آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

السعودية تتوعد بالرد في المكان والزمان المناسبين على الصواريخ الحوثية.. فهل باتت الحرب وشيكة وكيف؟

 

عبد الباري عطوان

ما زالت المملكة العربية السعودية تعيش حالة الصدمة الناجمة عن إطلاق جماعة “أنصار الله” الحوثية سبعة صواريخ دفعة واحدة وصلت ثلاثة منها إلى قلب العاصمة الرياض فجر أمس، وتسببت بشكل مباشر، أو غير مباشر، في مقتل مقيم مصري، وإصابة ثلاثة آخرين، وأحداث إصرار مادية من جراء سقوط حطامها مثلما تفيد الرواية الرسمية، الأمر الذي اعتبره الكثيرون تصعيدا للمواجهة قد تترتب عليه نتائج خطيرة.

العقيد ركن تركي المالكي المتحدث باسم قوات التحالف العربي التي تشن هجوما على اليمن منذ ثلاث سنوات، اتهم إيران بتزويد الحوثيين بهذه الصواريخ بعد تفكيكها وتهريبها عبر ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وتوعد برد سعودي قوي “في المكان والزمان المناسبين”.

القاسم المشترك لمعظم المقالات لكتاب الأعمدة في الصحف السعودية في الداخل والخارج، هو توظيف عملية إطلاق الصواريخ هذه لإيصال رسالة “للمشككين” بجدوى إطلاق “عاصفة الحزم” قبل ثلاث سنوات، بأن هذا الهجوم الصاروخي يؤكد صوابية قرار القيادة بالتدخل العسكري في اليمن للقضاء على خطر الحوثيين باعتبارها أصبحت “ميليشيا” مشابهة لـ”حزب الله” في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، مثلما يبرر خسائر هذه الحرب التي تجاوزت 120 مليار دولار، وكذلك الإنفاق العسكري الضخم لشراء معدات عسكرية وطائرات وذخائر تجاوزت 150 مليار دولار في الأعوام القليلة الماضية، لتوفير الاستعدادات اللازمة لمواجهة تبعاتها.
*
السؤال الذي لا يمكن تجنبه في هذا المضمار هو حول كيفية الرد السعودي على هذه الصواريخ التي يطلقها الحوثيون بشكل متواصل على مدن رئيسية في العمق السعودي، وزاد تعدادها عن 104 صاروخ باليستية من مختلف الأحجام والأبعاد، وأين سيكون المكان المناسب للرد، ومتى سيحين الزمان الملائم أيضا؟ وهل سيكون الرد سياسيا عبر التفاوض لحل سياسي ينهي الأزمة، أم عسكريا يتمثل في محاولة السيطرة على العاصمة صنعاء، وتدمير منطقة صعدة المقر الرئيسي لتيار “أنصار الله” بضوء أخضر ودعم أمريكي.

قبل الإجابة على هذه التساؤلات المهمة والمشروعة هناك أولوية ملحة تواجه القيادة العسكرية السعودية تتمثل في توفير وسائل الردع الفاعلة للتصدي لهذه الصواريخ الحوثية بعد ورود تقارير نشرت في صحف أمريكية تؤكد عدم جاهزية صواريخ “باتريوت” في التصدي لها وتحييد خطرها بالكامل.

مجلة “نيوزويك” الأمريكية نقلت عن جيفري لويس مدير برامج منع انتشار الأسلحة في معهد “ميدلبوري” في كاليفورنيا قوله “أنه من خلال تحليل الفيديوهات الأولية المتوفرة لعملية إسقاط الصواريخ الثلاثة التي وصلت إلى الرياض يمكن الاستنتاج أن صاروخين من طراز “باتريوت” فشلا في إصابة أهدافهما، الأول انفجر في الجو قبل الوصول إلى الصاروخ الذي انطلق لتدميره، والثاني استدار سريعا نحو الأرض بصورة كارثية”.

التشكيك في قدرات وفاعلية صواريخ “باتريوت” هو الذي دفع القيادة السعودية للتوجه إلى موسكو والاتفاق على شراء منظومة “اس 400” الروسية المضادة للطائرات والصواريخ، وفعلت دول عديدة مثل تركيا الشيء نفسه، ولكن تسليم هذه الصواريخ ربما يحتاج إلى عدة أشهر، أن لم يكن أكثر، وهذا التوجه السعودي لشراء صواريخ من روسيا يعكس قناعة ميدانية بفشل صواريخ “الباتريوت” أو عدم إظهار الكفاءة المأمولة في الدفاع عن العاصمة السعودية، والمدن الأخرى، الأمر الذي سيشكل ضربة للصناعة العسكرية الأمريكية وهذا النوع من الصواريخ بالذات.

نعود الى سؤالنا في بداية هذا المقال حول كيفية الرد السعودي على الحوثيين أولا، وإيران المتهمة بدعمهم ثانيا، ونرجح أن يتركز هذا الرد على جبهتين: الأولى سياسية تتمثل في ضبط النفس والتعاون مع المبعوث الدولي الجديد في حرب اليمن مارتين غريفيث، ومحاولة أحياء المبادرة الأممية والعودة إلى مائدة المفاوضات خاصة بعد حل عقدة التمثيل المزدوج، وبرأسين للجانب اليمني وبروز “أنصار الله” كقوة رئيسية شبه وحيدة، باغتيال الرئيس علي عبد الله صالح، وتفكك حزب “المؤتمر” الذي كان يتزعمه، والثانية التوجه إلى المنظمة الدولية لتشكيل لجنة تحقيق لكشف كيفية وصول هذه الصواريخ إلى الحوثيين، كمقدمة للتصعيد وربما الرد.

الحرب المباشرة ضد إيران مستبعدة في الوقت الراهن على الأقل، ولكن الحرب غير المباشرة محتملة، وفي الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، فالقرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ربما يوفر الأرضية الملائمة لها، لأن ترامب بإبعاد ريكس تيلرسون، وزير الخارجية، واتش ار مكمستر، مستشار الأمن القومي، واستبدالهما بمايك بومبيو، رئيس الـ”سي أي ايه” السابق، وجون بولتون العنصري المتشدد، يكون قد أكمل تشكيل وزارة حرب ضد إيران.

قبل عام هدد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية مع الزميل داوود الشريان بأنه لن ينتظر تصدير إيران الحرب إلى العمق السعودي، وسيبادر بنقلها إلى عمقها، وإذا كانت إيران تقف خلف قرار الحوثي بقصف الرياض بصواريخ من صنعها، فأنها سبقته في هذا المضمار.

ما قصده الأمير محمد بن سلمان هو تفجير الأزمات داخل إيران من خلال حرب استنزاف ودعم الأقليات الطائفية والعرقية المعارضة للنظام الإيراني، مثل البلوش السنة، والاذريين، والأكراد، والقائمة تطول، وفرض عقوبات اقتصادية في الوقت نفسه لإنهاك الاقتصاد الإيراني، ولكن محاولات مماثلة أعطت نتائج عكسية، أبرزها اتخاذ قرارات بإغراق الأسواق العالمية بأكثر من مليوني برميل من النفط لخفض الأسعار لتقليص العوائد الإيرانية، مما أدى إلى انهيار الأسعار بمقدار النصف وكانت السعودية وحلفاؤها من أبرز المتضررين.
*
السلطات السعودية تخوض حربا سياسية وإعلامية ضد إيران وحلفائها في لبنان (حزب الله)، وفي سورية بدعم الفصائل المعارضة وتسليحها، ونتائج هذه الحرب لم تحقق الغرض المطلوب منها، فها هو “حزب الله” يزداد قوة، وكذلك الحشد الشعبي في العراق، ويمنى “جيش الإسلام”، الحليف السعودي القوي في الغوطة السورية، بهزيمة شبه مؤكدة.

حالتا الهلع والخوف اللتان نجمتا عن الصواريخ الثلاثة التي أطلقها الحوثيون على الرياض، ربما تشجعهم على إطلاق المزيد إذا لم تعطي أؤكلها في إحداث مرونة في الموقف السعودي، والدفع بالعودة إلى مائدة المفاوضات، ولكن إقدام القيادة العسكرية السعودية على شن هجمات جوية مكثفة وانتقامية على صعدة وصنعاء وتجمعات الحوثيين غير مستبعد أيضا.

الصواريخ الحوثية السبعة الأخيرة قد تؤدي إلى واحد من أمرين، الأول أن تعجل بإيجاد حل سياسي للازمة اليمنية، أو تقود إلى تفجير منطقة الشرق الأوسط برمتها، أو حرب غير مباشرة وأكثر دموية بين السعودية وإيران، ولا حل ثالثا في الوسط، ومن يعرف القيادة الشابة الحالية صاحبة القرار الأول والأخير في الرياض، ربما يرجح الأمر الثاني أي التصعيد.. والله أعلم.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/03/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد