آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. أمين محمد حطيط
عن الكاتب :
عميد ركن مقاعد ومفكر استراتيجي لبناني.. أستاذ في كلية الحقوق اللبنانية

كيف يتّخذ الغرب من النزوح سلاحاً ضدّ سورية والمنطقة؟


العميد د. أمين محمد حطيط

تُعتبر مقاربة موضوع النزوح السوري من أشدّ المواضيع حساسية ودقة في المسألة السورية، حيث إنّها في طبيعتها ومظهرها الابتدائي مسألة إنسانية مضمونها معاناة أناس غادروا مساكنهم قسراً هرباً من مخاطر الحرب وويلاتها. كما والحال في كلّ الحروب التي تجبر السكان على النزوح طلباً للنجاة بعيداً عن الأخطار العسكرية. وكثير من الشعوب ومنها الشعب اللبناني عانت من التهجير القسري، ومنهم من انقلب إلى مهجّر ولاجئ داخل الوطن، ومنهم من لم يجد ملاذاً آمناً في وطنه فاضطر للهجرة إلى الخارج. وما شهدته شعوب الأرض من تهجير يعيشه بعض الشعب السوري حالياً حيث حصلت هجرته في وجهيها الداخلي والخارجي.

بيد أنّ الوجه الإنساني الأوّلي الذي يثيره التهجير القسري الذي عانى منه الشعب السوري طيلة السنوات السبع الماضية من عمر العدوان على سورية، هذا الوجه الإنساني يتراجع رويداً ليتقدم أمامه وجه سياسي يتصل بشكل أو بآخر بأهداف العدوان الأصلية التي من أجلها شنّت الحرب الكونية على سورية. وبدل أن يكون هم مَن يدّعي الاهتمام بالنازحين أو اللاجئين العمل على إخماد نار الحرب وإعادة النازحين إلى منازلهم، نرى في المسألة السورية شيئاً عجباً معاكساً لهذا.

حيث نجد أن الغرب الذي يتظاهر بالاهتمام بالنازحين من جانب «إنساني ويتباكى عليهم وعلى أمنهم»، نراه يعتمد بعد هزيمة مشروعه في سورية استراتيجية إطالة أمد الصراع، ويمنع بشتى الطرق إعادة النازحين إلى وطنهم رغم أن الأمن استعيد على يد الجيش العربي السوري إلى أكثر من 85 في المئة من المناطق المأهولة في سورية. وباتت المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة والتي يسود فيها الأمن والاستقرار بشكل تام قادرة على استيعاب أربعة ملايين نازح موجودين في الخارج جميعاً، كما وتظهر الحكومة السورية جهوزية أمنية ولوجستية عالية لاستعادة وإسكان هؤلاء، كما فعلت وبنجاح كلي مع آخرين يفوق عددهم الأربعة ملايين شخص تم إيواؤهم وتأمين فرص العمل لهم في الداخل السوري.

إن إقدام الغرب على هذا السلوك المعاكس للمنطق السليم ومعطوفاً على أصل التهجير والإيواء خارج سورية يجعلنا أمام حقيقة يراد إخفاؤها بالتلفيق والتزوير، حقيقة مضمونها أن التهجير بذاته كان منذ البدء عنصراً من عناصر خطة العدوان وإلا كيف نفسر إقدام تركيا على نصب خيم لاستيعاب آلاف المهجرين من دون أن يكون هناك تهجير حصل أو طلقة نار واحدة في الشمال السوري على حدودها؟ وكيف نفسر مسارعة الأمم المتحدة إلى إنشاء منظومة خاصة بالنازحين السوريين توحي بأن التهجير طويل وطويل جداً، لا بل وعلى حد قول بعض المسؤولين في تلك المنظومة «أن القسم الأكبر من النازحين لن يعود إلى سورية وأنه سيوطّن خارجها»؟.

أما أوروبا التي تبدي اليوم اهتماماً خاصاً جداً بالنزوح السوري، فقد يقول قائل بأنها تعمل على تثبيت النازحين في أماكن وجودهم الآن في تركيا والأردن وسورية، خشية انتقال اللاجئين من مكان إيوائهم الحالي إلى الداخل الأوروبي ما يؤدي إلى المسّ بالأمن والاستقرار والانتظام العام فيها، ولكن هذا التبرير أو التبسيط للمسألة إنما هو تبرير غير مقنع، رغم ما فيه من بعض الوجاهة في الرأي من بعض الجوانب، إذ ماذا يضير الأوربيين أن يعود السوري إلى منزله ويعود إلى حياته الطبيعية، كما حصل من لاجئي بيت جن السورية الذين باختيارهم وبملء إرادتهم عادوا طواعية إلى وطنهم معززين مكرمين آمنين؟

إننا لا نرى تفسيراً لسلوك الغرب هذا إلا في نزعة لديه للإصرار على مواصلة العدوان على سورية، وإنه لا يقرّ بفشل المشروع العدواني الذي ينفذه على أراضيها، والغرب يرى في النازحين السوريين سلاحاً يشحذه في وجه سورية أساساً وفي وجه المنطقة عامة، من أجل أهداف يرمي إلى تحقيقها تحت ستار الوصف الإنساني للقضية، أهداف نرى أهمها كما يلي:

1. منع سورية من استثمار انتصاراتها التي تحققت في الميدان والتي استعادت فيها السيطرة على أكثر من 85 في المئة من المناطق المأهولة، لأن في ذلك دليلاً حسياً مادياً على هزيمة العدوان تتمثل بالعودة إلى الحياة الطبيعية عبر إعادة المواطن إلى منزله واستعادته لنشاطه في موقعه.

2. إبقاء قسم من السوريين في قبضة الغرب وتحت رحمته من أجل تجنيد بعضهم ضد دولتهم. فالغرب العاجز عن توفير وحدات عسكرية لتمارس عدوانها أو احتلالها لسورية، والذي يخشى على وحداته الموجودة حالياً من الخسائر بسبب المقاومة التي تنتظرها بعد الفراغ من تطهير النطاقين المركزي والأوسط في سورية، يريد أن يشكل من السوريين في الخارج وحدات قتال بأمرته توفر عليه الأعباء والجهود والخسائر خاصة أن الخليج ملزم بالتمويل.

3. خدمة استراتيجية إطالة أمد النزاع التي تعتمدها أميركا بعد خسارتها حربها على سورية، وهذا الأمر مؤكد عليه جهاراً من قبل أميركا وأعوانها الغربيين الذين يرون في وقف الحرب الآن هزيمة استراتيجية كبرى قد تؤدي بهم إلى الخروج من الشرق الأوسط وتراجع النفوذ فيه بشكل دراماتيكي.

4. إحداث تغيير ديمغرافي في دول المنطقة يمهد لمراجعة رسم الحدود وإعادة التقسيم كما تبتغي «إسرائيل»، وهنا نذكر باستراتيجية «الفوضى البناءة» الأميركية التي اعتمدت لبناء شرق أوسط جديد قائم على دول طائفية ومذهبية وعنصرية وإثنية، تكون دويلات واهنة لا يمكن أن تنشأ إلا بأحداث تغيير ديمغرافي يتم عبر التهجير القسري أولاً والتوطين المخطط ثانياً. وفي هذه النقطة بالذات يتطوّر الخطر في مسألة النازحين من خطر يحدق بسورية إلى خطر يحدق بلبنان والأردن، أما تركيا فهي كما يبدو بوضوح جزء من المشروع الغربي الذي يمنحها فرصة مراجعة الحدود وضم ارض سورية إليها، كما تخطط الآن في عفرين وتطمح في ريف حلب من تل رفعت إلى منبج فجرابلس، ولأجل ذلك ربط الغرب موضوع النازحين بالحل الشامل وعلى العاقل أن يفهم.

لكل هذا نرى أن حل قضية النازحين وفقاً للمنطق السليم هي مسألة تتعدى سورية ومصالحها وتشمل دول المنطقة عامة ولبنان خاصة. فموضوع النزوح والتوطين يشكل خطراً على وحدة سورية وأمن ووحدة الدول المجاورة، ولهذا نجد أن صرخة لبنان الرسمي ضد بيان بروكسل الذي أصدره الاتحاد الأوروبي مع الأمم المتحدة هي عمل دفاعي يجب أن يتابع ويجب أن يتوحّد اللبنانيون عليه ولا يقبل مطلقاً من أحد السكوت وإلا كان في سكوته موافقة ضمنية وعمل خياني للبنان.

كما نرى بأن التنسيق السوري اللبناني لحل أزمة النزوح بات واجباً وطنياً لبنانياً يتصل بالأمن القومي وباستقرار لبنان. ونرى أنه عدو للبنان كل فرد أو كيان أو دولة ترفض التنسيق وتعرقل الحل وتمنع عودة النازحين السوريين إلى وطنهم سورية. وأخيراً نؤكد أن حل مسألة النازحين في لبنان كما وفي كل بلدان اللجوء وإعادتهم إلى وطنهم هي جزء رئيسي من المعركة الدفاعية التي يخوضها معسكر الدفاع عن سورية بوجه العدوان الصهيوأميركي المخدوم عربياً وإقليمياً وأن أي تساهل في الموضوع إنما هو خدمة وتسهيل للأعمال العدوانية ضد المنطقة.


جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/04/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد