آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

الاتفاق النووي الإيراني: هل تكسر “برلين” ظهر “ترامب” و تحُدّ من تهديد الأمن الدولي؟


عبدالوهاب الشرفي

قال المتحدث باسم الخارجية الألمانية راينر برويل  أنه “بالنسبة لنا لا يزال واضحا أن أولويتنا العليا تتمثل في الحفاظ على الاتفاق النووي، وتطبيقه الكامل من قبل جميع الأطراف”.

بات تحديد مستقبل النووي الإيراني في ظل مساعي الرئيس الأمريكي ” ترامب ” هو الشغل الشاغل للكثير من العواصم العالمية لما لإلغاء هذا الاتفاق من تبعات خطيرة دوليا وعالميا تتطلب تحديد موقفا تجاه مستقبله بالضرورة خصوصا من العواصم المعنية به بشكل مباشر.

ترفض روسيا والصين الخوض في مسألة إلغاء الاتفاق النووي الإيراني بشكل قاطع بمقابل موقف أمريكي دافع باتجاه الإلغاء وموقف فرنسي وبريطاني لازال رافضا وأن كان متعاطيا مع مساعي ” ترامب ” للإلغاء ، بينما جاء الموقف الألماني في صف عدم إلغاء الاتفاق النووي بشكل مباشر وواضح وصارم .

أمام المواقف التي هي في مجملها رافضة لرغبة ” ترامب ” إلغاء الاتفاق النووي بما في ذلك حلفائه الغربيين – بريطانيا وفرنسا – تحاول الولايات المتحدة ” جرجرت ” الآخرين أوروبيا للخوض في مستقبل الاتفاق بالحديث عن ضرورة ” تعديله ” ،  وهو أمر تعمل عليه إدارة ” ترامب ” بفتح نقاش في هذا الاتجاه مع فرنسا وبريطانيا ، وهي حيلة أمريكية المراد منها جمع عدد من الشركاء مع الولايات المتحدة لتبني فكرة ” التعديل ” التي بطبيعتها ستقابل بالرفض من قبل إيران و روسيا و الصين ما يجعل الإقدام على خطوة الإلغاء أسهل منها لو تمت بشكل مباشر ، أي أن المراد هو إخراج قرار الإلغاء كرد فعل على رفض إيران ” التعديل ” وليس كرغبة للإدارة الأمريكية بصورة مجردة متصادمة مع القانون بشكل مباشر.

ألمانيا كإدارة شريكة في الاتفاق النووي ومميزة كدولة أوروبية ذات ثقل وكذلك كدولة تمثل الاتحاد الأوروبي بات تحديد موقفها ذو أثر قوي تجاه أي سير فيما يتعلق بالاتفاق النووي ، وفي حال تمكنت ” مراوغات ” الولايات المتحدة من جرها إلى مربع النقاش حول ” تعديل ” الاتفاق فسيكون لذلك أثر مرجح في تبني فكرة ” التعديل ” من قبل دول أخرى لاعتبار أن المرونة الفرنسية والبريطانية ستعز جدا بالقبول الألماني وسيتشارك الجميع – الولايات المتحدة و بريطانيا وفرنسا وألمانيا – هذا التوجه وحينها ستكون ألمانيا قد وقعت في المصيدة ووضعت موقفها وموقف الاتحاد الأوروبي برسم نوايا و مغامرات ” ترامب ” لإخراج هدفه انطلاقا من رفض فكرة التعديل .

ترى ألمانيا أن الاتفاق النووي الإيراني هو اتفاق كامل و كافي ويجعل التطوير النووي من قبل إيران تحت المجهر وأن إجراءاته وضوابطه كفيلة بأن تمنع تطوير إيران برنامجها لإنتاج سلاح نووي ، خصوصا في ضل صورة لدى ألمانيا بأن إيران متعاونة في هذا الجانب كما يجب و سبق ووقعت ألمانيا وإيران اتفاقا في جانب الأمن النووي ، ولم تقدم الولايات المتحدة ما يقنع ألمانيا بالحاجة لإجراء تعديلا على الاتفاق.

بالنسبة لألمانيا ليست المسألة إثر إلغاء الاتفاق أو عودة الجدل حوله على الأمن والسلم الدوليين وإعادة فتح نقطة شغلت السياسات الدولية بشكل كبير قبل إغلاقها بالاتفاق النووي – وأن كان هذا الأمر يأتي في الصدارة – وإنما أيضا ترى أن ألغاه سيترتب عليه إضرار مباشرة على ألمانيا وعلى الاتحاد الأوروبي ، فحجم التعاملات التجارية التي بين ألمانيا و الاتحاد الأوروبي بعد الاتفاق ورفع العقوبات الاقتصادية على إيران بموجبه في نمو ملحوظ و لن تكون ألمانيا مستعدة للتضحية بمصالحها ومصالح الاتحاد الأوروبي فوق ما يتبع إلغاء الاتفاق من تهديد للأمن و السلم الدوليين.

يراوح الاتفاق النووي حاليا في لحظة مهمة و حوله سجال عال وفي أهم عواصم العالم المعنية والمهلة التي منحها ” ترامب ” لحلفائه الغربيين – بريطانيا وفرنسا – تشارف على النفاذ و تهديدات ” ترامب ” ترتفع وبالمقابل تلويحات إيران فيما يتعلق بالرد حادة كذلك وموعد اتخاذ القرار المحدد من ” ترامب ” يقترب، وفي خضم هذا السجال المتزايد يكتسب الموقف الألماني أهمية متزايدة، فموقف بريطانيا وفرنسا يناور بين موقف الولايات المتحدة  الساعي بتطرف للإلغاء وبين موقف روسيا و الصين الرافض له أو ” للتعديل ” ويصبح الموقف الألماني هو الموقف الوازن حاليا والذي إذا مال باتجاه ” مراوغة  ” ترامب ” فسيفتح الباب جديا و بقوة على مستقبل خطِر للاتفاق النووي الإيراني بينما سيضل مستقبله اقل مخاطرة في حال ظلت ألمانيا متمسكة به و عززت من موقف الصين وروسيا في هذا الجانب.

ما يمكن وصفه ” بالملاينة ” لفرنسا و بريطانيا تجاه مساعي ” ترامب ” لإلغاء الاتفاق النووي منشأها التشارك في السياسات الخارجية للعواصم الثلاث – وهو انعكاس للنفاذ الصهيوني داخل هذه الإدارات – الذي يقامر بالاتفاق النووي لصالح السياسات الخارجية العدائية بشكل متطرف تجاه إيران، وبالتالي فهذه العواصم تعي أن التعرض للاتفاق النووي مسألة غير ايجابية امنيا بالمطلق  وان من الواجب الحفاظ عليه لكنها تخضع للمؤثرات السياسية على إدارتها الدافعة باتجاه استخدام الاتفاق للسجال مع إيران ، وبين الدافعين الأمني و السياسي تساير فرنسا وبريطانيا الولايات المتحدة في حدود الهامش المتاح .

تظل ألمانيا هي العاصمة الأوروبية الأقل تأثرا بالدور الصهيوني على السياسات الأوروبية و تتسم سياستها بالمهنية و القانونية على الوجه الأغلب ، ولذلك فتحديد موقفها من الاتفاق النووي الإيراني منطلق من كونه مكسب أمني عالمي لا يجب التفريط فيه لصالح سياسات دولية لا تلتقي ألمانيا مع العواصم الثلاث – واشنطن ، لندن ، باريس – فيها و بالتالي لن يكون قرار ألمانيا بالمطلق في صالح توسيع ” هامش ” مجاراة لندن و باريس لواشنطن فيما يتعلق بالاتفاق النووي .

هذا الاستيعاب الألماني لملابسات التعاطي مع ” جلبة ” مستقبل الاتفاق النووي بداية بمدخل ” التعديل ” و كذلك استيعابها لأثره الايجابي و الأثر السلبي لالغاءه على الأمن و السلم الدوليين وكذا الإضرار المباشر على مصالح ألمانيا و الاتحاد الأوروبي الاقتصادية في حال ألغاه وبالإضافة إلى السلوك المحوري لألمانيا بالتزام القانون وليس التكسير فيه ، كلها هي التي شكلت الموقف الألماني الصارم تجاه مايجري بخصوص الاتفاق النووي الإيراني وهو ما عبرت عنه الخارجية الألمانية بأن الاتفاق النووي الإيراني ( غير قابل للمراجعة) ولتزيد من ورطة فرنسا وبريطانيا تجاه ضغوط ” ترامب ” المستندة على التشارك السياسي و المصطدمة مع الالتزام الأمني و القانوني .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد