آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

في ضوء ما قاله نصر الله هل «الحرب الكبرى» محتملة؟


د. عصام نعمان
 
معظم المسؤولين والمواطنين المعنيين في عالم العرب وغير العرب يصغون باهتمام شديد لما يقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فالرجل قائد مقتدر لتنظيم مقاوم قوي بات له دور إقليمي فاعل، وتتسم سلوكيته الشخصية والسياسية بالصدق والدقة والجدّية، لدرجة أن جمهور «إسرائيل» يصدقه أكثر مما يصدق زعماءه.

السيد نصرالله أدلى منتصفَ الأسبوع الماضي، خلالَ مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي سامي كليب، بجملة آراء ومواقف لافتة، تنطوي على أهمية إستراتيجية، لعل أبرزها أن «إسرائيل» والولايات المتحدة قد تتجهان إلى شن «حرب كبرى» على تنظيمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى أطراف محور المقاومة الداعمة لها في لبنان وسوريا وحتى في العراق وإيران.

وحرص السيد نصرالله على التأكيد على أن قوى المقاومة، اللبنانية والفلسطينية والسورية، باشرت في اتخاذ تدابير استثنائية، تنظيمية وعسكرية، لمواجهة مخاطر «الحرب الكبرى» وتداعياتها، وإن أهداف قوى المقاومة في هذه الحالة لن تقتصر على اقتحام منطقة الجليل، شمال فلسطين المحتلة، بل ستبادر إلى تحرير القدس، تحديداً، وما بعدها أيضاً.

أهمية كلام السيد نصرالله تنبع من اعتبارين: الأول كونه، في الواقع، المحرّك الرئيس لأطراف محور المقاومة (إيران، سوريا، حزب الله، وفصائل المقاومة الفلسطينية) إلى كونه أيضاً الناطق الميداني باسمها، إن صح التعبير؛ الثاني كونه قدّم استشرافاً منطقياً لتطورات الصراع في الإقليم يرجّح، في الغالب، اندلاع حرب كبرى.

استشراف السيد نصرالله يتعزز بالواقعات الآتية:
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنهى، بقرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة «إسرائيل»، إمكانيةَ التسوية ومسار المفاوضات (المعطَّل اصلاً) بين العرب والصهاينة وأجّج النزاع المحتدم بينهما.

القادة الصهاينة تلقفوا قرار ترامب وباشروا فوراً في استغلاله على نطاق واسع بتوسيع دائرة الاستيطان؛ وبقانون من الكنيست يجعل من القدس الموحدة «عاصمة أبدية» لـِ»اسرائيل» وأمراً واقعاً محروساً باستحالة التفاوض بشأنها، أو التخلّي عن أيّ جزء منها؛ وبقرار يكرّس ضمّ المستوطنات (المستعمرات) في الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني نهائياً؛ والتشدد في قمع المتظاهرين والمعترضين ومقاومي هذه التدابير الجائرة، حتى حدود تطبيق أحكام الإعدام بحقهم.

اقتران هجمة أمريكا و»إسرائيل» الكاسرة على حقوق الفلسطينيين، بحملة لتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، في إطار مسارٍ متدرّج لتصفية قضية فلسطين، مقروناً بمساعٍ حثيثة لإقامة تحالف بين السعودية و»إسرائيل» وما يتيسّر من سائر دول الخليج بغية مجابهة إيران إقليمياً والحدّ من نفوذها، لاسيما في سوريا والعراق.

يستنتج السيد نصرالله أن إنهاء خيار المفاوضات يؤدي إلى تقليص مساحة التعامل، ولو المحدود، بين طرفي النزاع ما يفضي بالضرورة إلى احتدام الصراع وازدياد فرص الصدام.

إلى ذلك، تُدرك «إسرائيل» تعاظم قدرات إيران على جميع المستويات، وبالتالي قدرة حزب الله على تدمير مرافقها الحيوية (الكهربائية والصناعية وموانئها الجوية والبحرية، فضلاً عن مستودعات الأمونيا ومفاعل ديمونا النووي) الأمر الذي يهدد الكيان الصهيوني أمنياً ومصيرياً. من المنطقي، والحال هذه، أن تتحسب «إسرائيل» وأمريكا للمخاطر والتهديدات الناجمة عن الوضع السياسي والعسكري المستجد فتبادر، ربما، إلى ضرب أطراف محور المقاومة للحؤول، استباقاً، دون اكتمال قدراتها ولإجهاض أيّ محاولة من جانبها لتهديد أمنها القومي.

في سياق إبراز هذه الواقعات والتطورات صدر عن السيد نصرالله في سياق مقابلته التلفزيونية تأكيدان لافتان ومهمان: أولهما أن أطراف محور المقاومة ستواجه بقوةٍ احتمال لجوء إسرائيل (وأمريكا) إلى خيار «الحرب الكبرى» وإنها تمتلك القدرات اللازمة للرد الفاعل، وثانيهما انه يقتضي تحويل التهديد الصهيوني أمريكي بالحرب إلى فرصة يقتضي اغتنامها لتحرير القدس.

ينهض في ضوء ما تقدّم بيانه سؤال ملحاح: متى تجد «إسرائيل» (ومن ورائها أمريكا) نفسها مضطرة إلى اللجوء لخيار «الحرب الكبرى» ضد أطراف محور المقاومة، ومتى يجد محور المقاومة نفسه، تالياً، مضطراً إلى الردّ الشامل؟

لعل القرار الحاسم، بالنسبة لـِ»إسرائيل» في هذه الحالة، يتوقف على ثلاثة شروط:

أولها، تأكّدها وخشيتها من توافر أسلحة كاسرة للتوازن (صواريخ بالستية، موجهة ودقيقة، ومنظومة صواريخ نوعية للدفاع الجوي، وطائرات متطورة بعيدة المدى وطائرات متطورة وأخرى مسيّرة بلا طيار، وتصنيع أسلحة دمار شامل) لدى أطراف محور المقاومة، ما يمكّنها من تدمير مرافقها الحيوية وتمزيق جبهتها الداخلية.

ثانيها، اختلال راجح في موازين القوى لمصلحة العرب، ولاسيما إذا ما ساندت مصر بشكلٍ او بآخر أطراف محور المقاومة، خاصةً في حال كسرها الحصار والطوق المفروضين على قطاع غزة.
ثالثها، استعداد الولايات المتحدة للمشاركة في «الحرب الكبرى» على أطراف محور المقاومة أو، أقلّه، مساندة «إسرائيل» على نحوٍ وازن ومؤثّر.

يرى البعض، شأني في هذا المجال، استحالة لجوء «إسرائيل» إلى «الحرب الكبرى» ضد أطراف محور المقاومة، ما لم تضمن مشاركة الولايات المتحدة أو مساندتها القوية لها سياسياً وعسكرياً، إلاّ في حالة واحدة شديدة الاستثناء هي جنوح قيادة «إسرائيل»، لأسباب خطيرة وماثلة ويصعب تجاوزها، إلى استخدام «السلاح الأخير»، أي السلاح النووي، بدعوى تفادي «هولوكوست» هائل، يعقب انهيارا وشيكا نتيجة هجوم صاعق لقوى محور المقاومة.

ما الموقف الأرجح لمحور المقاومة إزاء الاحتمالات السالفة الذكر؟
يستشفُّ المراقب الحصيف مما قاله السيد نصرالله أن قوى محور المقاومة تمتلك قدرات وازنة، عسكرياً وتكنولوجياً، وأن بإمكانها الردّ بإقتدار على «الحرب الكبرى» التي تشنّها «إسرائيل» وذلك لتوافر شرطين لديها من الشروط الثلاثة المشار إليها آنفاً: الأول (الأسلحة الكاسرة للتوازن) والثاني (اختلال موازين القوى لمصلحتها عاجلاً أو آجلاً) إلّا أنها قد تتردد في توسيع دائرة الاشتباك مع العدو، في حال مشاركة الولايات المتحدة في «الحرب الكبرى» أو مساندتها الوازنة له. ومع ذلك فإن أطراف محور المقاومة قد تقدم على الرد بقوة، في حال امتلاكها أحد أسلحة الدمار الشامل، أقلّه الأسلحة الكيميائية أو الأسلحة البيولوجية. ذلك أنها تستطيع باستعمالها تعويض النقص في السلاح النووي الذي يمتلكه العدو وقد يستعمله. كيف؟ بالقوة النارية المتعاظمة لسلاح الدمار الشامل (الكيميائي أو البيولوجي) وبالصواريخ الموجهة وغير الموجهة التي تمتلك منها مئات الآلاف وتستطيع إطلاقها من قواعد قريبة في محيط «إسرائيل» الجغرافي.

يبقى أنه يقتضي، في هذه الحالة، وجود قدرة وازنة لدى أطراف محور المقاومة على تصنيع أسلحة الدمار الشامل، وعلى إشعار العدو بوجودها توخياً لتفعيل عامل الردع، كما على إشعاره بالإرادة الحاسمة لاستعماله بلا تردد، إذا ما استدعى الخطر والضرورة القصوى ذلك.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/01/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد