آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

هل “الولايات المتحدة” بصدد سحب قواتها من “سوريا” أم بصدد زيادتها؟ و هل باعت الأمير “تميم” للسعودية؟

 

عبدالوهاب الشرفي

ما إن كاد الرئيس الأمريكي ” ترامب ” أن ينهي حديثه عن أن هناك دول أصبحت ثرية نتيجة للحماية الأمريكية لها وأن بعض الدول العربية لن تصمد أسبوعا واحدا إذا سحبت الولايات المتحدة الأمريكية قواعدها من هذه البلدان ، حتى خرج وزير الخارجية السعودي ” الجبير ” بان على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات الأمريكية في سوريا وأن عليها أن ترسل قوة إلى هناك .

كان ” ترامب ” طوال الفترة القصيرة الماضية يعمل  على الدفع باتجاه أن تتحمل المملكة العربية السعودية تكاليف القوة الأمريكية في سوريا ، وصرح مرارا أن قوات بلده في سوريا متواجدة لمصالح دول أخرى و أن على هذه الدول إذا أرادت استمرار تواجدها في سوريا فعليها أن تدفع التكاليف ، ووجه ” ترامب ” كلامه باتجاه السعودية مباشرة من خلال القول ” إن بن سلمان مهتم بمصير القوات الأمريكية في سوريا و إذا أراد أن تستمر فعليه أن يدفع تكاليف ذلك ” .

حديث ” ترامب ” الأخير حمل ثلاث رسائل الأولى أن المبالغ التي يريد جمعها مبالغ كبيرة فقد تحدث عن بلاده تحملت مايقارب ال 8 تريليون لتواجدها في المنطقة دون أن تحصل على شيء ، والثانية أن على دول الخليج الغنية التي يمثل هذا التواجد حماية لها أن تدفع هذه المبالغ ، والثالثة أن موضوع دخول قوات من هذه الدول إلى سوريا بات أمرا ملحا لهدف قال إنه ” منع إيران من الوصول للبحر المتوسط ” .

لم يحدد ” ترامب ” دولة بعينها من الدول ” المحمية أمريكيا ” والتي يجب أن تدفع مقابل تكاليف القوة الأمريكية أو هذه المرة الأمر أوسع وبات دفع ” ثمن الحماية الأمريكية ” وبالطبع لم يستثني السعودية التي سبق ووجه لها كلاما خاصا بها ، و توجيه ” الجبير ” للكلام باتجاه قطر لا يعني إلا أن تفاهما أمريكيا سعوديا قد تم لأن تدخل قطر ضمن الذين يجب أن يتحملوا التكلفة وهم حتى الآن السعودية وقطر ، و رغم أن ” ترامب ” لم يصرح باتجاه قطر وترك التصريح ” للجبير ” إلا أنه – ترامب – المح لذلك بالقول أن هناك دول لن تستمر أسبوعا واحدا إذا سحبت الولايات المتحدة قواعدها منها في إشارة لقاعدة ” العديد ” القطرية التي كانت أحد موانع تفكير ” خصوم قطر ” بالتدخل العسكري فيها .

إذا على الأقل السعودية و قطر حتى الآن عليهم أن يدفعوا المليارات ” لترامب ” ، لكن ليس هذا كلما يريده ” ترامب ” بل أصبح موضوع دخول قوات عربية وغير عربية أمرا ملحا في ضل البسط  المتسارع للجيش السوري على جغرافية بلده و التي قد أو شكت أن تنتهي من مناطق ” غرب الفرات ”  و سيصبح شرقه محل الضغط و التماس والصراع بعد ذلك و هناك تتواجد القوات الأمريكية مع مقاتلي الأكراد الموالين لها ولا يجب أن تضل القوة الأمريكية و حيدة هناك .

قبل أكثر من أسبوع قال ” ماكيرون ‘ الرئيس الفرنسي أنه اقنع ” ترامب ” بعدم سحب قواته من سوريا و تلويح ” ترامب ” بسحب قواته من ” سوريا ” بات من اليقيني انه حديث ابتزازي لاستجلاب الأموال وليس قرارا وفي ضل حديثه عن الحاجة لمنع إيران من الوصول للبحر المتوسط يكون الأمر أنه لا تفكير مطلقا في هذا الجانب ، و تصريح ” ماتيس ” وزير حرب ” ترامب ” بأن فرنسا قد أرسلت قوة إلى سوريا هو الأخر مؤكد في جانبين الأول الحاجة لدخول قوات إلى سوريا لتكون مع القوة الأمريكية و الثاني أنه لا نية للولايات المتحدة في سحب قواتها من سوريا وأنه في أبعد احتمال فالمسألة لن تعدو كونها متعلقة بحجم حضور القوة الأمريكية في سوريا وليس سحبها .

حديث ” ترامب ” العالي عن الأموال و كذا عن ضرورة ” منع إيران من الوصول للبحر المتوسط ” و كذا زيارة وزير خارجيته الجديد ” مايك بمبيو ” للسعودية و الأردن و ” الكيان الصهيوني ” في أول زيارة له للمنطقة كلها تشير بأن التوجه الأمريكي هو لزيادة القوة الأمريكية في سوريا وليس العكس ، و بربط هذا الأمر بتصريحات ” الجبير ” سابقا بأنه يجب أن تدخل قوات عربية وتارة قوات إسلامية لسوريا وتصريحاته بأن على قطر أن ترسل قوة إلى سوريا كل ذلك يقول أن القرار الأمريكي بزيادة القوة الأمريكية في سوريا قد اتخذ وهو برهن توفير قوات دول أخرى للدخول إلى جوارها .

كان تصريح ” الجبير ” إثر تصريحات ” ترامب ” ملفتا من حيث سرعته وأيضا من حيث إعادة توجيهه باتجاه قطر حصرا مع أن ” ترامب ” تحدث عن الجميع ولكن ليس كل ذلك هو الملفت في حديث ” الجبير ” .

يمكن أخذ حديث ” الجبير ” بأن على قطر أن تدفع تكاليف القوة الأمريكية في سوريا من باب النكاية بقطر على خلفية الأزمة الخليجية لكن حديثه عن إرسال قوة قطرية إلى سوريا لا يمكن أخذه من ذات الباب مطلقا لأن التوجه لإرسال قوات عربية وإسلامية إلى سوريا هو توجه تتبناه السعودية وفي ظل الخصومة الحادة بين الدولتين – التي وصلت لتلويح السعودية بتحويل قطر إلى جزيرة وفصلها عن أرض الجزيرة العربية – فان المنطق يقول أن السعودية قد تطلب أو تلوح بمسألة قوة عسكرية تتشارك معها الدخول إلى سوريا تجاه أي دولة إلا قطر ، فكيف ” للجبير ”  أن يقول بأن على قطر أن ترسل قوة إلى سوريا متجاوزا كل صور الخلاف بينهما الذي وصل للمقاطعة في ” الجِمال و الأغنام ” ؟! .

دعوة السعودية لدخول قوات عربية أو إسلامية لسوريا و حديث  “ترامب ” بأن على الدول المحمية أمريكيا أن تدفع التكاليف وعن الحاجة لمنع إيران من الوصول للبحر المتوسط، و حديث ” الجبير ” بأن على قطر دفع تكاليف القوة الأمريكية وأن عليها أن ترسل قوات إلى سوريا كل ذلك يعطي انطباع بأن الأمر متفق عليه أمريكيا سعوديا سواء في جانب مساهمة قطر في التمويل أو مشاركتها في القوات التي يجب أن تدخل إلى سوريا .

تتداول أنباء عن أن تركيا تستعد لنشر قوة من 40000 ألف جندي في بالمشاركة مع الروس في ”  إدلب ”  السورية في إطار اتفاق ثلاثي – روسيا إيران تركيا – لتخفيف التوتر وحفظ الأمن في المدينة  ، بينما ترى سوريا أن تركيا تجاوز تفاهمات – في إطار الثلاثية –  خفض التصعيد في بعض المناطق داخل سوريا وأن قواتها تقوم بالدخول لمناطق لا تحتاج لذلك ، ولا شك أن المناطق التي تتوغل فيها القوات التركية هي مناطق تتواجد فيها و القوات الكردية  المدعومة أمريكا ، وهناك حالة عدم رضى متبادلة بين الأمريكيين و الأتراك في التحركات العسكرية داخل سوريا ، فالولايات المتحدة تدعم الأكراد و تعتمد عليهم لفرض هيمنتها “شرق الفرات ” بمقابل سخط تركي عالي من التمكين للأكراد التي ترى في ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي وترعاه الولايات المتحدة.

حساسية تركيا تجاه التمكين الأمريكي للقوات الكردية عال للغاية وتتعامل معه تركيا برد فعل عسكري لا يحسب حسابا لأي طرف واحتمال أن يتطور الدور العسكري التركي في سوريا باتجاه مناطق ” شرق الفرات ” للمواجهة مع الأكراد و فرض هيمنتها العسكرية على تلك المناطق حماية لأمنها القومي –  كما تراه هي – قائما بقوة ، وكون الولايات المتحدة تعتمد على التمكين لهيمنتها بدعم القوات الكردية فان احتمال أن تتصادم الأجندات العسكرية التركية الأمريكية بشكل مباشر شرق الفرات قائم كذلك .

دخول قوات عربية أو إسلامية الذي تعمل عليه الولايات المتحدة و السعودية إلى سوريا هو أمر لن يكون مرضيا عليه تركيا لأنه حتما سيسير في مسار رؤية الهيمنة الأمريكية المستندة على الأكراد ” كقوة محلية ” لا يمكن الاستغناء عنها لتغطية الوجود الأجنبي الغير قانوني على الأرض السورية ، وبالتالي فالمشكلة التي تواجهها القوات الأمريكية في جلب قوات أجنبية أخرى إلى جانبها ليست فقط تجاه قوات الحكومة السورية و القوات الإيرانية وقوات حزب الله وإنما القوة التركية هي أيضا مشكلة أمام استمرار الوجود ” المهيمن ” الأمريكي و القوات الأجنبية الأخرى الذي سيستجلبها الأمريكي .

حديث ” الجبير ” عن أن على قطر أن ترسل قوات عسكرية إلى سوريا هو حديث محسوب وبالنسبة للأمريكي و السعودي هو ضرورة اكتظت أن تجاوز السعودية خلافات الأزمة الخليجية وأن تدعو لإرسال قوات قطرية إلى سوريا حيث تدعوا نفسها – السعودية – وغيرها للذهاب إلى هناك ، فإدخال القوات القطرية إلى سوريا سيكون حتما في مناطق الهيمنة الأمريكية ”  شرق الفرات ” وهي المناطق التي تتمركز فيها القوات الكردية المدعومة أمريكيا و الخصمة تركيا .

اختيار قطر لمهمة كهذه هو فخ أمريكي سعودي مدروس بعناية ويضع القوات القطرية أمام خيارين أحلاهما مر فأما أن تتواجد في سوريا ضمن رؤية الهيمنة الأمريكية المستندة على الأكراد وبالتالي تضرب علاقتها جوهريا مع تركيا و بذلك يبدأ تهتك جدار الحماية التركية لقطر – وهو أهم من الحماية الأمريكية المترتبة على وجود قاعدتها في قطر التي أشار لها ” ترامب ” في حديثه – وبالتالي ستجد السعودية – ومعها ” خصوم قطر ” –  فرصة للعبث في الداخل القطري ومحاولة أحداث انقلاب يطيح بالأمير ” تميم ” ، أو أن ترفض قطر الذهاب لسوريا وبالتالي تُمسك من ” رقبتها ” وتبتز أموالا لن يكون لها سقف وقد تجاوز مادفعته السعودية نفسها للولايات المتحدة  . ولعل هذا هو سر ربط ” الجبير ” بين دفع قطر التكاليف وبين إرسال قوات إلى سوريا كذلك بصورة مفاجئة وسر تلويح ” ترامب ” بسحب القاعدة العسكرية من قطر  .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد