آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إبراهيم الأمين
عن الكاتب :
صحفي لبناني ورئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية

خيارا ترامب: قنابل صوتية أو حرب مجنونة؟


إبراهيم الأمين  

ليس في مقدور أحد ردع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الضربة العسكرية لسوريا. لكن، ليس في مقدور الولايات المتحدة حسم اتجاهات الأمور مسبقاً. كلما تعقد المشهد السياسي المحيط بالعدوان الأميركي ــــ الأوروبي، يظهر أن واشنطن ليست مبسوطة اليد في بلادنا. وأن الدولة الأقوى في العالم لا يمكنها أن تتصرف في منطقتنا كما تفعل في أي مكان آخر من العالم. وأن في المؤسسة الناظمة للقرار الأميركي من ينبّه الرئيس المجنون إلى قواعد لا يمكن تجاوزها. وأن في هذه المنطقة أعداء ليسوا من الصنف الذي تعودت عليه واشنطن.

بين الإعلان الأول عن نية ترامب اتخاذ قرار بالعدوان على سوريا، وبين اللحظة التي كتبت فيها هذه السطور، مرت أيام عدة، كانت مليئة بالمشاورات على مختلف الصعد. مشاورات سياسية وعسكرية وأمنية ودبلوماسية. ومع كل خبر عن اتصالات أو تصريحات، يتبين أن القرار بالعدوان محسوم، لكن كيفية العمل ولائحة الأهداف محكومتان بقيود كثيرة. على أن الثابت الوحيد هو أن السبب لا يتعلق أبداً بما يجري الحديث عنه من هجوم كيميائي على مدينة دوما.

لنعد قليلاً إلى الوراء. منذ نهاية الصيف الماضي، حُسم لدى الدوائر المعنية، في الغرب والخليج وإسرائيل، بأفول عمل العصابات المسلحة في سوريا، وهو ما يستدعي عملاً مباشراً يستهدف احتواء الموقف. كان الأميركيون يعتقدون بأن سيطرتهم على مناطق شرق الفرات، والتحكم بالقوات الكردية المسلوبة الإرادة، يكفي لتهديد استقرار النظام في دمشق. لكن واشنطن كان تعي أن المعركة ضد «داعش» استلزمت خطوات عملية كبيرة في الجانب العراقي، وتمت على أيدي حلفاء الرئيس بشار الأسد. وفي المقلب الآخر، لم تعد تركيا تعمل وفق الأجندة الأميركية، وباتت هواجسها تحاكي أولويات خصوم الولايات المتحدة. مضت أنقرة في عملية قلع أظافر الأكراد لا تقليمها. وهي معركة استدعت تحولاً عملياً في الموقف التركي من كل الملف السوري. صحيح أن الطاغية أردوغان ليس في وارد التنازل الآن والتراجع عن موقفه من إطاحة الأسد، لكنه سلّم بالقواعد الروسية والإيرانية التي تقول إن أي نشاط تركي في سوريا سيكون محكوماً بتفاهمات تفصيلية مع موسكو وطهران، ما يعني تفاهماً غير مباشر مع دمشق، من دون انتزاع موافقة سوريا على ما تقوم به تركيا. وحتى عندما هاجمت تركيا عفرين، كانت تعرف أن الأسد يريد مساعدة الأكراد، رغم كل أخطائهم، لتعقيد المهمة التركية.

أي محاولة لعدوان هدفه إطاحة نظام الأسد يعني معركة وليس اشتباكا مع روسيا وإيران وقوى المقاومة

في غضون ذلك، كان الصراخ الإسرائيلي يرتفع يوما بعد يوم. صحيح أن تل أبيب كانت أول من أقرّ بوجود طرف ثان يقرر مصير المنطقة، أي روسيا، وصحيح أن علاقاتها بموسكو قوية. لكن ذلك لم يتح لقادة العدو أكثر من الذهاب مرارا وتكرارا إلى روسيا للبحث في ضمانات. والحقيقة التي يعرفها الجميع أن روسيا كان حاسمة في أنها ليست طرفا في الصراع الإيراني ـــــ العربي مع إسرائيل. لكنها ليست ضامنة لحماية أمن إسرائيل. وترجم هذا الموقف بعدم حصول العدو على أي تعهد نظري، أو أي خطوة عملية تريحه من هاجس النفوذ المتوسع لإيران وحزب الله في سوريا عموماً، وفي جنوبها على وجه الخصوص. وحتى عندما أبلغت موسكو الإسرائيليين أنها لن تقف عائقا أمام عملياتهم العسكرية في سوريا، جرى تنبيههم إلى أن الخط الأحمر يشمل بنية النظام وليس رئيسه فقط. وبالتالي، فأن أي عدوان إسرائيلي لا يمكن أن يتجاوز أهدافاً لحزب الله أو إيران. أكثر من ذلك، أبلغت روسيا إسرائيل انه متى قرر الأسد الرد على غارات إسرائيل، لن تكون موسكو قادرة على منعه من استخدام الترسانة العسكرية الموجودة لديه أصلا، أو التي تعززت من خلال برامج الدعم الروسي خلال السنوات الثلاث الماضية. وهو الأمر الذي اختبرته إسرائيل في العاشر من شباط الماضي، حين أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة حربية للعدو.

على أن الأمور لم تقف عند هذا الحد. فالنظام في سوريا، ومعه الحلفاء من روس وإيرانيين وحزب الله، كانوا يعلمون أن تحصين الانتصارات يتطلب خطوات ميدانية خاصة. وان تعطيل أي قدرة للقوى المعادية بإعادة تهديد المركز، يتطلب توسيع إطار السيطرة حول دمشق الكبرى. وبالتحديد، التخلص من جيب الغوطة الشرقية. وهو الأمر الذي استوجب عملية عسكرية منسّقة ومكثفة أدت خلال وقت قياسي (نظرا إلى حجم الانتشار المسلح والاختلاط بمئات الألوف من المدنيين) إلى التخلص من هذا العبء. ولم تنجح التهديدات التي أطلقت خلال عمليات تطهير الغوطة في وقف المعركة. وشعرت الولايات المتحدة ومعها إسرائيل والسعودية وعواصم أخرى بالاستفزاز الكبير، وكانت الذروة يوم ظهر بشار الأسد يقود سيارته متجها من مكتبه في وسط دمشق إلى مدن الغوطة.

وعندما بات محسوماً أن المماطلة في دوما لن تنفع، أعاد الجميع درس الموقف، وظهر لهم أن من نجح في السيطرة على الغوطة، المميزة بطبيعتها العسكرية والعمرانية، سيكون قادراً على استعادة السيطرة على مناطق أكبر في عمق الجنوب السوري، سواء في درعا أو القنيطرة. وتعزّز هاجس القوى المعادية لسوريا، ربطا بمعرفتها أن جموع المسلحين في الجنوب ليسوا قادرين على الصمود، فكيف يمكن الرهان على دعمهم بعملية عسكرية مضادة. كل ذلك، ترافق مع الحسابات التي تجاوزت المشهد الميداني في سوريا، وبعض ما فيه:

 تثبيت روسيا موقعها الحاسم كلاعب له دوره المركزي في الشرق الأوسط، ومنه ينطلق إلى تثبيت حضوره في العالم اجمع. وان ما تقوم به موسكو، سيراكم قوة سيكون لها تأثيرها على ساحات أخرى في العالم.

 تثبّت الغرب من أن الشريك التركي صار في مكان أخر، وأن أولويات أنقرة عبرت عنها القمة التي استضافتها أخيراً، والتي فتحت الباب أمام تركيا للاستدارة نحو سياسات مختلفة جذرياً عن السابق.

 تثبت الغرب من أن حلفاءه العرب، وفي مقدمهم السعودية، وإن اظهروا استعدادا للسير في مشاريع كبيرة، إلا أنهم ليسوا في موقع القادر على التعهد بشيء، اللهم إلا ضخ الأموال على ما يقول ترامب نفسه.

 تعززت مخاوف إسرائيل من كون النتائج المتوسطة والبعيدة المدى لما يحصل في سوريا، تهدد أمنها القومي أكثر من أي وقت مضى. وإسرائيل هنا لا تراقب نفوذ قوى المقاومة في سوريا ولبنان فحسب، بل تنظر إلى التحولات الجارية سريعا وبقوة على صعيد قوى المقاومة في فلسطين أيضا.

 شعر الغرب، ومعه السعودية وإسرائيل، بأن نقل المواجهة مع إيران إلى مستوى جديد منتصف أيار المقبل، ربطا بقرار متوقع من الإدارة الأميركية بالتخلي عن الاتفاق النووي، قد ينعكس تداعيات في المنطقة عندنا، وبالتالي، يجد الغرب، ومعه السعودية وإسرائيل، ضرورة قصوى للمبادرة الآن، بغية تعديل الوقائع ما يجعل إيران متعبة أكثر من السابق.

وسط هذه الأجواء كلها، يخرج الموقف الأميركي الجديد. وهو الموقف الذي يتطلب دعما وتغطية بصورة تذكرنا بالحرب على العراق. وهو ما نشهده اليوم، من خلال الاصطفاف الغربي خلف الموقف الأميركي، ومن خلال مواقف الحكومات العربية الخائفة على مصيرها، ومن خلال لعبة الرأي العام التي تقودها نخب أقل ما يقال عنها أنها شريكة في سفك دماء شعوبنا، مهما تحدثت عن الأسباب الإنسانية والأخلاقية وخلافه.

لكن ماذا ما الذي يمكن هؤلاء القيام به؟

في خيارات الأميركيين وحلفائهم سعي إلى قلب الطاولة. وبالتالي فأن ذهابهم نحو تحقيق أهداف إستراتيجية، يعني ذهابهم إلى حرب شاملة ونقطة على السطر. لأن أي محاولة لعدوان هدفه إطاحة نظام الرئيس الأسد، يعني معركة وليس اشتباكا مع روسيا وإيران وقوى المقاومة. وعندها ستشتعل المنطقة وليس سوريا فحسب، وستكون إسرائيل كما دول الخليج مسرحا لمواجهة لا أحد يقدر على تصور نهاياتها.

إذا كان الأميركيون يريدون رسم خطوط حمر تمنع سوريا وحلفاءها من مواصلة تنظيف البلاد من العصابات المسلحة، فهذا يتطلب أيضا معركة كبيرة مع روسيا وإيران والحلفاء، ولو حصرت المواجهة داخل سوريا. كما يتطلب أن يجد المعتدون قوى سورية تكون قادرة على تولي المهمة. وهو أمر صعب التحقق.

إذا كان الأميركيون يريدون توجيه ضربات موضعية يراد من خلالها الأعراب عن غضبهم، فيمكن للمحور المقابل أن يستوعب الأمر ويتحمله، ويتصرف على انه ثمن لتحرير الغوطة.

لكن هل هذا يكفي، وكيف تتصرف إسرائيل التي قامت بعدوان هو الأقسى على القوات الإيرانية في سوريا من خلال غارة مطار الـ«تي فور»، وكيف يمكن إقناع إسرائيل بأن الغرب غير قادر على القيام بأكثر مما يقوم به. وكيف سيتصرف العدو بعد ذلك، وهو الذي يعرف جيدا أن إيران سترد على غارة الـ«تي فور». وإذا كانت طهران لا تريد إحراج روسيا وسوريا في هذه اللحظات الدقيقة، فهذا لا يعني أنها لن ترد، بل ربما سيكون ردها فاتحا لمستوى جديد من المواجهة مع العدو.

اليوم، نحن أمام خيارات محدودة. ولسنا أمام غيب يحتاج إلى علم خاص. ليس أمام الأميركيين والغرب وإسرائيل وبعض العرب، سوى اتخاذ القرار: أما ابتلاع الهزيمة والاستعداد لما يليها، وأما الجنون والاستعداد لنتائجه الكارثية!

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/04/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد