آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

الخيانة بالتدريج


طلال سلمان

ضاعت فلسطين، أو ضيعها أهلها العرب، في الخارج أساسا مع قليل في الداخل، ثم انتبهوا جميعاً إلى أن عدوهم من طبيعة أخرى، غير طبيعة الاستعمار الأجنبي، الذي عرفوه بريطانيا كان أو فرنسيا، برتغاليا أم ايطاليا، بلجيكيا أم أسبانيا، وانتبهوا متأخرين إلى أنه استعمار استيطاني معزز ومدعوم بكل أنواع “الاستعمار القديم”، فضلاً عن المال والسلاح والرجال، وفيهم رجال المال والإعمال الذين بادروا إلى شراء ما تيسر لهم شراءه من أراضي الفلسطينيين والعرب غير الفلسطينيين، ممن كانوا يملكون بعض الأراضي الممتازة فيها.

ثم كان ما كان من أمر العصابات الصهيونية المسلحة والتواطؤ مع الاستعمار البريطاني، والعرب ـ بأنظمتهم، سواء في البلاد الخاضعة للاستعمار البريطاني كمصر والعراق والخليج العربي (الذي لم يكن دولاً بنفط أو غاز غزير وإنما مشيخات من رمل وسمك وشيء من اللؤلؤ ومواسم من الجراد).

لن نعيد سرد ما هو معروف تاريخياً: كانت قوات الهاغانا وشتيرن الصهيونية أفضل إعداداً وأحسن تجهيزاً من مجموع الجيوش العربية حديثة الولادة (لا سيما في سوريا ولبنان) أو مخضعة ـ بأمر النظام الحاكم ـ لأمر الانتداب البريطاني (كما في مصر والعراق)، وكانت ليبيا تحت الاستعمار البريطاني الذي ورث الاستعمار الايطالي، أما الجزائر فمستعمرة استيطانية جاء منها متطوعون ـ بالمئات، كما من سائر المغرب والمشرق، أبلوا بلاء حسنا بشجاعة الرجال، ودائماً خارج الخطط العسكرية وغرف العمليات والقيادة المؤهلة التي لها حق الإمرة على جميع المقاتلين.

.. وجاءت الهزيمة مدوية: انتصر الإسرائيليون الآتون جاهزين بسلاحهم للقتل، بعدما انهوا تدريباتهم في الجيوش الحليفة خلال الحرب العالمية الثانية، ثم خلال المواجهات مع كتائب من جيوش عربية غير مُعدة للحرب، ومزودة بأسلحة فاسدة كما الجيش المصري التي تم التشهير به عبر “نكتة” سمجة تقول انه كان يبعد البندقية عن وجهه ويضع رأسه على الزناد وهو يقول: “يا ربي تيجي في عينه”.. لأن الرصاص كان غالبا ما ينطلق من الخلف فيصيب الجندي المصري حامل البندقية في عينيه..

توالت هزائم الجيوش العربية، أما نتيجة الغفلة وسوء التقدير سواء بالنسبة للعدو أو للمستوى القتالي وكفاءة قيادتهم، وكانت الأقسى في حزيزان 1967… ثم ضيعت القيادة السياسية ممثلة بالرئيس المصري أنور السادات النصر الذي تبدى ممكناً، وتجلى باهراً في البدايات، 6 تشرين الأول 1973 ـ العاشر من رمضان.. بتجميد القوات بعد عبورها قناة السويس بكفاءة نادرة، بحيث تفرغت قوات العدو مجتمعة الإسرائيلي لقتال الجيش السوري الذي كان قد استعاد معظم الجولان مع “المرصد” في أعلى قمم جبل الشيخ..

اندفع السادات إلى الصلح مع العدو الإسرائيلي متعجلاً، “بإغراء” من وزير الخارجية الأميركية كيسنجر، فزار القدس المحتلة وصافح بيغن وموشى دايان وشارون، وخطب أمام الكنيست.. متخليا عن شريكه في الحرب، سوريا، وعن جوهر القضية: فلسطين..

وليس إلا بعد سنوات، وبعد هزيمة عراق صدام حسين وإجلائه عن الكويت، التي احتلها ذات ليل، حتى “سمح” الأميركيون فتم عقد “اتفاق أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي بالرعاية الأميركية.

…وتنفس أهل النظام العربي الصعداء، واعتبروا انهم قد أدوا قسطهم للعلى فلم يناموا.. بل هم تسابقوا إلى الاعتراف بالكيان الإسرائيلي. بعضهم علنا، مثل قطر، وبعضهم سراً مثل البحرين ودولة الإمارات وفضلت السعودية التدرج، فتركت للأمير تركي الفيصل “حرية” المشاركة في بعض المؤتمرات التي يشارك فيها إسرائيل.

ها هم المسؤولون الإسرائيليون يكشفون المستور، وأخطر ما تحدثوا عنه مشروع تحالف أميركي ـ إسرائيلي ـ سعودي لمحاصرة إيران..

والسعودية هنا تعني مجمل دول الخليج، وبعضها كان سباقاً إلى الاعتراف “بالكيان الغاصب” مشفوعاً بالتضييق على الفلسطينيين العاملين في أقطار الخليج، بل أنهم ـ فعلياً ـ هم من باشروا بناء “دول الخليج”!. في انتظار أن يتمكنوا أو يمكنوا من “العودة” لبناء جنتهم المفقودة!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/01/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد