التقارير

تقرير خاص: في ظل الإجراءات العشوائية.. الاقتصاد السعودي إلى أين؟


مالك ضاهر ..

يعد الوضع الاقتصادي الصعب أحد أبرز المشكلات التي تعاني منها المملكة السعودية والتي ستتواصل خلال العام الجاري بشكل مطرد بحسب ما تشير إلى ذلك كل الدلالات والأرقام التي نشرت في مختلف الوكالات المتخصصة وفي وسائل الإعلام أو الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية السعودية، ولا يبدو أن حلولا سريعة أو بديلة ستنفذ لتخفيف هذا العجز ولا إمكانية لرفعه خلال السنوات المقبلة كما خلال السنة الجارية لضيق الوقت وعدم وجود المخططات الكفيلة بذلك، بل أن العجز مرجح للازدياد في ظل السياسات الاقتصادية وغير الاقتصادية المتبعة في المملكة لا سيما عبر "العقل المفكر" فيها اليوم أي ولي العهد محمد بن سلمان.

وقبيل انتهاء العام 2017 برزت بشكل لافت طريقة استدعاء شخصيات سعودية وغير سعودية حيث تم اعتقال العشرات منهم، وقد تنوعت التحليلات حول خلفية الاعتقالات قبل أن ترسو كل الدلائل على أن أحد أهم أسباب الاعتقال لا سيما بالنسبة للإمراء ورجال الأعمال في فندق "ريتز كارلتون" هو الحصول على جزء من ثرواتهم لدعم "خزينة" الدولة السعودية التي يزداد عجزها يوما بعد يوم، وإن كانت التبريرات حاضرة للسيطرة على أموال المحتجزين عبر توجيه تهم بالفساد لهم وغيرها من الاتهامات المعلبة والجاهزة.

الاعتقالات وخدمة الدين؟!

ولكن بعد مرور كل هذا الوقت على عمليات الاعتقال وبعد إخراج العديد من المحتجزين ووضع اليد على مبالغ كبيرة من ثرواتهم، هل حصل أي تقدم على صعيد سد العجز الكبير في الخزينة؟ وهل الحصول على هذه الأموال والقيام بالاعتقالات سيستخدم أصلا في هذا الاتجاه أم أن الهدف هو خدمة الدين لمشاريع فردية ودعم طموحات ولي العهد السعودي للوصول إلى كرسي الملك؟ وكيف سيتم معالجة الخسائر المالية الضخمة في الخزينة وأي أساليب ستعتمد في ذلك؟
 
الخطوة الأولى التي يجب أن تكون واضحة في ذهن الجميع أنه لا يمكن بناء اقتصاد دولة ما بناء على قرارات فرد واحد وخدمة لطموحات ومصالح ضيقة وذاتية، ولو كان هذا الشخص أو الفرد له الكثير من الخبرة والمعرفة السياسية والاقتصادية، فكيف إن كان مصدّر القرارات ليس لديه الدراية والمعرفة المطلوبة أقله في الشق الاقتصادي، لذلك يجب العمل واعتماد خطط اقتصادية صحيحة وتصحيحية لمسارات الاعوجاج الموجودة سعوديا وعدم بث المشاريع والرؤى الحالمة بشكل فوضاوي بناء لخلفيات سياسية بحتة، فالقيام بهذا الأمر سيكون هو حجر الزاوية في بناء الاقتصاد القوي والسليم.

اهتزاز الاقتصاد.. والمشاريع المكلفة

بعد ذلك يجب الانتقال إلى الواقع القائم في المملكة السعودية حيث أُسس اقتصادنا بالاعتماد على النفط وما يدره من دون بناء قطاعات اقتصادية قادرة على تشكيل رافعة للبلاد أمام أي اهتزاز في سوق وأسعار النفط، ولذلك نجد ازدياد العجز في الخزينة العامة في كل مرة تنخفض فيه أسعار النفط عالميا، كما حصل في السنوات الأخيرة.

ولكن تعتبر المشاريع السياسية والدخول في حروب عديدة وفتح جبهات في عدة اتجاهات وعقد صفقات خيالية بدوافع سياسية واضحة أحد أبرز مصادر العجز في الخزينة السعودية، كالصفقة الخيالية التي عقدت خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض ومئات المليارات التي سلمت لإدارته بسبب ودون سبب وتلك المؤجلة الدفع لفترات مستقبلية قادمة، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الحرب على اليمن التي تشنها المملكة السعودية بشكل مباشر عبر قيادتها لتحالف عسكري لفرض سياسات معينة على اليمنيين من دون وضوح إمكانية تحصيل أرباح أو نتائج ايجابية لاحقا على المملكة، ناهيك عن تدخلات متنوعة وخاسرة ومكلفة في مختلف الملفات والساحات على امتداد المنطقة والعالم.

ومن المسائل التي تزيد من خسائر الخزينة السعودية هي قيام السلطة السعودية بدفع مبالغ طائلة بهدف إقامة علاقات سياسية معينة مع رؤساء وقيادات سياسية في بعض البلدان وتقديم هبات ومساعدات لجهات مع العلم أن الداخل السعودي أولى بتقديم هذه الأموال لمساعدته ورفع قدرته الشرائية ورفع المشاكل التي يعاني منها، خاصة أن الفقر الموجود في الداخل وارتفاع نسبة البطالة وكثير من الآفات المعيشية والحياتية التي باتت تظهر اليوم عبر ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات والتي تبدأ بارتفاع أجرة النقل وصولا لغلاء أسعار الطاقة والمحروقات في بلد يحتوي ما يحتوي من النفط الذي طالما وزعت غنائمه ومنافعه تاريخيا على فئة معينة تضم العائلة الحاكمة ومن معها من الأزلام والحاشية.

خطوات غير مجدية..

والأكيد أن كل محاولة السلطة والقرارات التي يتخذها الملك سلمان وبقية الإدارات للتخفيف من علاوات وامتيازات وغيرها، لن تنفع من تخفيف وطأة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بما يؤدي إلى زيادة أعداد الطبقة الفقيرة في المملكة، مع استمرار الإجراءات غير المحسوبة برفع الأسعار وزيادة الضرائب بشكل متوحش لا سيما الضريبة على القيمة المضافة بهدف جمع الأموال من جيوب الإنسان العادي مع أن بعض الأمراء يتنعمون بمال الشعب دون أي حسيب أو رقيب، وما يفهم من جولة اعتقالات "الفاسدين" في الفندق الفخم أن هناك من يتنعم بأموال الناس وهذا باعتراف من السلطة نفسها التي اعتقلتهم، كما أن شراء يخت بملايين الدولارات وصرف الأموال الطائلة على رحلات سياحية في مختلف أرجاء الأرض هو دليل أن العجز يتسبب به بعض الأشخاص دون أي إحساس بالمسؤولية الوطنية ودون الشعور بما يشعر به الشعب من ضيق.

وهنا يبدو من اللطيف الإشارة لكلام صدر مؤخرا عن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح الذي دعا "المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك بتعديل السلوك من خلال اعتماد المصابيح ذات الكفاءة وإطفاء المكيفات أثناء الخروج من المنزل.."، فهل هذا الأمر يقوم به الوزير نفسه أو يمكن توجيه أيضا إلى بعض المسؤولين والحكام؟ وهل يقومون هم بمثل هذا السلوك السوي أم أن الأمر يقتصر فقط على عامة الناس؟

لذلك لابد من العمل بجد في المملكة السعودية لمحاربة الفساد عملا لا قولا وبشكل جدي وسريع وعدم الركون إلى بعض التحليلات السياسة والإعلامية للمحسوبين على السلطة بأن هناك من يحارب الفساد عبر زج بعض الوجوه في السجون لغايات أبعد ما تكون عن القضاء والمحاسبة والرقابة السليمة ومكافحة الفساد حيث تنتهك فيها الحقوق بدل صيانتها بما يضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات في البلاد، والحقيقة أنه لا مجال للوصول في يوم من الأيام إلى اقتصاد سليم وسد للعجز في الميزانية أو لبناء دولة عصرية وقوية إلا بمحاربة الفساد ابتداء.

أضيف بتاريخ :2018/01/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد