التقارير

تقرير خاص: زيارة كوشنير إلى المنطقة.. تمهيد لـ"صفقة القرن" بتواطؤ عربي خليجي


مالك ضاهر..

كثفت الإدارة الأمريكية عجلة الاتصالات بخصوص تفعيل ما يسمى "صفقة القرن"، ولهذا السبب جال صهر الرئيس الأمريكي جيراد كوشنير والمبعوث الأمريكي الخاص لـ"عملية السلام" جيسون غرينبلات على عدة عواصم في المنطقة لإعادة ضخ الحيوية في هذا المخطط ووضعه على نار حامية، بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب نيته لتطبيقه بهدف القضاء على القضية الفلسطينية وإنهاء حقوق الشعب الفلسطيني.

وحاول جيراد تلمس المواقف دول المنطقة في ظل عدم صدور أي موقف فلسطيني داعم أو موافق على هذه الصفقة، وقد يكون الوفد الأمريكي قد وزع الأدوار المطلوبة من كل طرف من الأطراف، تمهيدا للكشف الرسمي عنها، حيث ينقل أن الرئيس الأمريكي يحاول تسريع الإعلان عن هذه الصفقة في إطار تنفيذ وعوده للإسرائيليين.

رفض فلسطيني.. وسعي أمريكي

ولكن ماذا يمكن أن ينتظر من زيارة الوفد الأمريكي وهل من نتائج عملية في ظل الرفض الفلسطيني الكامل لهذه الصفقة؟ وهل يمكن السير بتطبيق الصفقة دون وجود قبول أو مباركة فلسطينية عليها ولو بالحد الأدنى عبر موافقة السلطة الفلسطينية أو أي فصيل أخر عليها بمن فيهم حركة فتح؟ وكيف سيتم إقناع السلطة الفلسطينية بالقبول أو السير بها؟ وأي دور سعودي وخليجي في تمرير صفقة القرن؟

الأكيد أن الرفض الفلسطيني لصفقة القرن سيشكل عقدة يصعب تجاوزها من قبل الأمريكيين أو حتى الأنظمة الخليجية التي تدعم وتسير بشكل أو بآخر في تطبيق الصفقة والمخطط الأمريكي الإسرائيلي، فقد شكك كوشنير في قدرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على تقديم تنازلات للتوصل إلى ما اسماه "اتفاق سلام مع إسرائيل"، ولفت كوشنير إلى "الرئيس عباس يقول إنه ملتزم بالسلام وليس لدي أي سبب لعدم تصديقه ومع ذلك"، وتابع "إنني أشكك في مدى قدرة الرئيس عباس أو رغبته أن يميل إلى إنهاء الصفقة".
   
من السر إلى العلن.. استعجال أمريكي

واللافت فيما يتعلق بصفقة القرن أن ما كان يحكى عنه في السر بات اليوم يتداول في العلن ودون موارباة، حتى أن كوشنير تناول خلال زيارته الحالية إلى المنطقة مصطلح "صفقة" للتدليل على صفقة القرن، واعتبر كوشنير أن على الفلسطينيين والإسرائيليين تقديم تنازلات متبادلة وعلى كلا الجانبين أن يتحركا وأن يلتقيا في نقطة ما بين مواقفهما المعلنة، علما أن الخطوات الأمريكية منذ عشرات السنين وحتى اليوم كانت دائما تصب بمصلحة كيان الاحتلال ولا تحسب أي حساب لمصلحة الفلسطينيين بمن فيهم السلطة التي يترأسها اليوم محمود عباس، ومن أبرز هذه الخطوات الأمريكية التي تمت مؤخرا، خطوة اعتبار القدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال ومن ثم خطوة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

ولعل حضور كوشنير إلى المنطقة يحمل في طياته وضع اللمسات الأخيرة قبل الانتقال للتطبيق الفعلي للصفقة، ومنها أنه يشدد على الأطراف الخليجية ضرورة التقيد بدفع تكاليف هذه الصفقة سواء فيما يتعلق بدفع أموال مفترضة للفلسطينيين أو تقديم مساعدات لهم، وبنفس سياق وضع اللمسات الأخيرة على الصفقة يأتي استدعاء السفير الأمريكي لدى الكيان الإسرائيلي ديفد فريدمان إلى واشنطن مؤخرا للاتفاق على بعض التفاصيل، حتى أن بعض المحللين باتوا يتحدثون عن استعجال أمريكي للسير بتطبيق الصفقة، وهناك من تحدث عن ضرورة الاستفادة من انشغال الرأي العام العالمي والإقليمي بأحداث مونديال روسيا 2018 أو بأحداث المعارك في الحديدة جراء الحرب في اليمن وغيرها من أحداث المنطقة، لتمرير هذه الصفقة من دون أن تلقى الردود الكبيرة خاصة بعد أن تم امتصاص ثورة الغضب الفلسطينية على حدود قطاع غزة وجرى التعامل على استيعاب التظاهرات التي تخرج منذ عشرات الأسابيع رفضا للسياسات الأمريكية ولتمرير هذه الصفقة.

حراك عربي.. وابتزاز للفلسطينيين

وبالتوازي مع الحراك الأمريكي للضغط على الفلسطينيين، تتحرك بعض القيادات والعواصم العربية للقيام بدورها في ممارسة هذا الضغط على مختلف الأطراف الفلسطينية بمن فيهم السلطة أو الفصائل الموجودة في قطاع غزة من عدة أبواب على رأسها الملف الإنساني والمعيشي عبر فتح معبر رفح أو الحديث عن تقديم مساعدات إلى القطاع المحاصر ودفع رواتب الموظفين ودعم الخدمات الصحية وغيرها من أشكال الدعم الذي يبتز الشعب الفلسطيني في لقمة عيشه وصحته وتعليم أبنائه.. وكان في طليعة من باشر بالضغط على الفلسطينيين هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أعلن خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية قبل فترة رفضه للسياسة الفلسطينية المتبعة برفض كافة العروض التي تقدم لهم لإنهاء الصراع بينهم وبين الإسرائيليين، وشدد على ضرورة القبول بما يعرض لهم وإنهاء القضية، كما عرض ابن سلمان على الفلسطينيين القبول بأبو ديس كعاصمة لهم بدل القدس بالإضافة للحصول على جزء من سيناء بدلا عن القدس والضفة الغربية.

وبالتزامن مع زيارة الوفد الأمريكي إلى المنطقة، انتقل الملك الأردني عبدالله الثاني إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي وللتباحث في كيفية التعامل مع صفقة القرن، علما أن الأردن كان من الرافضين لها قبل أن تتحرك التظاهرات ضد الملك والنظام في عدة مناطق أردنية على خلفيات اقتصادية معلنة، بينما المعلومات تؤكد أن ما جرى هو جزء من سيناريو سعودي إماراتي للضغط على عمان للقبول والرضوخ للمخطط الأمريكي المدعوم خليجيا لفلسطين والقدس، فهل بات الأردن يسير بالركب الخليجي الأمريكي الإسرائيلي بخصوص هذه الصفقة وسيعمل في الفترة اللاحقة على الضغط على الفلسطينيين وبالتحديد السلطة للقبول بها؟

لقاء عمان.. والرضوخ العربي

والجدير ذكره هنا أوردت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أنباء عن حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الاجتماع الأخير الذي ضم ملك الأردن ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة عمان الاثنين الماضي، وبالتأكيد أن هذا اللقاء في هذا التوقيت سيكون من أبرز بنوده هو صفقة القرن، خاصة أنه لم يخرج أي تعليق لنفي حصول هذا اللقاء من قبل الرياض على الرغم من نفي مصدر أردني لذلك  من غير تحديد هوية أو صفة المصدر، بينما التسريب الإسرائيلي يبدو متعمدا ليؤكد حصول هذا التقارب الكبير بين المملكة السعودية والكيان الإسرائيلي.

لكن هذا الرضوخ العربي الخليجي للمخططات الأمريكية بخصوص القدس وفلسطين يطرح التساؤلات عن المنافع التي سيجنيها الحكام العرب وبالتحديد في الخليج مقابل التنازل والتخلي عن القدس وفلسطين، فماذا ستجني المملكة السعودية وولي عهدها بهذا القبول غير المشروط على هذه الصفقة للقضاء على القضية الفلسطينية؟ ومن القائل أنه يحق لهؤلاء الحكام عقد الصفقات المتعلقة بفلسطين بينما شعبها يرفض أي تفريط بحبة تراب واحدة من أرضها أو مقدساتها، وما التظاهرات الأسبوعي على حدود غزة وتقديم الشهداء والجرحى من مختلف الفئات والأعمار إلا دليلا واضحا على التمسك الفلسطيني بوطنه مهما بلغ حجم التآمر العربي والخليجي مع الأمريكيين والإسرائيليين.

أضيف بتاريخ :2018/06/25