آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
شافي الوسعان
عن الكاتب :
كاتب سعودي (الشرق سابقاً - الوطن حالياً)

طرق الشرقية طرق الموت


شافي الوسعان

بعض المحافظين هم من عطَّلوا عمل المجالس المحلية والبلدية باختيارهم أحياناً لأشخاص هم أبعد ما يكونون عن الكفاءة والأحقية، فهل يُعقل أن أعمال الصيانة على هذه الطرق مستمرة إلى ما لا نهاية!

سيكون هذا المقال مملاً وثقيلاً على النفس، ولا أنصح بقراءته إلا من باب تعويد النفس على المكاره، وأي شيء هو أملّ من الحديث عن الموت! فأنا أكتبه على مسافة قريبة من طريق (الكويت – حفر الباطن)، وهو طريق تفوح منه رائحة الموت، والذكريات الحزينة، بل هو أقصر طريق يأخذك إلى الدار الآخرة، وقد يكون حلاً مناسباً للذين لا يمنعهم من الإقدام على الانتحار سوى أنه حرام، فحسب علمي أن لا فتوى تحرِّم السير على هذا الطريق حتى كتابة هذه السطور، وعلى الرغم من أن المنطقة عموما تعاني في مجال البنية التحتية ورداءة الطرق إلا أن هذا الطريق لا ينافسه في سرعة نزع الأرواح إلا طريق (الدمام – حفر الباطن)، وأحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه أننا في حفر الباطن اختصنا الله دون سوانا بطرق سريعة توصلنا إلى العالم الآخر، وبمسؤولي طرق مؤمنين جداً بالقضاء والقدر إلى درجة أنهم لا يفعلون شيئاً من أجل إيقاف هذا النزيف! مع العلم أننا نتبع واحدة من أغنى المناطق في العالم، فعلى هذا الطريق يمكنك أن ترى الأحياء في آخر صورهم ما قبل الرحيل حين تقابلهم عند المحطات وهم يتبضعون استعداداً للرحيل، فكل من لم يحصل له حادث على هذا الطريق، ظل في انتظاره، وهو يدعو الله ألا تكون الإصابة قاتلة أو معطلة للحياة.

قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أني أتحدث عن طرق تخترق مناطق جبلية وعرة، أو تحتاج إلى تثبيت قواعد بحرية؛ كما يحدث في حال الربط بين منطقتين يفصل بينهما بحر، لكنه حتماً سيُصاب بالصدمة فيما لو عرف أنها تفترش أرضاً هي في غاية الانبساط والسهولة، بما يجعل من عملية تمهيد هذه الطرق وتوسيعها وإعادة رصفها بمعايير عالمية هي أسهل ما يمكن، ولا تحتاج أكثر من ضمير حي يُقدم المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى، فالخلل لا علاقة له بالعوامل الطبيعية ولا بالوفرة المالية، إنما هو رقابي خالص، وهو يختص بالأمانة أكثر من أي شيء آخر، إذ لا يُدرى كيف تقوم وزارة النقل بترسية هذه المشروعات على مقاولين أقل ما يجب أن يقال بحقهم أنهم بلا ضمير، مع اعتقادي أن أسراراً ستكشف فيما لو شُكِّل فريقٌ للتحقيق في هذا الأمر، وهو ما أرجو أن يتم فعله من قبل الأمير الرائع سعود بن نايف، إضافة إلى أني أود من سموه أن يتكرم بالسؤال عن الإجراءات المتخذة من قبل بعض المحافظين لمعرفة دورهم في محاسبة المتسببين في قتل الناس وإتلاف المال العام، فالأمير جديد على هذه المنطقة وقد لا يكون من المناسب الحكم عليه بهذه السرعة، كما أنه لن يكون باستطاعته فعل كل شيء، ما لم يكن هنالك مسؤولون مبادرون في تصحيح الأخطاء بلا انتظار توجيه يأتيهم من أمير المنطقة، خصوصاً أن بعض هؤلاء المحافظين هم من عطَّلوا عمل المجالس المحلية والبلدية باختيارهم أحياناً لأشخاص هم أبعد ما يكونون عن الكفاءة والأحقية، بعضهم من البصَّامين الذين لا يقولون شيئاً ولا يعترضون على أي شيء، فهل يُعقل أن أعمال الصيانة على هذه الطرق مستمرة إلى ما لا نهاية! وهل يجوز أن تكون طرق دولية متهالكة إلى هذا الحد، وبهذا العدد من التحويلات، حتى إن كل واحدة منها تحمل معها ذكرى أليمة لعزيز غائب أو صديق مفقود، أو عائلة رحلت بآمالها وأحلامها وفساتين زفافها.

في هذه الأجواء الربيعية الرائعة لا شيء يقطع أحاديث الجالسين في المخيمات على أطراف الطريق أكثر من أصوات سيارات الإسعاف التي تذرع هذا الطريق ذهاباً ومرجعاً، أو رسائل الجوال التي تخبرنا بين الوقت والآخر بمن غادرنا بلا عودة من أقاربنا أو أصحابنا، ومن لم يرحل على هذا الطريق غادرنا على طريق آخر، فهو (إذا (رام) السلامة من طريق ... أتت من دونه للموت طرق)، حتى كرهنا استخدام الجوال وما عدنا نرغب في استقبال مكالمة أو رسالة، ورأينا الإنسانية فيما تفعله شركات الاتصالات من حيث الانقطاعات المتكررة لشبكاتها، لولا أنها لئيمة بشكل عام.

في أقل من أسبوع فقدتُ اثنين من الزملاء، أحدهما على طريق الدمام، والثاني على طريق الكويت، ولا أدري من سيكون ضحيتنا القادمة؟! وبقدر ما أن هذا الفقد مؤلم وحزين وموجع، إلا أنه أقل ألماً بالنسبة إلى غيره من المصائب، فمن فقد صديقاً ليس كمن فقد حبيباً أو قريباً، ومن فقد واحداً ليس كمن فقد عائلة، غير أن هذه الأصناف كلها قدمنا فيها واجب العزاء في محافظتنا خلال أسبوع واحد، وما نحن متأكدون منه أن حصد الأرواح سيستمر، إذا كان بعض المكلفين بخدمة المواطن على هذه الدرجة من اللامبالاة والتجاهل، وما دام أن هناك فئة قليلة تُسترضَى على حساب فئة كثيرة، فلا تجري الأموال إلا في أخاديدها، ولا تُستحدث المشروعات إلا من أجلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!


الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/01/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد