من التبادل التجاري مع إسرائيل، فلماذا لا نستورد منها ما نحن بحاجة إليه، خصوصا وأن ذلك لا يضر بالقضية المقدسة.. ثم أنه قد يفتح الباب أمام حلول غير متوقعة وغير منظورة..

قمنا نجر أذيال الخيبة، وفي الخلف النجمة السداسية تلتمع زهواً بأنها قد احتلت مكان الصدارة في بلد الصديق الأخطر للعرب: الصين.
*
أليس طبيعياً أن تستخدم واشنطن حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لحماية كرامة رئيسها، وكرامة حليفها الإسرائيلي، وأزلامها من قادة العرب الذين خرجوا من ميدان الصراع حول فلسطين، ولن يعودوا إليه!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/12/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد