آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله الكبير
عن الكاتب :
كاتب ومحلل سياسي

لماذا يقلق مجلس الأمن من تسرب تقريره السري حول ليبيا ولا يقلق من استمرار انتهاك قراراته؟


عبدالله الكبير

 اللجنة المعنية ب ليبيا في مجلس الأمن أعربت في بيان لها عن قلقها من تسريبات إعلامية للتقرير المعد من فريق الخبراء التابع لها حول تطورات الحالة الليبية. القلق كان حول الهواجس الأمنية والتهديدات التي تعرض فريق الخبراء، من دون تحديد مصدر هذه التهديدات،

  البيان وصف التسريبات ب “غير الدقيقة” وأنها “منتزعة من سياقها”،وهو وصف مألوف دبلوماسيا لمن يشعر بالحرج وقلة الحيلة إزاء حقائق حرص على سريتها ولكنها تسربت وجرى تداولها إعلاميا على نطاق واسع، وليس بوسعه نكرانها أو التنصل منها.

 انشئت اللجنة المعنية بالملف الليبي عام 2011 بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1970 عقب اندلاع الثورة الليبية ضد القذافي وجرى التمديد لها خلال السنوات التالية، وتتولى مهمة محددة وهي مراقبة تنفيذ التدابير المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن الخاصة ب ليبيا، وتشمل متابعة تنفيذ قرار حظر توريد السلاح إلى ليبيا، وتطورات العملية السياسية، و صيانة الأموال الليبية المجمدة في مختلف دول العالم، ورصد وتوثيق أي انتهاكات لحقوق الإنسان، والهجرة غير الشرعية. واستعانت اللجنة بفريق من الخبراء المتخصصين يتولى البحث والتحري وجمع المعلومات وتوثيقها بطريقة علمية صارمة، ثم يعد التقارير ويحيلها للجنة التي بدورها تعرضها على الأعضاء في مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم من قرارات كلما حان موعد تقديم المبعوث الأممي لليبيا لإحاطته حول الحالة الليبية.

التقرير الأخير المعد من قبل فريق الخبراء التابع للجنة في فبراير الماضي غطى بشكل مفصل ودقيق عبر 157 صفحة كافة التطورات في ليبيا سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا وحقوقيا، وكشف التقرير تورط مصر والإمارات في تصدير السلاح إلى أحد أطراف الصراع الليبي، ما يشكل خرقا صريحا للقرارات الأممية، وتورط المجموعات المسلحة بما فيها التابعة لأجهزة أمنية رسمية في الاتجار بالبشر والهجرة غير القانونية، ويشير التقرير إلى الانتهاكات المرتكبة من قبل فصائل ومليشيات مسلحة بعضها يتبع الحكومتين، المؤقتة في الشرق والوفاق في الغرب، كما أماط التقرير اللثام حول الطيران الذي قصف مدينة درنة أواخر أكتوبر الماضي وأودي بحياة نساء وأطفال وسجل حينها ضد مجهول، ولم تتبناه أي جهة وتعلن مسؤوليتها عنه، بل أدانته كل الأطراف واستنكرته، وقدمت التعازي لأهل درنة وأسر الضحايا، وحسب التقرير القصف نفذته مقاتلات حربية مصرية. ويذكر التقرير استعانة القوات التابعة لسلطات الشرق بفصائل مسلحة من المرتزقة مثل حركة العدل والمساواة السودانية في السيطرة على الهلال النفطي، كما يتطرق التقرير إلى عمليات اختلاس محتملة لأموال الدولة الليبية من قبل مصارف ليبية.

 يوصف التقرير الذي يصدر سنويا في فبراير بالمؤقت ويتبعه تقرير آخر نهائي في نوفمبر، ولا يختلف محتوى التقريران عادة، النسخة الأخيرة تكون منقحة ومختصرة وينضاف لها ما يستجد من تطورات ما بين فبراير ونوفمبر، أما المعلومات التي تضمنها هذا التقرير المسرب فهي مطابقة لما ورد في تقارير سابقة عن نفس الفريق، وهي متاحة عبر شبكة الانترنت، كما أن المتابع المهتم بالشأن الليبي على دراية بكل التفاصيل والتطورات والأحداث  الواردة في التقرير زمن وقوعها، إذ يسجل النشطاء الليبيون وينشرون على شبكات التواصل الاجتماعي كافة الأخبار والمعلومات في كل أرجاء البلاد، ولم يضف التقرير أي معلومات جديدة لا يعرفها المهتم بالشأن الليبي، ولكن ما يميز التقرير بالطبع هو الدقة والعلمية والمصداقية، فضلا عن تأكيد المعلومات المعروفة سلفا بحكم تبعية الفريق لمجلس الأمن المعني بشكل مباشر منذ 2011 بالمسألة الليبية.

 ولكن السؤال الأهم الآن هو لماذا لم يقلق مجلس الأمن من استمرار بعض الدول في انتهاك قراراته الخاصة بحظر تزويد الأطراف الليبية بالسلاح؟ أليس هذا ما ينبغي أن يثير قلق ومخاوف مجلس الأمن؟ لأن هذا الخرق يؤجج الصراع ويعطل الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، كما ينبغي أن يقلق مجلس الأمن من الانتهاكات المرتكبة من قبل فصائل تتبع بشكل مباشر حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والمدعومة من قبل منظمة الأمم المتحدة، ومن دون شك يكشف التقرير ضمنيا الأطراف المحلية والإقليمية التي تعرقل سبل السلام في ليبيا بتعطيلها للحل السياسي واستمرارها في التصعيد المسلح وممارسة القتل والتعذيب والاعتقال والحجز التعسفي، فهل سيكون لمجلس الأمن موقف واضح من هذه الأطراف؟

سينتظر الليبيون قرارات حاسمة من مجلس الأمن تجاه كافة الخروقات والانتهاكات الواردة بالتقرير، أو على الأقل توجه المجلس إلى البحث عن مسار آخر يحد من التدخل الدولي والإقليمي المعطل للتوافق الليبي، بالعمل الجاد عبر البعثة الأممية على تنظيم استفتاء على الدستور وإجراء انتخابات جديدة تنهي هذا المسار الانتقالي الطويل، إذا تعذر على المجلس اتخاذ قرارات لا تتوافق عليها القوى الكبرى المتورطة بشكل غير مباشر في كافة الكوارث التي سجلها التقرير.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/03/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد