آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

هل تنتزع طهران اعتراف ترامب بصواريخها كما انتزعت اعتراف أوباما ببرنامجها النووي؟


صالح السيد باقر

الملف الإيراني كان العنصر المشترك في الحملة الانتخابية للرئيسين الأميركيين باراك أوباما ودونالد ترامب، فقد وعد أوباما ناخبيه بالتوصل إلى حل للملف النووي وقبل انتهاء رئاسته وقعت حكومته على الاتفاق النووي مع إيران، بينما وعد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي، ثم تراجع عن التهديد بتمزيقه إلى التهديد بإلغائه واليوم لا يتحدث عن تمزيقه ولا إلغائه وإنما عن تعديله، ولكي لا يوحي بأنه تراجع عن كلامه هدد أيضا بإلغائه أن لم يتم تعديله.

غاية ما كانت تريده إيران هو الاحتفاظ ببرنامجها النووي وتخصيب لليورانيوم إلى درجة لا تتجاوز عن 5 %، ولكن عندما رأت أن الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية تطالب بتفكيك برنامجها النووي، لعبت لعبة ذكية للغاية وذلك عندما طلبت بتزويدها الوقود النووي لمفاعل طهران والذي تصل درجة تخصيبه إلى 20%، وبما أنها كانت تعلم سلفا أنها لن تحصل من أية دولة على الوقود الذي يصل إلى 20% لذلك قامت بإنتاجه، وبذلك فإنها دقت جرس الإنذار لأن من يستطيع إنتاج وقود تصل درجته إلى 20% فأنه قادر على إنتاج الوقود الذي يدخل في صناعة القنبلة النووية.

الغرب وخاصة إدارة أوباما لكي لا تقر بانتصار إيران في معركتها الدبلوماسية، أعلنت أنها نجحت في كبح جماح إيران النووي وأوقفتها عن المضي قدما في امتلاك القنبلة النووية، بينما لم يكن لدى طهران أية نوايا بإنتاج وامتلاك القنبلة النووية، وإنما غاية ما كانت تريده هو الاحتفاظ ببرنامجها النووي لاستخدامه في الأغراض السلمية.

العالم رأى أن ظريف وموغيريني ووزراء خارجية أميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وقعوا على الاتفاق النووي، وسمع أوباما يقول أنه لو كان يقدر على تفكيك البرنامج النووي الإيراني لفعل، ولكنه لم يسمع من يتكلم عن الأسباب التي أرغمت أميركا والدول الأوروبية على التوقيع على الاتفاق وإلغاء كافة العقوبات عن إيران.

ولا أتناول هنا تفاصيل إرغام طهران للغرب بالتوقيع على الاتفاق النووي ولكن غاية ما يمكن قوله في هذا الصدد، أن الولايات المتحدة وعموم الغرب وصل إلى قناعة بأنه لا يستطيع تنفيذ الكثير من مشاريعه في العديد من دول المنطقة دون أن يتفق مع طهران، فقد بلغ نفوذ وقوة إيران في المنطقة حدا أنها قادرة معه على تعطيل المصالح الأميركية لو سعت واشنطن إلى تهديد المصالح الإيرانية.

هذه خلاصة ما جرى بين حكومة أوباما وطهران، فبعد أن كانت الحكومة الأميركية تريد تفكيك البرنامج النووي الإيراني وإغلاق المنشآت النووية ومارست ضغوطا شديدة، وأقنعت مجلس الأمن الدولي والأعضاء الدائمين بفرض 7 قرارات قاسية جدا على إيران، ولكن في نهاية المطاف اعترفت واشنطن والمجتمع الدولي برمته بالبرنامج النووي الإيراني، وألغيت كافة العقوبات عن إيران.

الوضع الحالي بين إدارة ترامب وطهران لا يختلف عن الوضع ما قبل الاتفاق النووي، والذريعة التي تسوقها الإدارة الأميركية هي امتلاك إيران للصواريخ الباليستية، فهل يا ترى ينجح ترامب في إرغام إيران على التخلي عن قدراتها العسكرية وخاصة صوريخها الباليستية؟

ويمكن الإجابة على هذا السؤال بالأمور التالية:

ليس بالضرورة أن السياسة التي تنتهجها حكومة ترامب متطابقة مع السياسة التي انتهجتها حكومة أوباما، خاصة إذا عرفنا أن نهج الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب في السياسة الخارجية يختلف عن نهج الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما، فالأول صدامي، بينما الثاني يبدي نوع من المرونة في قضايا السياسة الخارجية.

هناك اختلاف كبير بين البرنامج النووي والقدرات العسكرية وخاصة الصاروخية، فقد كفل القانون الدولي حق الدول في امتلاك الطاقة النووية واستخدامها للأغراض السلمية، وفي نفس الوقت فأن القانون الدولي كفل للدول امتلاك الدول للقدرات العسكرية التي تحمي بها نفسها وتبعد التهديدات عنها، غير أن الحكومة الأميركية تسعى إلى إقناع المجتمع الدولي بأن القدرات العسكرية الإيرانية وخاصة الصواريخ تشكل تهديدا على المنطقة والعالم.

الموقف الأوروبي سيكون حاسما في مضي ترامب قدما في سياسته تجاه إيران، ولذلك فأن كلا من طهران وواشنطن ستبذلان مافي وسعهما إلى جر الأوروبيين إلى صفهما، وحتى اليوم كانت أوروبا إلى جانب طهران ولكن لا يمكن التأكد من بقاء أوروبا إلى الأبد إلى جانب طهران.

ليس بالضرورة أن المستهدف هو القدرات العسكرية والصواريخ الإيرانية، فلربما الهدف غير ذلك، كأن تسعى حكومة ترامب إلى إيجاد الرعب من إيران لإبرام اتفاقيات عسكرية وسياسية مع بعض الدول، وبالتالي إذا تحققت الأهداف الثانوية فأن حكومة ترامب تتغاضى عن قدرات إيران العسكرية.

الوضع الدولي في الوقت الراهن يختلف تماما عما كان عليه في عهد أوباما، فقد برعت حكومة أوباما في جر المجتمع الدولي وخاصة القوى الدولية إلى صفها، وفرض عزلة دولة خانقة ضد إيران، بينما تواجه حكومة ترامب تحديا كبيرا في هذا الصدد، فإذا كانت حكومة أحمدي نجاد قد انتزعت اعتراف أوباما والمجتمع الدولي بقدراتها النووية رغم عزلتها، فهل يا ترى ستفشل حكومة روحاني التي تتمتع إلى حد ما بدعم دولي بتسوية ملف قدرات إيران العسكرية؟

إيران لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه التحركات الأميركية، ففي الوقت الذي ستواصل فيه تحركاتها الدبلوماسية، فأنها ستلجأ إلى ذات الأساليب والممارسات التي لجأت إليها في عهد أوباما، والتي توجه من خلالها الرسائل المباشرة وغير المباشرة، بأنها قادرة على إلحاق الأذى بالمصالح والمشاريع الأميركية.

ليس من المستبعد أن يبقي ترامب على ملف الاتفاق النووي والقدرات العسكرية الإيرانية مفتوحا، ليحقق الغايات والأهداف المطلوبة، وفي نهاية المطاف يحسم الملف كما فعل أوباما.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/01/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد