آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

أحوال بعض العائلات السورية لا يليق بالجزائر


إسماعيل القاسمي الحسني

أن ترى بعض العائلات السورية تتسول في الجزائر، و يستجدي أطفالها عطف المارة، فالنكبة هنا جزائرية و ليست سورية كما يرى البعض سطح المشهد، على مأساوية المنظر، فإن النكبة و المصيبة أخطر و المأساة أعمق؛ ما سُجل للشعب السوري عام 2003 أنه استقبل قرابة مليوني عراقي، و لا أذكر صورة لعائلات عراقية كانت تتسول في شوارع دمشق، لسبب بسيط و هو أن الدولة السورية فتحت أبوابها لهم، و الشعب السوري أشرع بيوته و قاسمهم لقمة عيشه، ذات الموقف عام 2006 مع اللاجئين اللبنانيين، الذين فاق عددهم خلال الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي زهاء نصف مليون مُهجّر؛ و لم تسجل حالات تسول و استجداء و استعطاف؛ تقول الأرقام الرسمية بأن عدد السوريين في الجزائر كلها بطولها و عرضها، بأرضها و سمائها، بعدد سكانها و سعة مبانيها، لا يزيد عن أربعين ألفا؛ هنا الجرح و هنا الألم و هنا مكمن المصيبة؛ ليس عيبا أن يتسول ألف أو حتى عشرة آلاف، إنما العيب كل العيب أن يعجز أربعون مليون عن ستر إخوتهم، هنا الكارثة الإنسانية بكل أبعادها، و هنا الطامة الأخلاقية بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ أيا يكن موقفنا مما يجري في سوريا، فهؤلاء إخوة بل ضيوف و محل الضيف لدى الكريم “السيادة”؛ و موقفي هذا لا يعني أبدا تحرير رجال الدبلوماسية السورية من المسؤولية، بل يتحملون جزءا مهما منها، و لا أعفي كذلك رجال المال و الأعمال السوريين المستثمرين بالجزائر، فهم كذلك يسهمون بغيابهم في رسم هذا المشهد المأساوي……………. من خصائص العنصر السوري أنه يأبى أن يكون عالة على المجتمع، إنه إنسان حي منتج بل و مبدع، و متى تأتت له فرصة العمل قدم ما لا يمكن لغيره أن يجاريه فيه.

اليوم و في محطة البنزين صدمني مشهد فتاة هادئة الوجه، لكن تقاسيمه تشكل بصمت لافت ملحمة مأساة موجعة، حاولت أن تبتسم و هي تتقدم نحوي، لكن جليد الحزن جمد وجنيتيها، عرفت منها و هي ابنة أحد عشرة ربيعا، و أربعة تولّدت بعدها خريفا قاسيا قارسا، أنها من ريف حلب الشهباء. هول ما رأته هذه الصبية من وحشية الجماعات الإرهابية، جعلها ترى نومها على “كرتون” برصيف مهترئ في مدينة داخلية جزائرية، جنة ما بعدها و لا أجمل منها جنّة.

دار محرك خيالي، لأتصور بأن الجزائر داهمها ما داهم سوريا، و رأيت ابنتي مشردة في شوارع مدينة من المدن السورية، و هي تستعطف على استحياء شديد، تلجمه الكرامة و يعقله الآباء و الأنفة، لكن الجوع و البرد يدفعانها مكرهة، نحو رجال دخلوا محطة بنزين ليعبؤوا سياراتهم، منهم من يستعد رحلة ترفيه لعائلته، و منهم من يعتزم السفر لعقد صفقة تجارية تدر عليه مالا، و منهم و منهم و منهم؛ هنا يمكن أن تشعر بعمق الجرح و حرقته، هنا يمكن أن تعرف بعد المأساة الأخلاقية.

لا أرغب في الاستطراد، و إنما أدعو الجزائريين دولة و شعبا، للتذكر بأن السوريين ضيوف لمدة قصيرة من حياة الشعوب، و أقصر بكثير مما نتصور، و مكانة الضيف و محله الإكرام و الاحترام عملا بأصولنا و قيمنا التي طالما عرفنا بها. و لا يليق بنا كجزائريين شعبا و دولة أن يهان سوري أو سورية على أرضنا أو يحتاج لمد يده.

رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/02/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد