التقارير

تقرير خاص: إطلاق سراح ابن طلال.. وسقوط أكذوبة محاربة الفساد


مالك ضاهر ..

أسدل الستار عن الفصل المهم في قضية اعتقال الأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون في المملكة السعودية، وذلك بعد إطلاق سراح الوليد بن طلال وانتهاء صفحة من صفحات السياسات المبهمة التي يُعمل بها في المملكة وفتح صفحة جديدة من قضية محاكمة الأمراء ورجال الأعمال لمحاكمة من تبقى منهم قيد الاعتقال، من دون الإعلان عن تفاصيل واضحة ودقيقة لاطلاع الرأي العام على ما جرى بشكل شفاف ونزيه.

وإطلاق الوليد بن طلال أعلن عنه بعد تأكيد حصول تسوية مع الجهات المعتقلة التي تأتمر بشكل مباشر بأوامر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي تحاول تبرير الاعتقالات وقرارات إخلاء السبيل للمعتقلين بأنها تتم بموافقة أو بموجب قرار من النائب العام في المملكة، وهذا بالطبع لزوم القول إن في البلاد الاعتقالات والتحقيق مع المعتقلين وإطلاق سراحهم لا يتم إلا بناء على إشارات وأوامر القضاء ممثلا بالنائب العام في محاولة للإيحاء بوجود منظومة قانونية وقضائية سليمة تعمل بشكل فعّال في البلاد.

غياب الشفافية والاستخفاف بعقول الناس..

إلا أن كل ما جرى في قضية الاعتقالات للأمراء ورجال الأعمال وغيرهم وما انتهت إليه قضية الوليد بن طلال بعد طول انتظار والكثير من الأخذ والرد ورفض الرجل الرضوخ بسهولة لمطالب وأوامر ورغبات ابن عمه محمد بن سلمان بالحصول مجانا وبسهولة تامة على جزء كبير من ثروة ابن طلال الذي تنتشر شركاته واسهمها في الكثير من دول العالم، كل ذلك يطرح تساؤلات جدية عن الاعتقالات التي تمت وهل فعلا حصلت على خلفية محاكمة الفساد وتطهير واقتلاع الفاسدين؟ وأي محاربة للفساد هذه بينما تتم تسويات جانبية على هامش العمل القضائي مع المتهمين والمرتكبين؟ أليس الأجدر المضي بالتحقيقات والمحاكمات من دون النظر لأي أمور أخرى؟ وهل في القضاء ومن مقتضيات العدالة فتح مفاوضات مع المجرمين ومساومتهم على ثرواتهم قبل إطلاق سراحهم وعودتهم إلى حياتهم ومناصبهم وكأن شيئا لم يحصل؟ أليس ذلك استخفاف بالرأي العام المحلي والدولي؟

إن ما جرى مع الوليد بن طلال وغيره من المعتقلين ومنهم من احتجز وتم التحقيق معه قبل أن يعود لممارسة عمله في المناصب الرسمية في حركة تمثل قِمة الاستخفاف بعقول الناس، كل ذلك يؤكد المؤكد بعدم احترام مبادئ الشفافية والنزاهة وعدم الامتثال لأبسط القواعد التي يجب العمل بها بالشأن العام ألا وهي ثقة الناس بالوزير أو الموظف كما الأمير والملك، وبالطبع هو الأمر المفقود لدينا بمختلف الاتجاهات ومنذ عشرات السنين وما حصل في قضية الأمراء ورجال الأعمال في الفندق الفخم هو أبرز مثال على أن القضايا لا تدار وفق معايير وقواعد محددة على أسس قانونية وقضائية وإنما على أساس مصالح الحاكم الذي تقرر إرادته القانون والأنظمة وكيفية سير الأمور في البلاد، فلو أن إرادة هذا الحاكم كانت ترى أن بقاء أحدهم معتقلا وتمكنت من فرض ذلك في ظل ظروف دولية وإقليمية معينة لكانت هذه الإرادة هي الواجبة التطبيق دون أي نظر لأي أمر آخر، ففي المملكة الواجب هو تقديس الحاكم وبعد ذلك يتم إطلاق التبريرات الدينية والقانونية والأخلاقية لذلك ويتم التسويق لها إعلاميا وشعبيا.

من فشل إلى فشل..

لكن إطلاق سراح الوليد وما نتج عن أحداث الفندق السجن، يدلل على العديد من الأمور، منها:

-فشل وسقوط "نغمة" محاربة الفساد التي أُعلن أن ولي العهد السعودي يقودها والتي تم التهليل لها من قبل بعض الجهات عند البدء بالاعتقالات، والدليل أن غالبية من يجب فعلا أن يكونوا وراء القضبان باتوا أحرارا دون قيود لأنهم دفعوا "الرشوة" التي تريدها السلطة أو التي اتفقوا عليها بعد المفاوضات.

-فشل ولي العهد من تحقيق الأهداف الحقيقية المرجوة من وراء حملة اعتقال أبناء عمومته من الأمراء ومن معهم من رجال الأعمال والمنتفعين وبعض المقربين منهم، باعتبار أن أغلب هؤلاء عادوا إلى الحرية وإن كسرت شوكة البعض إلا أن البعض كالوليد بن طلال تمرد حتى وهو داخل السجن واحتاجت المفاوضات معه مدة من الوقت بالإضافة إلى إدخال وجهات مختلفة ومن ثم أطلق سراحه من دون معرفة تفاصيل التسوية وهل خضع لشروط ابن عمه أم أنه بقي على موقفه وكسر فعلا إرادة الحاكم المطلق؟

-فشل ولي العهد السعودي في إقناع الجهات الدولية أنه فعلا يريد محاربة الفساد وأن ما جرى هو بهذا الاتجاه، إنما أكد المؤكد بوجود مخالفات قانونية وقضائية جمة وانتهاكات لمجمل الحريات العامة والخاصة في المملكة، حتى وصل الأمر لأفراد العائلة السعودية من قبل من يمسك بزمام الأمور فيها.

-عدم اقتناع الشارع السعودي بجدية وصدقية الحملة التي أعلن عنها لمحاربة الفساد وأنها تهدف لتخليص الشعب من الفاسدين، بل هي أكدت للناس استمرار الفساد وبأشكال مختلفة وتحت السقف الذي تريده السلطة، أي أنه لم يتغير شيء ومن غير المأمول حصول تغيير حقيقي في المستقبل على الرغم من الخطط والرؤى التي تطرح لأن العبرة في التطبيق وليس في المشاريع النظرية التي لا تقدم ولا تأخر.

-فشل ولي العهد السعودي في فرض الهيبة التي يحتاجها والتي سعى إليها من خلال كل ما جرى عبر اعتقال العشرات من الأمراء ورجال الأعمال بينهم من كان يوصف بـ"الصقور والحيتان"، بل النتائج التي انتهت إليها القضية قد تكون أضرت بهيبة من يحتاجها أكثر مما نفعته، لفقدانها الإخراج الجيد والمتقن ما يؤكد أن البعض في قيادة المملكة يعرف كيف يفتح المعارك ولكن لا يعرف كيف ينهيها، وصعوبة الأمور لا سيما في قضايا الحكم والسياسة هو في ختم الملفات بشكل جيد لا تركها مفتوحة أو إقفالها بأسوأ الصور، فالعبرة كما يقال دائما بالخواتيم.

أضيف بتاريخ :2018/01/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد