آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

قلق من نشوب صراع مسلح بعد الحرب الباردة في الخليج


د. سعيد الشهابي

الحرب الباردة بمنطقة الخليج ليست جديدة، ويمكن تحملها طالما لم تتحول إلى صراع دموي. فالتراشق بالاتهامات لم يتوقف منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979، التي تأسس مجلس التعاون الخليجي لمواجهة ما تمثله من تحديات لحكومات المنطقة.

وإذا كانت الحقبة الأولى بعد ذلك التغيير السياسي الكبير قد طغت عليها الحرب العراقية الإيرانية المدمرة التي استمرت ثمانية أعوام، فأن التوتر الحالي في شكله السياسي لا يقل حدة. وجاء القرار السعودي بقطع العلاقات مع إيران ليوسع أبعاد الحرب الباردة وليضيف أبعادا جديدة للصراع الذي تمتزج فيه الإيديولوجيا بالاعتبارات والمصالح السياسية. ومن الخطأ النظر إلى ما جرى في إطار التمايز المذهبي بين الطرفين، فطرح البعد المذهبي إنما هو وسيلة لتوسيع رقعة ذلك التمايز، كعنصر مفيد للتعبئة لصالح هذا الطرف أو ذاك.

الأمر المؤكد أن الإطراف المعنية بشكل مباشر في التصعيد الأخير لا ترغب فيه حقا، لعلمها أن استمراره قد يؤدي لصراعات دموية لن تنحصر بحدودهما، ولن تحقق انتصارا ساحقا لأي منهما على الآخر. فما الذي تحقق من الحرب العراقية الإيرانية سوى الدمار والخراب وإرجاع البلدين عقودا إلى الوراء؟ بقي النظامان مكانهما ونجم عنهما حقائق سياسية تركت آثارها على الصراعات اللاحقة خصوصا تلك التي أعقبت ظاهرة الربيع العربي. وحرب اليمن الحالية هي الأخرى دليل آخر على عدم جدوى الحروب وعدم قدرتها على حسم المواقف، فبعد تسعة شهور متواصلة من القصف والتدمير لم يتحقق للتحالف الذي قادته السعودية الأهداف التي وضعها في بداية الحرب، بل أن بعض المشاركين فيه انسحب لعلمه بعدم جدوى هذا الصراع الدموي. فما عسى أن يتمخض عن لعبة شد الحبل الحالية بين السعودية وإيران؟

يجدر النظر لطبيعة العلاقات بين البلدين خصوصا في الأعوام الخمسة الأخيرة التي أعقبت وأد الربيع العربي، وبشكل خاص بعد توقيع الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والدول الغربية. وتحركت السعودية بهدف ضرب ما تعتبره «نفوذا إيرانيا» في العراق أولا ثم البحرين ثم سوريا، أو صعود التيار الإسلام السياسي كما في مصر وتونس.

وجاءت أخيرا الحرب على اليمن امتدادا لذلك الصراع. وفجأة وجدت إيران نفسها أمام هجوم سياسي على كافة الأصعدة: المذهبية والسياسية والاقتصادية والعسكرية. وتصاعدت الحرب الاستخباراتية مع السعودية، وكان لبنان مسرحا لإثبات الوجود بين طهران والرياض.

السعودية كانت السباقة لاتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتبعها السودان وجيبوتي والصومال.

وفي ما عدا البحرين التي هرعت هي الأخرى لإعلان قطع العلاقات مع طهران، فقد اكتفت دول مجلس التعاون الأخرى بخطوة«سحب السفراء». وهذا أمر يدعو للاطمئنان بأن الأزمة لن تتحول إلى صراع دموي، في المستقبل المنظور على الأقل. القرار السعودي جاء ردا على نشوب حريق في محيط سفارتها بالعاصمة الإيرانية، ولم يعرف بعد حجم الإضرار التي لحقت بالسفارة نفسها. وأصبح الآن واضحا أن الحكومة الإيرانية لم تكن طرفا مباشرا في الهجوم الذي شنه محتجون تجمعوا حول السفارة للاحتجاج على إعدام الشيخ السعودي، نمر باقر النمر.

هذا التطور السلبي في العلاقات بين الرياض وطهران أصاب الكثيرين بالذهول، وساهم في زيادة التوتر في منطقة ما فتئت تنوء بالاضطرابات السياسية والأمنية منذ إجهاض ثورات الربيع العربي قبل خمسة أعوام. فقد كرس حالة الاستقطاب وعمق مشاعر القلق والإحباط لدى من يهمهم أمر الأمة ويقلقهم تفككها. صحيح أن تصريحات خجولة صدرت من بعض الدول الإسلامية الكبرى مثل تركيا للتعبير عن استعدادها للقيام بدور لتخفيف ذلك التوتر، ولكن آثاره لن تنحصر بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين خصوصا مع توقف الطيران وسعي كل طرف لكسب مواقف الدول الأخرى لصالحه. ومن المؤكد أن ينعكس القرار على فريضة الحج التي كانت من بين الأسباب التي ساهمت في تدهور العلاقات بينهما بعد مقتل أكثر من 450 من الحجاج الإيرانيين في الكارثة التي لحقت بالحجاج قبل ثلاثة شهور. كما انعكس سلبا على أسعار النفط التي شهدت المزيد من الهبوط. وثمة خشية من تصاعد ظاهرة الإرهاب في الفترة المقبلة، بدلا من تراجعها، وتعمق التوتر المذهبي وفي مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» الاثنين 11 يناير/كانون الثاني، قال وزير الخارجية الإيراني: «إن الإستراتيجية التي تعتمدها السعودية حاليا لعرقلة الاتفاق النووي وكذلك استمرار وتفاقم التوتر في المنطقة تعتمد على ثلاثة عناصر هي: الضغط على الغرب. عدم الاستقرار الإقليمي من خلال استمرار الحرب في اليمن ودعم التطرف».


وفي ذلك إشارة لعمق الاختلاف في السياسات والمواقف بين طهران والرياض، الأمر الذي يجعل محاولات التقريب بينهما مهمة شاقة. أيا كان الأمر فالمنطقة مقبلة على المزيد من التوتر، خصوصا بعد مرور خمسة أعوام على الربيع العربي بدون أن تتطور أوضاع البلدان العربية اقتصاديا أو ديمقراطيا، أو على صعيد حقوق الإنسان. وبرغم تأكيد الطرفين على تحاشي الصدام العسكري، فان استمرار التوتر قد يؤدي للحرب المباشرة أو بالوكالة، وفي ذلك بلاء عظيم للمنطقة، لن يستفيد منه إلا الكيان الإسرائيلي.

القدس العربي

أضيف بتاريخ :2016/01/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد