آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
جيمس زغبي
عن الكاتب :
أكاديمي أمريكي من أصل لبناني و مؤسس و مدير المعهد العربي الأمريكي. كان يقدم البرنامج الأسبوعي فيوبوينت الذي بثه تلفزيون أبوظبي.

ترامب يُعرِّض الديموقراطية الأميركية للخطر!

 

د. جيمس زغبي

ستكون لقرار المحكمة العليا الذي يؤيد «الحظر» السيئ السمعة الذي فرضته ادارة ترامب على دخول المسلمين للولايات المتحدة، عواقب أبعد بكثير من فرض قيود على منح تأشيرات دخول لمواطني الدول المتأثرة بالقرار.

من أكثر الأمور التي تثير القلق هي مصادقة المحكمة العليا لخطاب الرئيس المناهض للمسلمين والمهاجرين. كانت لغة ترامب التصعيدية ضد المسلمين هي التي دفعت المحاكم الدنيا إلى رفض الحظر في بادئ الأمر. وفي حين ادعت الإدارة أنها لا تضمر أي عداء للمسلمين، أشارت المحاكم إلى أنه خلال حملته الانتخابية، قال ترامب: «أعتقد أن الإسلام يكرهنا.. لا يمكننا السماح لأشخاص يدخلون إلى هذا البلد ممن لديهم كراهية للولايات المتحدة». وأنه دعا إلى «إغلاق كامل وكلي للحدود أمام المسلمين».

وفي محاولة لتفادي الانتقادات وحفظ ماء الوجه، حاولت الإدارة فرض نسخة ثانية وثالثة من الحظر، وأضافت فنزويلا وكوريا الشمالية إلى قائمة الدول المحظورة، وأعادت صياغة هذا الجهد باعتباره «حظر سفر» لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وكانت هذه هي النسخة الثالثة التي أيدتها المحكمة العليا.

في تأييد حظر ترامب، أقرت المحكمة حق الرئيس المطلق في «تعليق دخول الأجانب إلى الولايات المتحدة»، بغض النظر عما إذا كانت نيته التمييز ضد المسلمين أم لا. وانه لمن المخيف التفكير في عواقب تسليم مثل هذه السلطة إلى أي رئيس، لا سيما هذا الرئيس.

وسيكون لهذا القرار تأثير مباشر وضار على مئات الآلاف من المهاجرين حديثاً من السوريين واليمنيين والصوماليين الموريتانيين، إضافة إلى آخرين من البلدان المتضررة. حيث لن يعود بإمكانهم زيارة عائلاتهم. وإذا كانوا لا يزالون يحملون البطاقة الخضراء، فإنهم سيواجهون الآن خطر رفض دخولهم الى البلاد، إذا ما غادروا الولايات المتحدة لزيارة عائلاتهم في الخارج.
إن الحظر وقرار المحكمة العليا المؤيد له، يجعلان من المخاوف على الأمن القومي أمراً مثيراً للسخرية. ففي الوقت الذي ادعى فيه ترامب مراراً وتكراراً أن هذا الإجراء يهدف إلى إبقاء «الناس الخطرين خارج بلادنا»، لا دليل على أن المهاجرين من البلدان المستهدفة قد تورطوا في أعمال إرهابية هنا في الولايات المتحدة. أما بالنسبة إلى ما أعرب عنه الرئيس من قلقه من المخاطر التي يشكلها اللاجئون من هذه الدول، قائلاً «إننا لا نعرف من هم هؤلاء الناس»، يتجاهل ذلك عملية التدقيق الأمني الصارمة التي تتكون من 12 مرحلة المطبقة بالفعل على اللاجئين. في الواقع، نعرف المزيد عن اللاجئين أكثر من أي مجموعة أخرى من المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة.

وأخيراً، فإن قرار المحكمة العليا هذا الذي يأتي في أعقاب السلوك الفظيع لإدارة ترامب في فصل أطفال المهاجرين وطالبي اللجوء عن عائلاتهم ووضعهم في معسكرات اعتقال طويلة الأجل دون اللجوء إلى المراجعة القضائية، لن يؤدي إلا إلى تشجيع البيت الأبيض على ارتكاب المزيد من الانتهاكات للقانون باسم الأمن القومي. وسواء أكان هذا «حظرا إسلاميا» أم «حظر سفر» فهو غير ذي صلة. وهو، في كلتا الحالتين، فعل ظالم وتعسفي مدفوع بالتعصب الأعمى.

لقد غذّى ترامب حملته بالعداء تجاه مجموعات مختارة من الأجانب – من المسلمين والمكسيكيين وغيرهم من «الأشخاص الملونين»، الذين وصفهم بـ«الغزو يهدد ثقافتنا ومجتمعنا». وسلوك ترامب منذ توليه منصبه والأشخاص الذين عينهم في المناصب العليا في إدارته لم يؤدِ إلا إلى تضخيم هذا الموقف الملتهب.

وقد صادقت المحكمة العليا الآن على سلوكه، وبالنظر إلى التعليقات الداعمة لبعض مؤيديه الرئيسيين، لا يسعنا إلا أن نتوقع المزيد من هذا الخطاب الخطير الحافل بالكراهية للأجانب. يمكننا أن نتوقع أن يتم تمكين قاعدته، وزيادة الكراهية، وأن تعيش المجتمعات المستهدفة في خوف ورعب.

قد يكون هذا ما يريده الرئيس، لكن ليست هذه بالتأكيد البلاد التي نريد أن نتركها للأجيال القادمة.

فكرة أخيرة: من الواضح أن خطاب ترامب وأفعاله ذات دوافع سياسية. انه يطلق النار على أنصاره على أمل أن يضمنوا استمرار سيطرة الجمهوريين على الكونغرس. وهو يرى أن فوز الحزب الجمهوري سيحميه من المساءلة ومن احتمال عزله.

وهذا سبب كافٍ للنظر إلى الانتخابات النصفية في نوفمبر 2018 باعتبارها الأكثر أهمية في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. فهي تمثل تحدياً لكلا الطرفين. فالجمهوريون الذين رفضوا ترامب في البداية ورأوا فيه خطراً على حزبهم وعلى البلاد، أصبحوا جبناء في وجه قاعدة ترامب، وقرروا ابتلاع كبريائهم ومبادئهم واللحاق بركب ترامب. لقد حصلوا على ما أرادوه: تخفيضات ضريبية ورفع القيود وقضاة محافظين للمحكمة العليا والتخلص من نظام أوباما للرعاية الصحية. وفي هذه الأثناء، ظلوا «سراً» في حالة رعب من لهجته الملتهبة ومغازلته لـ«جماعات الكراهية»، لكنهم لم يفعلوا شيئًا لتحديه. ونتيجة لذلك، أصبحوا متواطئين في إساءة استخدام ترامب لسلطاته الرئاسية.

لم يعد من الممكن السماح للجمهوريين أن يغضوا الطرف عن أفعال الرئيس التي تؤدي إلى تدهور الثقافة السياسية للولايات المتحدة.. ويجب على الديموقراطيين أيضاً مواجهة هذا التحدي. فلم يعد بوسعهم مواصلة العمل وكأن شيئاً لم يكن، وكأن ما يحدث أمر عادي. الانتخابات النصفية المقبلة تاريخية وبالغة الأهمية، لأن الديموقراطية الأميركية في خطر.

● تنويه:
وجهات النظر والآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء المؤلف، ولا تعكس بالضرورة موقف المعهد العربي ـــ الأميركي؛ فالمعهد منظمة غير ربحية وطنية غير حزبية لا تؤيّد المرشحين.

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2018/07/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد