آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

أعمق من قانون الضريبة وأبعد من تغيير السلطة...!

 

محمد صادق الحسيني

إنّ مسلسل الأزمات التي يتعرّض لها الأردن منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي وحتى يومنا الحالي ليست أزمات بلا جذور، وإنما هي جزء من عملية الصراع الدائر بين معسكرين متحاربين هما:

ـ حركة التحرر الوطني العربية بشكل عام والقضية العربية المركزية والتي تعتبر القضية الفلسطينية على رأس سلم أولوياتها.

ـ الإمبريالية العالمية وأداتها «إسرائيل»، التي أقيمت على أنقاض شعب فلسطين الذي تمّ تهجيره من أرضه، في محاولة لتثبيت القاعدة الإمبريالية الغربية، التي أطلق عليها اسم «دولة إسرائيل»، كمركز انطلاق للسيطرة الإمبريالية التامة على العالم العربي ودول غرب آسيا.

وكان الهدف الأساسي لهذه الدول، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ومعها «إسرائيل» هو تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق عودة الشعب الفلسطيني إلى بلاده، التي تمّ تهجيره منها قسراً وبالقوة العسكرية والمذابح المتنقلة، التي نفذتها العصابات الصهيونية المسلحة عام 1948.

وقد قام المعسكر الإمبريالي الصهيوني، ومنذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، بطرح العديد من مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية، والتي كان أولها مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة، توطينهم في شمال سيناء. كما تبع هذا المشروع، بعد أن تم رفضه بشكل قاطع مانع من قبل الشعب الفلسطيني قاطبة، مشروع أو مبدأ أيزنهاور حول الشرق الأوسط، الذي أعلنه أيزنهاور شخصياً يوم 5/1/1957، وتضمّن أفكاراً عدة تمحورت حول ما سمّي ملء الفراغ في الشرق الأوسط خوفاً من سيطرة الاتحاد السوفياتي على المنطقة، وهو ما يُسمّى اليوم – بوقف التمدّد الإيراني- وكذلك تقديم مساعدات اقتصادية أميركية لدول بعينها في «الشرق الأوسط» وذلك تمهيداً لتوطين اللاجئين ودمجهم في الدورة الاقتصادية لتلك البلدان التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأميركية.

إلى أن جاء مشروع إيغال ألون، بعد ذلك بعشر سنوات، وبعد احتلال «إسرائيل» لما تبقى من فلسطين عام 1967، حيث قام ألون، الذي كان وزيراً للعمل في الحكومة الإسرائيلية حين طرح مشروعه في تموز 1967 على مجلس الوزراء الإسرائيلي، والذي تضمّن إعادة أجزاء من الضفة الغربية المحتلة إلى الأردن، ضمن عملية يتمّ التفاوض عليها، على أن تبقى معظم أراضي الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية. ولكن هذا المشروع لم يلق موافقة من أيّ طرف كان، بما في ذلك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

أما عن علاقة هذا التسلسل التاريخي، لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية وإلغاء حق العودة، بما يجري في الأردن حالياً من هبّة جماهيرية تطرح مطالب حياتية بحتة تتمحور حول أسعار السلع الغذائية والخدمية؟

وفِي الحقيقة، أنّ هذا التساؤل محقّ ومنطقي، ما يستدعي الإضاءة على الأسباب التي أوصلت الأردن إلى هذا الوضع المأساوي والخطير الذي لا يشكّل تهديداً لاستقرار في الأردن فحسب، وإنما يهدّد وجود الأردن كدولة وكعرش هاشمي.

إذ إنّ السبب الرئيسي للأزمة الحالية في الأردن هو إرغام السعودية ودول الخليج للأردن على بيع ممتلكات الدولة الأردنية، أو ما أطلق علية اسم الخصخصة، لتمويل عمل الدولة بعد أن قطعت هذه الدول مساعداتها عن الأردن منذ اندلاع أزمة الكويت عام 1990 وذلك بحجة أن الأردن قد أيّد احتلال العراق للكويت. وهذا ما فتح الطريق أمام غيلان البنك الدولي والصندوق الدولي لفرض سياسات هاتين المؤسستين الدوليتين السيئتي الصيت والسمعة. حيث بدأ هؤلاء الأشخاص المؤهّلين أميركياً بالسيطرة، شيئاً فشيئاً على مفاصل الدولة وتقرير سياساتها بهدف تحويل المواطنين مجاميع تلهث وراء لقمة العيش ليس إلا. أيّ تحضير الشعب الأردني للقبول بأية مشاريع سياسية تعرض على حكومته مقابل لقمة العيش المقننة هذا إذا لم تكن قد باعت كلّ شيء حتى الآن .

وقد لعبت دول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص، عن طريق مواصلة الابتزاز المالي للأردن ومواصلة الضغط السياسي عليه، دوراً أساسياً في محاولات تطويع وتجويع الشعب الأردني لإجباره على قبول تصفية القضية الفلسطينية والموافقة على ما يطلق عليه الساسة الإسرائيليون: الخيار الأردني أو الوطن البديل في الأردن لحل القضية الفلسطينية الأردن الكبرى .

وهذا بالضبط هو الهدف الذي يسعى التحالف الصهيوأميركي السعودي إلى الوصول إليه، من خلال تصعيد الضغط على الأردن، ملكاً وحكومة، لإرغامه على الموافقة على صفقة القرن الأميركية التي تتضمّن اعترافاً بـ»يهودية إسرائيل» وبالقدس عاصمة لها وبتحويل المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية ساكنين، أو مقيمين، لا حقوق سياسية لهم في أرضهم وإنما يتمّ دمجهم في الأطر السياسية الأردنية من أحزاب وبرلمان وما الى ذلك.

أما البديل عن موافقة الأردن على صفقة ترامب فهو، حسب المخططات الأميركية الإسرائيلية، إشاعة الفوضى والقتل والدمار في الأردن، كما فعلوا في سورية والعراق وليبيا من قبل، وصولاً إلى إنهاء الحكم الملكي الهاشمي في الأردن والعمل على إقامة دولة هاشمية جديدة في الحجاز، أي الانتقال إلى مرحلة تقسيم الدولة السعودية نفسها التي قامت بتمويل تدمير الدول العربية من خلال إطلاق العنان للعصابات التكفيرية في الدول المشار إليها أعلاه.

فما السبيل إذن للخروج من هذه الأزمة الوجودية التي تهدّد الدولة الأردنية والحكم الملكي الهاشمي فيها؟

إنّ السبيل لذلك سهل وبسيط بمقدار ما يوحي المشهد من صعوبة وتعقيد. إذ أنّ السبيل لذلك يتمثل في اتخاذ القرار الاستراتيجي الصحيح وعدم الاكتفاء بتغيير الأشخاص والشخوص الذين هم جزء من الأزمة وليسوا وسيلة لحلها.

إنّ الحلّ يتمثل في اتخاذ قرارات سياسية مصيرية لضمان استمرار وجود الدولة الأردنية، من قبل صانع القرار وليس من قبل الموظفين في الأردن، وذلك بعد أن تكشف حجم التآمر الأميركي الإسرائيلي السعودي على هذه الدولة، بهدف تدميرها وإنشاء دولة بديلة عنها. علماً أننا نعني بالقرارات السياسية المصيرية ما يلي:

أولاً: إنهاء التحالف القائم بين الولايات المتحدة الأميركية والأردن وإنهاء الوجود العسكري الأميركي في هذا البلد العربي والقفز من القارب المعادي للأمة إلى قارب النجاة المتمثل بالمقاومة. أيّ الخروج مما يطلق عليه اسم التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب والذي بحجّته تتواجد القوات الأميركية في الأردن والعراق ودول الخليج.

ثانياً: الانتقال بالأردن من حلف العدوان المُشار إليه أعلاه إلى حلف المقاومة، أي المحور السوري الإيراني الروسي، حتى دون المشاركة الفعلية في العمل المقاوم، وذلك حماية لوجود الدولة الأردنية بحدّ ذاتها.

علماً أنّ الانتقال إلى تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية، بين كلّ من الأردن من جهة وسورية والعراق وإيران من جهة أخرى، ونتيجة للفائدة الاقتصادية الكبيرة التي ستعود على الأردن، من خلال عودة التبادل التجاري بينه وبين البلدان الثلاثة المذكورة أعلاه، ستكون أكثر بكثير من المساعدات التي كان يتلقاها الأردن من البنك الدولي والسعودية والخليج مجتمعة.

أيّ أنّ الأردن لن يعود بحاجة إلى مساعدات خارجية، خاصة إذا ما تمّ إتباع سياسات اقتصادية وطنية تحافظ على المصالح العليا للدولة ومواطنيها وتحول دون تحوّل الدولة صرّافاً آلياً يصبّ في جيوب أخطبوط المال الذي تطبق أذرعه على أعناق المواطنين والدولة معاً.

ثالثاً: تقديم الدعم الفعّال، وفِي كلّ المجالات، للمقاومة الفلسطينية التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي ومشاريع التصفية الأميركية الإسرائيلية، وذلك لأنّ مقاومة الشعب الفلسطيني هي الطريق الأقصر والأضمن لإفشال مشروع تصفية القضية الفلسطينية والدولة الأردنية وإقامة وطن فلسطيني بديل في الأردن.

خاصة أنّ المطلوب من الأردن في هذا المجال ليس إعلان الحرب على «إسرائيل» وإنما اتخاذ إجراءات بعينها وفي مجالات عديدة، سيكون الأردن الرسمي أكثر دراية وخبرة في تطبيقها وتوظيف مردوداتها في حماية الدولة الأردنية، وليس فقط في حماية القضية الفلسطينية والولاية الهاشمية على المقدّسات المسيحية والإسلامية في فلسطين.

غير ذلك فسيؤكل الأردن كما أكل الثور الأبيض.

بعدنا طيبين، قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/06/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد