آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فؤاد البطاينة
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

فلسفة الدعم الغربي للمشروع الصهيوني.. أصولها ومنتهاها

 

فؤاد البطاينة

يتصل دعم الغرب للصهيونية في بداياته بانهيار واحتلال مملكة الخزر في القرن الثالث عشر ميلادي و التي كانت قد نشأت في شمال القوقاز وشمال غربي بحر قزوين بحدود القرن السادس الميلادي على انقاض حكم المغول للمنطقة أو شعب الهون Huns . حيث بعد موت زعيمهم اتيلا في القرن الخامس الميلادي نزحت حينها قبائل البدو الخزر( Gaz بالتركية) من أواسط آسيا إلى الشمال وسيطروا على القبائل هناك واسسوا مملكتهم (خاقانيه) من شعوب وسكان تلك المنطقة . وتهود سكانها الوثنيين في القرن الثامن الميلادي كخيار سياسي اتخذه الملك ليجنبه الوقوع تحت تأثير أي من الامبراطوريتين البيزنطية أو الإسلامية.

 توسعت تلك المملكة لتشغل أراضي الاتحاد السوفيتي سابقا وتصبح بحلول القرن التاسع إمبراطورية ثالثة. وخاضت الخلافة الأموية معها حروبا دامت مائة عام حمى الخزر فيها بصمودهم أوروبا الشرقية والوسطى من المد العربي الإسلامي .ويقول أستاذ جامعه كولومبيا DM Dunlop ما نصه “”بعد موت الرسول محمد (صلعم ) اتجهت الجيوش العربية شمالا حتى وصلت إلى حاجز جبال القوقاز، ولو استطاعت اجتيازها لأصبحت الطريق سالكة لأوروبا الشرقية. ففي القوقاز واجه الخزر الغزو العربي وحاربوهم لمدة قرن ومنعوا من أن تصبح أوروبا مسلمة”” انتهى. ويقول الأستاذ في جامعة رتجرز الأمريكية peter Golden مانصه ” القليل من الطلاب يعرفون أنه لولا الخزر لكانت كل أوروبا الشرقية قد أصبحت مقاطعة إسلامية ولكان هناك مسجد في المكان الذي تقوم عليه كنيسة السيدة العذراء Noted Dame ” انتهى.

وعندما انهارت هذه الإمبراطورية وتلاشت عن الخارطة في القرن الثالث عشر على يد التحالف الروسي البيزنطي، تجزأت إلى دول مسيحية وتحول سكانها المتهودين إلى مجرد رعايا مشتتين فيها. ليبدأ صراع مرير بينهم وبين الأوروبيين دام قرونا رفضوا خلالها التعايش مع الدول التي تشكلت على أراضيهم وكان مطلبهم الأساسي هو منحهم دولة خاصة بهم على بقعة من أراضيهم المحتلة.
واختاروا بولندا بالذات ولم تكن فلسطين في مخيلتهم بداية . كما رفض الأوروبيون مساعدتهم في إيجاد دولة لهم في أمريكا الجنوبية وأفريقيا لعدم وجود المبرر الممكن تسويقه.

فكان أن استمر الصراع بين الأوروبيين ويهود الخزر لقرون انهكت أوروبا. واظب فيها متهودوا الخزر على ارتكاب الجرائم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ونشر الفساد والرذيلة. واستخدم الأوروبيون مختلف العقوبات والضغوطات عليهم مثل الطرد المتكرر للتخلص من الوضع دون فائدة. إلى أن تمكن يهود الخزر من اختلاق مصطلح( Jew) اسما لهم وساووه بكلمة “يهود ” بالعربية مدعين بأنهم يهود من أحفاد إبراهيم وبني إسرائيل واصحاب الوعد. وتمكنت الصهيونية في مرحلة لاحقة من التحالف مع الأوروبيين الذين التقطوا الفكرة للتخلص من يهود الخزر وسوقوا هذه الكذبة الكبرى كمصلحة عليا يصدرون بواسطتها السرطان الخزري المتهود لفلسطين كحق تاريخي وتوراتي مزعوم .و هنا تهيأت الفرصة للصهيونية الخزرية لاحتلال فلسطين.

إذن ، ابتدأ الدعم الغربي لمتهودي الخزر على أسس ماديه سياسية لتحقيق مصالح عليا في استقرار بلدانهم بالتخلص من يهود الخزر بعد قرون من الصراع الذي أنهكها وأدخلها في مختلف الأزمات. .
إلا أن هذا الأساس السياسي للدعم الغربي للمشروع الصهيوني تغير في مرحلة لاحقه وتغيرت معه طبيعته ولم تعد مرتبطة بأمر سياسي ولا بالخوف على زوال إسرائيل ولا بعودة متهوديها لأوروبا في ضوء قبول العرب لهم على جزء من فلسطين على الأقل في سياق حل الدولتين. وحملت فيه أمريكا الراية بدلا من أوروبا، وأصبح هذا الدعم اكثر عمقا ولا يقف عند حدود، ولا يبدو عقلانيا ولا مستنيرا ولا يخضع للمنطق ولا يرتبط بالمصالح العليا لتلك الدول كما في السابق.. فما هو؟ إنه بالتأكيد ليس دعما مفروضا ولا رضوخا للصهيونية العالمية بل هو دعم نابع عن إرادة شعبية مسيحية في دول ديمقراطية حره تحكمها إرادة شعوبها.
 أقول ، إنه إذا غاب المنطق العلمي والسلوك العاقل لدى الإنسان وغابت مصالحه الخاصة وغرائزه ومعها الرحمة، وغاب القانون والعدل والدستور لدى الحكومات الديمقراطية فلن يكون وراء ذلك إلا التعصب الجماعي ومفهومه. والذي تتغلب فيه العاطفة على العقل والمنطق والحق. إذ لا يطيح بالعقل سوى العاطفة. ولكن اية عاطفة قادره على الاستحواذ على عقل المجموعات البشرية والحكومات الديمقراطية ؟ أنها العاطفة الدينية عندما تواجه التحدي. والتي استخدمت صهيونيا لتقوم في نفوس الشعوب الأوروبية على اعتقاد إيماني بريء ولكنه على أسس من المغالطة والزيف والتزوير في محاور ثلاثة طالت التهديد لنمط حياة تلك الشعوب التي ناضلت من أجله، من خطر الثقافة الإسلامية.
الأول. يتمثل بالاختراق الصهيوني الخزري المبكر للعقيدة المسيحية والشارع المسيحي الغربي بكل مستوياته مما كرس قناعات عقدية ومفاهيم توراتية زائفة تقوم على أن اليهود هم شعب ألله المختار وبأن العهد القديم هو المدخل لفهم المسيحية وأن عودة المسيح مرتبطة بقيام دولة صهيون وتجميع يهود العالم في فلسطين وإعادة بناء الهيكل. وأنشأت الصهيونية جمعيات وحركات مسيحية متصهينة من صلب البروستانتية ما زالت تقوم بالمهمة، وكنائس ذات طابع مسيحي صهيوني التي يشار إليها باليمين المسيحي أو الأصولية المسيحية وفرضت عبارة Judeo- Christian كأغرب خلطة بين متناقضين. و إلى الحد الذي يصفه فيه المؤرخ اليهودي الأمريكي (هنري فوردHenry Ford ) في كتابه اليهودي الدولي، بقوله “”لقد سيطر اليهود على الكنيسة في عقائدها وفي حركة التحرر الفكري المسماة الليبرالية وإذا كان ثمة مكان تدرس فيه القضية اليهودية دراسة صريحة فهو موجود في الكنيسة العصرية لأنها المؤسسة التي اخذت تمنح الولاء دون وعي او إدراك إلى مجموعة الدعاية الصهيونية “”. انتهى

الثاني . شكل تعاظم الوجود الإسلامي في أوروبا وأمريكا خطرا على التأثير الصهيوني على تلك لدول . فجاء اختراق الصهيونية لمفاهيم الشعوب الأوروبية باتجاه تشويه طبيعة وحقيقة الإسلام ورسالته الانسانية ونظرته للأخر وأديان الأخر بكل الوسائل المتقدمة التي سخرت لها مرا كز متخصصه. ودعّمت وفعَّلت فكرتها بصنع شيوخ دين مسلمين واتباعهم ومنظمات إجرام على مقاس حملتها يمارسون ما تدعيه الصهيونية وأكثر. وزاوجت ذلك مع مصطلح صراع الحضارات الذي سبق واختلقته والذي في واقعه يعني صراع الثقافات، أرعبت به وجيشت شعوب الغرب ضد الإسلام والمسلمين الذين ينوون حسب زعم الصهيونية تغيير نمط حياة تلك الشعوب والأجهاز على ما حققته ديمقراطياتهم.

الثالث . يتمثل في غياب حقيقة الأصول الخزرية ليهود اليوم الذين يحتلون فلسطين لدى الأجيال اللاحقة من الحكام الغربيين وجهلهم مع شعوبهم بحقيقة أن هؤلاء ليسوا باليهود التوراتين والتاريخيين وليسوا من أحفاد إبراهيم وبني إسرائيل. وجهلهم بالأسباب السياسية التي حفزت أسلافهم من الحكام على تأييد ودعم الكذبة الصهيونية وفكرتها. حيث أصبحت الكذبة الموروثة مع مرور الزمن حقيقة.

وفي غياب استعداد وقدرة الطرف العربي الإعلامية والسياسية والثقافية على إقناع الشعوب الغربية بمفكريها وسياسييها بالحقيقة التاريخية والدينية كشعوب حرة مؤثرة من خلال أنظمتها الديمقراطية، ستبقى لنا المسألة منطقيا خارج نطاق السيطرة لأنها تتعلق بقناعات الشارع المسيحي وكيفية تناوله لهذا الموضوع. ويبقى الدعم الغربي المسيحي لمتهودي الخزر قرارا مسببا ما دام يقوم على أسس معتقدية مكرسه في العقول. ولكن الذي لا نقبله ولا يقبله المعتقد المسيحي نفسه هو أن تبقى الحقيقة غائبة بما يترتب عليها من فظائع واحتلال وطن وتشريد وذبح شعب بأكمله وبقاء أمن واستقرار العالم مهددا، نتيجة مواقف منحازة وتضحيات مادية وأخلاقية قوامها الخرافة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/05/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد