التقارير

تقرير خاص: ضرب قرار #ترامب بحق #القدس.. سقطة أمريكية مدوية وصفعة دولية لـ #واشنطن

 

 مالك ضاهر ..

لا شك أن ما جرى مؤخرا في الأمم المتحدة بخصوص الموقف الدولي المخالف والرافض للقرار الأمريكي بخصوص مدينة القدس المحتلة، ليس بالأمر العابر والبسيط ولن يكون دون دلالات سياسية وغير سياسية في المرحلة القادمة.

وخلال الأيام الماضية وجدت واشنطن نفسها وحيدة معزولة ومحاصرة في مجلس الأمن من 14 دولة صوتت ضدها بخصوص قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وبعد عدة أيام وجدت واشنطن نفسها غير مؤثرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمواجهة 128 دولة صوتت مع رفض أي إجراءات تهدف إلى تغيير الوضع في مدينة القدس، ورأت الإدارة الأمريكية نفسها و"إسرائيل" في خانة واحدة مع بعض الدول الصغيرة غير الفاعلة، لا تقوى على إحداث أي تغيير في مواقف الدول باستثناء حصولها على امتناع البعض عن التصويت ما يصب أيضا في خانة الخسائر الأمريكية الإضافية.

العجز الأمريكي.. والموقف الدولي

كل ذلك لا يمكن أن يكون بلا دلالات على مستوى العلاقات الأمريكية مع دول العالم وعلى مستوى النظرة الدولية للإدارة الأمريكية الحالية وعلى مستوى أحقية قضية القدس وفلسطين، لكن هل باتت الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة إلى هذه الدرجة على التأثير في المنظمة الأممية وعلى الصعيد السياسي الدولي؟ هل المشكلة تكمن في الأسلوب المعتمد من قبل الإدارة الأمريكية الحالية أم أن المسألة أكبر من ذلك ولها علاقة بصورة أمريكا وقدراتها الحقيقية اليوم في العالم؟ هل العجز الأمريكي عابر ومؤقت باعتبار أنه يواجه قضية محقة مئة بالمئة هي قضية القدس أم هو عجز دائم ومستمر؟ وأي مؤشرات ونتائج قد تتمخض عن هذه التجربة الجديدة في الأمم المتحدة؟

الأكيد أن إدارة دونالد ترامب التي لا تحصل على القبول الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بات ترامب ملفوظا على المستوى الشخصي وعلى مستوى العديد من الأفراد في إدارته العاملة، نتيجة التصرفات المجنونة وغير اللائقة التي يقومون بها، هذه الإدارة أيضا لا تلقى القبول خارجيا بل تنفر الآخرين منها وعلى نطاق واسع، وفي هذا الإطار يندرج كلام وأداء المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي التي أطلقت سلسلة من التصريحات الاستفزازية لكثير من الدول سواء في مجلس الأمن أو قبيل انعقاد الجمعية العامة منها على سبيل المثال التهديد أنها ستسجل أسماء الدول التي تعترض على القرار الأمريكي، ما يفهم على أنه استخفاف كبير بالدول ذات السيادة التي ترفض بمعظمها التعاطي معها بهذه الطريقة الدونية ولو كانت لها مصالح أو علاقات مع أمريكا.

سقوط العنجهية الأمريكية..

إلا أن الأمر لا يتوقف فقط على هذا التصرفات الفردية لبعض الأفراد، وإن كانت تدل على التسلط والعنجهية الأمريكية المفرطة وهي مؤشر على الرغبة الأمريكية بالسيطرة على كل شيء في العالم وأن تفرض ما تريد على الآخرين من دون أي اعتبار للقيم والأعراف السياسية والدبلوماسية وحتى من دون احترام آراء ومصالح الدول الأخرى، فالدول جميعها لا يمكن أن تنجر بشكل أعمى مع القرارات الأمريكية خاصة أن هناك قيم لا تقبل كل الدول بالتخلي عنها وهناك خطوط حمر لا يمكن لأحد تجاوزها وفي هذا السياق تأتي مواقف الدول بخصوص القدس وفلسطين، فكثير من الدول تقيم علاقات مع واشنطن وتل أبيب ولكن لا تقبل ولا توافق على الممارسات الإسرائيلية في الأرضي المحتلة ولا تقبل بالغطاء والدعم الأمريكي في الخصوص.

دلالات ما جرى في الأمم المتحدة..

لذلك يمكن تسجيل بعض النقاط جراء مجريات الأحداث التي سجلت في أروقة الأمم المتحدة، ومنها:

-سقوط الهيبة الأمريكية على مستوى العالم مع بروز قدرات لدول أخرى تستطيع أن تعوّض بعض الدول عن خسائرها أو التهديد والضغط الأمريكي المحتمل في هذا المجال، لا سيما القوة الروسية التي عادت بشكل كبير إلى مناطق الصراعات لا سيما في الشرق الأوسط، كما أن روسيا تفتح العلاقات مع مختلف الجهات حول العالم، وكذلك القوة الصينية التي تشكل خطراً محدقاً بأمريكا، وبذلك لا يمكن لواشنطن أن تتصرف بفوقية مع الآخرين ودون ضوابط أو معايير بحجة أن هذه الدول تحتاج أمريكا، فاليوم يوجد في العالم من سيعوض هذه الدول عن مصالحها التي قد تتضرر فيما لو عارضت أمريكا، حيث يوجد على المستوى الدولي من يقيم علاقات ودية ندية قائمة على الاحترام المتبادل بعكس المفهوم الأمريكي المعتمد.

-سقوط صورة الولايات المتحدة كوسيط يقيم العلاقات ويسعى لتقريب وجهات النظر بين الدول، وذلك نتيجة التحيز الأعمى لمصالحها ولمصالح "إسرائيل" في كل العالم وعدم تقديمها أي شيء إلا بناء لمصلحتها الخاصة، حتى أن السلطة الفلسطينية التي طالما عوّلت على مسائل التفاوض والحلول السياسية للقضية الفلسطينية ما عادت ترى واشنطن وسيطا في مثل هذه العملية ولم تعد تريدها أن تقدم أي طروحات سياسية تفاوضية وسترفضها إذا ما قدمتها، وبالسياق فإن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس لم يجد أي جهة فلسطينية تستقبله إذا ما قرر زيارة الأراضي المحتلة ما دفعه لإلغاء الزيارة، وعلى هذا المثال يمكن قياس علاقة وصورة واشنطن مع كثير من دول العالم التي ما عادت ترى بأمريكا طرفاً موثوقاً لإقامة علاقات معها أو لإدخال لحل أي خلافات إقليمية أو دولية.

-العالم قرر توجيه صفعة للولايات المتحدة ولو بعنوان دبلوماسي سياسي وتحت عنوان القضية الفلسطينية، فواشنطن وبالتحديد منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض باتت تشكل مصدر قلق يومي لجميع دول العالم حيث الاستفزاز لا يتوقف بدءا من شبه الجزيرة الكورية وصولا إلى المكسيك مرورا بالصين وروسيا والشرق الأوسط وأوروبا، ففي كل يوم يخرج ترامب إلى العالم بالتهديد والوعيد حول ضرورة فعل كذا والامتناع عن كذا ما يؤدي إلى قلق دولي من مفاجآت ترامب اللامتناهية.

والمتابع لسياسة ترامب منذ وصوله فهو يريد بـ"شطبة قلم" أن يلغي اتفاقات موقعة بين العديد من الدول وأخذت جهودا كبيرة وشاقة للتوصل إليها كالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول(5+1)، اتفاق باريس للمناخ، معاهدة الحد من انتشار الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى وغيرها من المعاهدات التي تقرر أمريكا إسقاطها وعند فشلها في ذلك تخرج منها أحيانا بشكل آحادي.

أضيف بتاريخ :2017/12/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد