آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
زياد حافظ
عن الكاتب :
أمين عام المؤتمر القومي العربي

الصراع بين محور المقاومة ودول الاستسلام والتطبيع: مَن هو العدو الفعلي للعرب؟


زياد حافظ

مقابلة ولي العهد للنظام الحاكم في الجزيرة العربية محمد بن سلمان في المجلّة الأميركية «ذي أتلانتيك» لم تكن مفاجئة بمضمونها بمقدار ما كانت صريحة وواضحة. أكدّت المقابلة انشطار الأمة العربية إلى فسطاطين: فسطاط يقاوم الذلّ والجهل والفقر الناتج عن التبعية المطلقة للولايات المتحدة عبر بوّابة الكيان الصهيوني، وهو محور المقاومة ومعه الجزائر، وفسطاط يقوده من ينظّر لتلك التبعية ويمارسها من دون أي خجل ودون اكتراث للموروث السياسي والديني والثقافي التاريخي وكأنه ليس معنياً به. هذا إذا كان معنياً به في يوم من الأيام منذ استيلائه على السلطة بقوّة السيف وحماية المستعمر البريطاني في مطلع العشرينيات من القرن الماضي والذي تولّى حمايته في ما بعد الأميركي عبر صفقة عٌقدت في البحيرة المرّة على البارجة «كوينسى» عام 1945. ففي الماضي غير البعيد كان الانقسام العربي بين مَن اعتقد وما زال يعتقد أنّ الصراع العربي الصهيوني لن يحسم إلاّ بوحدة الأمة وتحريرها من التبعية والتخلّف الاقتصادي والاجتماعي وردع الكيان الصهيوني وهزيمته فتحرير فلسطين بأكملها. وهذا ما كان هدف حركة التحرّر العربي، وبين فريق اعتقد أنّ 99 في المئة من أوراق اللعبة أصبحت في الولايات المتحدة وأنّ استقرار الأنظمة العربية لن يتمّ إلا بمهادنة الولايات المتحدة وتحييد حركة التحرّر العربي. لكن في كلتا الحالتين كان العدو واحداً وهو الكيان الصهيوني لكن الاختلاف النظري كان على الأقلّ في كيفية المجابهة. كلام ولي العهد يلغي كلّ ذلك ويعتبر أنّ العدو هو الجمهورية الإسلامية في إيران وحركة المقاومة تمّ تصنيفها إرهاباً وليس الكيان الصهيوني، وهنا يكمن الخلاف الذي يشطر الأمة إلى فسطاطين.

لكن بعيداً عن الهلع الذي قد أصاب البعض من مثقفّي الهزيمة هناك اعتبارات عدّة تقلّل من أهمية ما جاء في المقابلة دون التنكّر إلى خطورتها. وهذه الاعتبارات تقودنا إلى عدم إعطاء أيّ أهمية لفحوى الكلام، لأنه غير قابل للتطبيق ولأنه خارج سياق الأحداث والتحوّلات ولأنه لا يتجاوز محاولة إرضاء البيت الأبيض والبيت الصهيوني. فهو يُصرَف من حساب لم يعد له رصيد يذكر! فولي العهد أضعف بكثير مما يتصوّره، هو ومَن يدور في فلكه، ويبالغ في تقييم مصادر قوّته الداخلية والعربية والدولية.

لذلك من المهم أن ننظر إلى المقابلة في سياق التحوّلات التي تحصل في المنطقة والتي تتنافى مطلقاً مع ما يحاول تصوّره ولي العهد ومعه أرباب الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وداخل أسرة الرئيس الأميركي. هذه التحوّلات تشير إلى الضعف الاستراتيجي لحكومة الرياض وهزالة قدراتها العسكرية، رغم الإنفاق الهائل عليها. فهي التي أخفقت بعد ثلاث سنوات من عدوان وحشي على اليمن يصل إلى مرتبة الجريمة ضدّ الإنسانية، فإذ يحاول ولي العهد تثبيت موقعه الداخلي عبر الاستسلام المطلق للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة، وكأنهما سيحميانه في وقت الضائقة متناسياً كيف حميا «الكنز الاستراتيجي» الرئيس المخلوع حسني مبارك أو كما حميا شاه إيران أو كل مَن استسلم لهما في الماضي البعيد أو القريب. فهو يتناسى ما صرّح به تكراراً الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ بلاد ولي العهد ليست إلآّ بقرة حلوب يجب حلبها حتى آخر نقطة، ومن بعد ذلك ذبحها! فإذا كانت هذه «البصيرة» عند ولي العهد، فإنه قد وقّع فعلاً على إنهاء حكم أسرته على الجزيرة العربية، وقد ربما يكون الإنجاز الفعلي غير المقصود طبعاً لحركته.

إضافة إلى إخفاقه في السياسة الخارجية وفي حربه العبثية على اليمن، فإنّ ولي العهد أطلق تصوّراً استراتيجياً للجزيرة العربية في فترة لا تتجاوز 2030 وكأنّ التغييرات البنيوية تأتي كالوجبات السريعة والتسليم الفوري. غير أنّ تصوّره، أو تصوّر الشركات الأميركية التي كلّفها بإعداده، لا يستند إلى مقوّمات موجودة لديه تمكّنه من إنجازها. فلا الوضع المالي يسمح له بذلك ولا إنتاجية القوى العاملة تؤهّله إلى تحقيق ما يريده على الأقلّ في المدى الذي رسمه لنفسه. ربما قد يستطيع تحقيق ذلك بعد بضعة عقود إذا ما توفّرت كلّ مستلزمات زيادة الإنتاجية كثقافة المجهود مثلاً المفقودة أصلاً في اقتصاد الريع الذي يمثّله اقتصاد حكومة الرياض. وخلال هذه السنوات ستستمرّ حكومته بدفع الأموال الطائلة للولايات المتحدة ما سيحول دون تحقيق ما يريده حتى الحماية التي يعتقد أنها ستوفّره له. كما أنّ الكيان الصهيوني الذي أصبح عاجزاً عن تحقيق أهدافه الصهيونية في فلسطين بسبب صمود الشعب الفلسطيني رغم ضحالة قيادته وبسبب نجاح ثقافة المقاومة في ترسيخ مفهوم الصمود والتصدّي للاحتلال، فإنّ ذلك الكيان سيعجز عن حماية نظام حكم خارج عن التاريخ والفاقد أيّ تراث يمكن الاعتزاز به خاصة أنه نظام يحظى بسخط العالم، بسبب رجعيته.

العامل الثاني في ميزان القوة المتغيّر في المنطقة والذي يدحض إمكانية تنفيذ فحوى ما يسعى إليه ولي العهد هو التقدّم الاستراتيجي للدولة في سورية في استعادة سيادتها على معظم الأراضي السورية تمهيداً للسيطرة على كامل التراب. كلّ ذلك رغم وبعد ما تمّ ضخّه من مال وعتاد ومقاتلين ومن حملات إعلامية مغرضة بحق الدولة السورية وجيشها الذي أبهر الجميع بصموده وصلابته وقدرته القتالية. فخسارة الورقة السورية يكرّس التواصل الجغرافي لمكوّنات محور المقاومة من بغداد إلى شرق البحر المتوسّط. والحليف الإقليمي لذلك المحور الجمهورية الإسلامية في إيران يستطيع استكمال دعمه الاستراتيجي لذلك المحور من دون أيّ انقطاع في التواصل. هذا يعني أن ما يسعى إليه ولي العهد ومعه الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية سيصطدم بجبهة موحّدة ومتراصة بعد كلّ المحن التي مرّت بها والتي أظهرت على قدرة قتالية تعني ردعاً عسكرياً وسياسياً للمشاريع المشبوهة. أو بمعنى آخر فإذا كان هدف الحرب الكونية على سورية هو إسقاط محور المقاومة عبر تدمير الدولة السورية وتفتيتها وقطع أوصالها مع العراق ومع المقاومة في لبنان وفلسطين ومع الجمهورية الإسلامية، فكيف يمكن لولي العهد المضيّ بمخطط لا يمكن تنفيذه وسورية ما زالت قائمة وموجودة؟ وإذا ما أضفنا التصريحات المتكرّرة للرئيس الأميركي عن عزمه سحب القوّات الأميركية من سورية فكيف سيواجه ولي العهد محور المقاومة وفي وسطه سورية القوية المتمرّسة بالحرب النظامية وحرب مكافحة الإرهاب بينما حكومة الرياض أخفقت في الحربين؟ في حقبة سابقة كانت المعادلة السياسية أن لا حرب إقليمية دون وجود مصر فيها، كما لا سلام في المنطقة خارج الموافقة السورية، فعلى ماذا يستند ولي العهد لتغيير حقيقة تلك المعادلة، علماً أنّ مصر التي خرجت من حلبة الصراع العربي الصهيوني حلّ مكانها محور المقاومة. كما لسنا متأكدين من أنّ مصر ستقبل بمشاركة في حرب إقليمية ضدّ سورية أو محور المقاومة. فمشروع الجبهة العربية «السنّية» المواجهة لإيران قد لا تكون إلاّ مشروعاً حبراً على ورق فقط. إذن، لا حرب ولا سلام خارج محور المقاومة.

يبقى لولي العهد الرهان على حلفائه في دول مجلس التعاون وما يمثلّون من «ثقل استراتيجي» على الصعيد العسكري والسياسي والبشري والثقافي! مأساة اليمن خير دليل على فعّالية تلك القدرات! لكن بالمقابل هناك القدرة المالية التي تسمح لها بابتزاز الدول العربية منها لبنان ومصر ودول كجيبوتي والسودان وموريتانيا التي رفضت ولبنان معها تصنيف المقاومة إرهاباً! والمغرب وتونس والأردن لجلبها لدعم توجّهات ولي العهد للنظام القائم في الجزيرة العربية. لكن هل تستطيع دول الخليج تحمّل وزر تدهور الأمن في أقطارها إذا تفاقمت الأمور إن لم تعد بمنأى عن التجاذبات التي أوجدتها في أقطار أخرى مجاورة؟ أم أنها تعتمد على الحماية التي توفّرها القواعد العسكرية الأميركية؟ فهل يعتقد ولي العهد أنّ تفوّقاً عسكرياً أميركياً أمر محسوم؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا كلّ هذا الانتظار؟ أليست القيادات العسكرية الأميركية أكثر حرصاً على سلامة قواعدها العسكرية التي أصبحت في مرمى النار المباشر لمحور المقاومة؟ ولماذا الولايات المتحدة لا تعمل على إنهاء الخلاف داخل مجلس التعاون الخليجي، إذا كانت استحقاقات جيوسياسية كبيرة مرتقبة كـ «صفقة القرن» التي يروّج لها ولي العهد؟ هل تقبل الكويت حكومة وشعباً ذلك؟ ألم تكن مواقف رئيس البرلمان الكويتي غانم المرزوق دليلاً على عدم إمكانية القفز فوق الحق الفلسطيني؟ الشعب الثوري في اليمن ما زال يتظاهر لفلسطين تحت قصف دول التحالف الذي تقوده حكومة الرياض والولايات المتحدة فهل يعتقد ولي العهد أنّ قراره سيمّر دون محاسبة ومساءلة؟

إفلاس سياسي وأخلاقي…!

في بلد صغير كلبنان خرجت مقاومة دحرت العدو الصهيوني دون قيد أو شرط، فأصبحت «إرهاباً» عند ولي العهد! ويعتقد أنه «يمون» على اللبنانيين ربما عبر احتجاز رئيس وزرائه المحسوب على حكومته أصلاً! أو ابتزاز اللبنانيين بطردهم من الجزيرة، أو سحب الاستثمارات من لبنان. وقد يعتقد أنّ «الوفاء» اللبناني عبّر عن نفسه في تحميل أحد شوارع بيروت اسم والده الملك سلمان بدلاً من تحريك الشارع ضدّ محور المقاومة! لكن تلك «المونة» تبدو ضعيفة للغاية خاصة أنّ دبلوماسيين من حكومة الرياض وأبو ظبي يتجوّلان في المناطق اللبنانية، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله «الإرهابي»، على حدّ زعمهم، دون أن يتعرّض «الإرهابي» لهما، وذلك لشدّ العصب المذهبي في الانتخابات المقبلة، ولتحويل مجرى الصراع القائم في لبنان من صراع سياسي إلى صراع مذهبي. هذا دليل الإفلاس السياسي والأخلاقي بما يشكّل دعوة للاقتتال بين أبناء الوطن الواحد. كما يدلّ على تناقض في سردية يتمّ ترويجها: فإما حزب الله «إرهابي» ويسيطر بالقوّة على الدولة، وإما حزب الله غير إرهابي وإلاّ كيف تمّ السماح لتجوّلهما والقيام بالتحريض المذهبي؟ غير أنّ هذا التدخّل السافر والوقح بالشأن اللبناني لم يكن ليتمّ إلاّ بموافقة البعض المحتاج أو المضطر لمكرمة من حكومة الرياض أو لعدم إعطاء أهمية غير ضرورية من قبل فريق المقاومة للحراك الخليجي في لبنان. لكن هذا التدخّل هو دليل على ضعف وتراجع نفوذ تلك الحكومة التي وجدت من الضروري التدخّل المباشر في العملية الانتخابية. فكيف سيتعامل ولي العهد مع دول لن تسمح له بتدخل كهذا لتغيير وجهة الرأي العام العربي ولتسويق مشاريعه العبثية بحق فلسطين؟ فقد فشل في سورية، وفشل في اليمن وسيفشل في لبنان والجزائر وحتى في مصر، وبطبيعة الحال سيفشل في فلسطين. يقول ولي العهد في مقابلته إنّ تمويل بلاده للمتطرّفين كان بناء على طلب الولايات المتحدة والغرب لمكافحة حركات التحرّر العربي ولمواجهة الاتحاد السوفياتي. فعلى ما يبدو إنّ التحريض المذهبي هو من صنع الغرب والكيان الصهيوني، ولكن عبر أيدي تدّعي أنها عربية ومسلمة. فالإسلام والعروبة براء من ذلك السلوك.

ففحوى المقابلة هو إعلان حرب على كلّ ما نؤمن به بدءاً بالمعتقد الديني ووصولاً إلى مفهومنا للعروبة والنهضة. فهو إعلان حرب على موروث ثقافي حضاري وآمال بنهضة لهذه الأمة. فلا مكان لحلّ وسط بين الاجتهادات. أصبحت الأمور في منتهى الوضوح وربما هذه الإيجابية الوحيدة لفحوى المقابلة، فإن لم تأت اليوم فقد كادت تأتي غداً أو بعد غد. والسؤال يصبح مرّة أخرى ما العمل أمام الخيانة الموصوفة للأمة؟

الخيار هو المقاومة حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني

تحقيق آمال مشروع ولي العهد «العربي» يتلاقي مع مشروع ولي العهد الصهيوني داخل أسرة الرئيس الأميركي. غير أنّ تحقيقه يستوجب إيجاد «فلسطيني» يوقع على ما تبرّع به ولي العهد كما تبرّع قبله بلفور بفلسطين، وكلاهما تبرّعا بما لا يملكانه لمن لا حق له به. واعتبار فلسطين حقاً تاريخياً لليهود، كما جاء على لسان ولي العهد. يعني أنّ الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين منذ أكثر من ألفي سنة أصبحوا طارئين عليها تماهياً مع السردية الصهيونية التي تتنكّر لحق الفلسطينيين بالوجود على أرض فلسطين. الإحصاءات الإسرائيلية التي صدرت في 23 آذار/ مارس 2018 تشير إلى أنّ عدد الفلسطينيين أصبح يوازي اليوم عدد اليهود المقيمين في فلسطين أيّ 6،3 مليون فلسطيني مقابل 6،3 مليون يهودي. فأين سيذهب بهم ولي العهد إذا تمّ اعتبار فلسطين دولة يهودية لليهود فقط؟ هل ينادي بمحرقة أو بعملية نقل جماعي عبر التطهير العرقي، وكلاهما جريمة بحق الإنسانية؟

لكن هل وُجدت إمرأة فلسطينية أنجبت أو قد تنجب من يُوقّع على ذلك؟ كلام ولي العهد كان بمثابة طعنة لمسيرة أوسلو ولمن نظّر لها ولمن ما زال يتمسّك بها. فهي توهّمت في إمكانية تعايش مع مَن لا يريد التعايش مع الفلسطينيين. ونحن كعروبيين، وفي المؤتمر القومي العربي، ومنذ اللحظات الأولى لاتفاق أوسلو، عارضناه بشدّة ولم نعترف به، بل كان خيارنا وما زال خيار مقاومة الاحتلال حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني. فليس هناك من فلسطيني يستطيع أو حتى يرغب أن يوقّع على مطلب ولي العهد. فعلى مَن يعتمد إذن؟ تصريح السفير الأميركي في الكيان الصهيوني، وهو أكثر تطرّفاً من القيادات الصهيونية اليمينية، أوضح أن الأمور قد تفرض بديلا عن رئيس السلطة في حال لم يعد إلى طاولات المفاوضات. فمفهومهم للمفاوضات بسيط: نحن نملي وأنتم تنفذون بدون نقاش. فمن يكون كيسلينج فلسطين؟

يكفي أن نتذكر قافلة الشهداء الشباب وأخيراً في مسيرة يوم الأرض وما أسفرت من مجزرة على حدود القطاع في غزّة على يد الصهاينة، يكفي أن نرى ذلك لنعلم أنه من المستحيل القفز فوق الشعب الفلسطيني. ولا يسعني إلاّ اقتباس ما قاله أحد أعلام الصحافة العربية، الذي ما زال محافظاً على عروبته، والذي أطلق صحيفته لتكون صوتاً للذين لا صوت لهم، الأخ الأكبر الأستاذ طلال سلمان. كتب: «ليس لفلسطين إلاّ دمها: هو هويتها ووثيقة الملكية ومصدر العزّة وحبر التاريخ ليس للأمة العربية من وجود إلاّ بفلسطين: هي راية النصر ومهجع الهزيمة شهداء فلسطين يؤكّدون وجود شعبها، ويثبّتون هوية الأمة لا عروبة إلاّ بفلسطين، لا استقلال إلاّ بفلسطين، لا وحدة إلاّ بفلسطين، لا مستقبل إلاّ بفلسطين». ثم يضيف: «أما إسرائيل فهي عنوان الهزيمة. هي لاغية هوية الشعب والأرض. ليس في فلسطين وحدها، بل على امتداد الأرض العربية جميعاً».

يبقى لولي العهد الاستناد إلى مصر. فماذا سيكون موقف مصر في عهد الرئيس السيسي من ذلك الطرح وإن كانت مصر قد وقّعت اتفاق سلام مشؤوم مع الكيان من دون أن يؤدّي إلى تطبيع الشعب العربي في مصر مع الكيان، ورغم مرور أربعين عاماً على تلك الاتفاقية؟ هل يستطيع الرئيس السيسي أن يسوّق «يهودية» فلسطين للشعب المصري؟ وهل يستطيع الشعب المصري تقبّل ذلك؟ هل يستطيع الرئيس المصري ومعه مؤسّسة الجيش المصري العريق، جيش العبور الذي بناه القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر، أن يستبدل العقيدة القتالية له والذي استمرّت رغم كامب دافيد، العقيدة التي تعتبر بأنّ عدو مصر هو الكيان، لتحلّ مكانها عقيدة تعتبر أنّ العدو دولة إسلامية هي إيران مهما اختلف المرء مع بعض سياساتها؟

لم تعد المسألة مسألة تعايش أو نزاع على أرض يتمّ التقاسم عليها بين المتصارعين. المسألة أصبحت إلغاء وجود شعب بأكمله وعبره الأمة العربية. هي إلغاء السردية التي تحتفظ بالحق الفلسطيني والحق العربي والإسلامي بفلسطين لمصلحة عرش هنا أو بيت أبيض هناك أو لجماعة أتت معظمها من أوروبا الشرقية والتي لم يكن لها أيّ جذور تاريخية بفلسطين. فاليهود الأوروبيون الذين جاؤوا فلسطين واستعمروها منحدرون من قبائل الغجر الذين اعتنقوا الدين اليهودي في القرن السابع الميلادي، فلا ارتباط لهم تاريخي بأرض فلسطين بل ربما بمنطقة القوقاز!

نحن لا نكن العداء أو الضغينة لليهود، فهم من أهل الكتاب، وديننا يفرض علينا احترامهم. ولكن نعلن أن لا حق لهم لا من بعيد ولا من قريب في أرض فلسطين. وإذا أرادوا البقاء، وهذا ما نشكّ به، فعليهم التعايش مع أهل الأرض واحترامهم وهي قد تتسع للجميع وفقاً لدراسات الدكتور سلمان ابو ستة.

بعد هذه الملاحظات غير الجديدة والتي وجدنا من الضروري التذكير بها فلا بدّ من وقفة شجاعة لقيادات الفصائل الفلسطينية لتتناسى صراعاتها على سلطة وهمية والتي لم تكن موجودة فعلياً. إنّ وحدة الفصائل ضرورة للالتحاق برائدية الشعب الفلسطيني الذي سبقهم منذ فترة غير بسيطة وسطّر وما زال الأساطير. فهو فعلاً الشعب الجبّار. كما علينا في المنظّمات الشعبية العربية أن نحدّد بوضوح مَن هو العدو الآن وكيف نتعامل معه؟ البعض قد يأخذ على هذا الكلام أنه يشجّع التفرقة والفرز بين أقطار وأبناء الأمة. لكن لسنا مَن قام بذلك. فنحن ما زلنا مؤمنين بنهضة الأمة عبر تحريرها وتوحيدها، ولكن إذا كان هناك مَن لا يريد النهضة ولا يريد التحرّر ولا يريد الوحدة بل يعمل على ضرب التحرّر ويتباهى بذلك ويمنع الوحدة كلّما لاحت بالأفق مبادرات توحيدية، فكيف يمكن التفاهم أو التعايش معه؟ على الشعب في الجزيرة العربية أن يعبّر عن موقفه من طرح ولي العهد، وعلى شعوب دول مجلس التعاون الخليجي إعلان موقفهم أيضاً. فعبر التواصل الاجتماعي في غياب دساتير ومؤسسات تسمح للتعبير الشعبي! يمكن رصد شعور أبناء الجزيرة العربية والخليج الذين نعتبرهم أهلنا، لكن معظم حكّامهم أصبحوا في مكان آخر. فعليهم حسم التناقض بين تطلّعاتهم وسياسات حكاّمهم. نحن واثقون من أنهم لن يوافقوا على طرح ولي العهد، ولكن عليهم إفهامه ذلك، هو ومن يدور في فلكه ويروّج لهذا الطرح، وذلك بالطرق التي يرونها مناسبة، فلم يعد ممكناً السكوت. فالأمة تمهل ولا تهمل.

وختاماً وإجابة على سؤال: ما العمل؟ نقول الاستمرار بالتمسّك بخيار المقاومة ودعم نضال الشعب الفلسطيني ودعوة القيادات للتوحّد ولإلغاء التنسيق الأمني ولإعلان العصيان المدني كمرحلة جديدة من انتفاضة شاملة. كما ندعو المنظّمات الشعبية العربية كالمؤتمر القومي العربي ومؤتمر القومي الإسلامي ومؤتمر الأحزاب العربية والهيئات الشعبية للعمل النقابي، وكافة المنتديات القومية والسياسية والإعلامية والثقافية والاجتماعية على التعبئة العامة في مواجهة السردية التي يريد إطلاقها ولي العهد. أما على صعيد محور المقاومة فندعو إلى الاستمرار في العمل على استعادة سيطرة الدولة على كافة الأراضي السورية وتوثيق العلاقة والتواصل بين جماهير بلاد الرافدين وبلاد الشام. كما أنّ النصر الآتي يجب تحصينه عبر الاستعداد للمواجهة المقبلة مع الكيان الصهيوني وإنذار الدول العربية التي تتعاطف أو تخضع لمواقف ولي العهد من تداعيات مواقفها. أما على صعيد العلاقة مع حكومة الرياض، فهل يريد فعلاً ولي العهد أن يتعاطى معها أبناء الأمة كما يتعاطون مع حكومة العدو الصهيوني؟ نتمنّى أن لا نصل إلى ذلك.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/04/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد