آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

البحرين وأزمة الاقتصاد والسياسة


د. سعيد الشهابي

البحرين كانت وما تزال الأكثر عرضة من بين دول مجلس التعاون الخليجي للاضطراب السياسي والاقتصادي. فلم يمر عقد زمني طوال القرن الماضي بدون حدوث اضطرابات أمنية أو انتفاضات سياسية تطالب بإصلاح الأوضاع السياسية المضطربة. ويكفي الإشارة إلى أن سجون البحرين في الوقت الحالي تضم أعلى نسبة من السجناء السياسيين في العالم مقارنة بعدد السكان، إذ يتجاوز عددهم 4000 من بينهم نساء وأطفال. برغم ذلك تتظاهر حكومتها بعدم وجود شيء من ذلك، وتلقي اللوم على الخارج دائما. غير أن أوضاع هذا البلد الخليجي الصغير تفاقمت في الشهور الأخيرة، هذه المرة، بسبب أزمة اقتصادية حادة فاجأت الكثيرين. فهناك خمسة شهور تفصل ما بين تقدم حكومة البحرين بطلب المعونة الاقتصادية من السعودية والإمارات والكويت وإعلانها اكتشاف «أكبر» حقل نفطي في تاريخها. وهناك أربعة شهور أخرى تفصل بين ذلك الإعلان وتقديمها طلبا آخر لدعم اقتصادها بعد هبوط عملتها بشكل حاد. فما مغزى ذلك؟ كيف يمكن ربط اكتشاف اكبر حقل من النفط والغاز والحالات المتكررة من العجز المالي وهبوط الاحتياطي النقدي ومعه هبوط العملة؟ ويزداد الأمر غرابة بلحاظ ضآلة عدد السكان والمستوى المتدني لغالبية المواطنين.

في مطلع شهر نوفمبر الماضي طلبت البحرين مساعدة مالية من الدول المذكورة في وقت كانت البلاد فيه تسعى إلى تعزيز احتياطاتها النقدية وتجنب هبوط عملتها. وردت هذه الدول على طلب البحرين بدعوتها إلى مزيد من السيطرة على مواردها المالية. ووفق تقرير مؤسسة بلومبيرغ فإن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يكون العجز في موازنة البحرين الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي، رغم تراجع هذا العجز العام الماضي. وذكر التقرير أن احتياطات البنك المركزي البحراني انخفضت منذ العام 2014 بنحو 75٪ لتبلغ في أغسطس/اَب الماضي 522 مليون دينار (نحو 1.39 مليار دولار). ومن دون الحصول على هذه المساعدات أو انتعاش أسعار النفط، فإن الحكومة ستواجه صعوبة في الحفاظ على سعر صرف عملتها عند مستواه الحالي والبالغ 0.376 دينار للدولار الواحد، وفق ما ذكره التقرير.

لكن سلطات البحرين فاجأت العالم في مطلع شهر نيسان/أبريل الماضي عندما أعلنت اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي في البحرين «التوصل إلى اكتشاف أكبر حقل للنفط في تاريخ البلاد». فقد ذكرت اللجنة اكتشاف مورد كبير من النفط الصخري الخفيف تقدر كمياته بأضعاف حقل البحرين، بالإضافة إلى اكتشاف كميات كبيرة من الغاز العميق. ويعتبر هذا الاكتشاف خلال عهد الحاكم الحالي حمد بن عيسى آل خليفة، أول اكتشاف منذ عام 1932 عندما تمّ تدشين أول بئر للنفط في البلاد. وذكرت اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي أنها باشرت بـ «وضع الخطط التفصيلية لمضاعفة عمليات الاستكشاف والتنقيب»، حيث تم توجيه الهيئة الوطنية للنفط والغاز وشركات النفط الوطنية بالعمل على تحسين مستوى المسح الجيولوجي. أدى ذلك الإعلان لتفاؤل مؤسسات الدولة والجهات الدولية الداعمة لحكومة البحرين.

لكن المفاجأة الثالثة في غضون أقل من عام جاءت عندما أعلن الأسبوع الماضي عن انخفاض سعر الدينار البحراني في مقابل الدولار، وتزامن ذلك مع طلب الحكومة مساعدات عاجلة من السعودية والإمارات والكويت. وحسب الأرقام المعلنة فان البحرين تحتاج أكثر من 10 مليارات دولار في العامين المقبلين لسد العجز في موازنتها ودعم عملتها.

ماذا تعني هذه التطورات لبلد يعاني من توتر أمني لم يتوقف منذ اندلاع ثورة شعبية في 14 شباط/فبراير 2014؟ خصوصا أن مسؤولي هذا البلد يتظاهرون باستتباب أوضاعهم سياسيا واقتصاديا، ويتصرفون وكأن الأمور طبيعية داخل حدودهم. إن من الصعب تفكيك ألغاز هذا البلد الخليجي الصغير الذي يعتبر الأكثر اضطرابا في المنطقة بينما يتظاهر حكامه بشكل مختلف تماما. ربما المشكلة الكبرى التي يعاني منها حكام البحرين ارتباطهم المصيري بنظامي الحكم في السعودية والإمارات و «إسرائيل». هذا الارتباط وفر لهم مصدرا ماليا كبيرا، ولكنه ورطهم في أزمات خطيرة يصعب التنبؤ بكيفية الخروج منها. بدأ هذا الارتباط المصيري بتدخل التحالف السعودي ـ الإماراتي في شؤون البحرين عسكريا، وذلك بعد شهر واحد من اندلاع ثورة شعبها. ففي منتصف شهر آذار/مارس 2011 اجتاحت القوات السعودية والإماراتية أراضي البحرين وساهمت بقمع ثورة شعبها. وبذلك أصبح نظام الحكم فيها مدينا لهاتين الدولتين اللتين منعتا سقوطه. ومن الطبيعي أن يكون لذلك ثمن على مستوى السيادة واستقلال القرار السياسي. ويمكن القول أن حكومة البحرين فقدت السيادة على البلاد وكذلك حرية قرارها. فوجدت نفسها مجبرة على التورط في حرب اليمن، بإرسال قوات جوية شاركت في القصف الذي كان بعضه جرائم حرب. هنا لم يكن أمام حكومة البحرين من خيار سوى الإذعان لإملاءات السعودية والإمارات.

واتخذت قرارا آخر بقطع العلاقات مع إيران، تماهيا مع الموقف السعودي. وعندما افتعل تحالف الرياض وأبوظبي العام الماضي الأزمة مع قطر لم يكن أمام حكومة البحرين سوى مسايرتهما بقطع العلاقات مع قطر وإعلان مقاطعة قمة الكويت في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي بسبب حضور الأمير القطري. هذا برغم أنها قد لا تشاطرهما كل ما يدعيانه حول قطر. فالإخوان المسلمون وهم المستهدفون من قبل البلدين، حلفاء لحكومة البحرين ولا تستطيع الاستغناء عن مواقفهم الداعمة خصوصا إزاء الحراك الشعبي. هذا التماهي مع السياسات السعودية والإماراتية دفع المسؤولين للمبالغة في استهداف قطر وانتقادها.

يضاف إلى ذلك أن سياسات حكومة البحرين الاقتصادية لم تكون توحي بأن الأوضاع سيئة بالمستوى الذي يتضح الآن. فقد استخدمت الحكومة المال لشراء مواقف الدول الأخرى وكذلك السياسيين والإعلاميين وشركات العلاقات العامة. ومن ذلك سياسة حكومة البحرين محاكاة السياسات السعودية بإغداق الأموال على إدارة دونالد ترامب. فسفارة البحرين في واشنطن استأجرت قبل عامين فندق ترامب لإقامة حفلها السنوي للعيد الوطني، أي قبل شهر من تنصيبه رئيسا بعد فوزه في الانتخابات. واستمرت حكومة البحرين بتوقيع صفقات سلاح آخرها بقيمة تتجاوز مليار دولار لشراء 16 طائرة من جيل 70 F – 16 Block أحدث إنتاج من مقاتلات الـ F ـ 16 وأكثرها تقدّما. فلماذا تحتاج البحرين هذه الطائرات خصوصا أن لديها 17 طائرة منها. هذه الصفقة كانت ضمن صفقة اكبر وقعها ولي عهد البحرين مع الرئيس الأمريكي خلال زيارة قام بها لواشنطن في شهر ديسمبر الماضي. وقال ترامب: «تشرفت بلقاء ولي عهد البحرين في مكتبي اليوم وهناك صفقات كثيرة ستعقد بيننا قيمتها 9 مليارات دولار». هذا الإنفاق الهائل في ضوء أوضاع اقتصادية متداعية أمر لا يستقيم مع العقل والمنطق والتخطيط الحكيم. هذه الصفقة العملاقة جاءت متزامنة مع طلب البحرين دعما من الدول الخليجية، كما تمت الإشارة. حدث ذلك بعد شهور فقط من إلغاء الدعم للسلع الأساسية ومنها اللحم الذي بلغ سعره أكثر من ضعفين بقرار ملكي. وهناك عائلات لم تذق طعم اللحم منذ أكثر من عام.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/07/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد