آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

تحذيرات بولتون للقِيادة السُّوريّة مِن استخدامِ أسلِحَةٍ كيماويّةٍ في إدلب هَل هِي مُقَدِّمة لتِكرار سِيناريو الغُوطةِ الشَّرقيّة وخان شيخون؟


عبد الباري عطوان

جون بولتون مُستشار، الأمن القَوميّ الأمريكيّ، واحِدٌ من أقوى رِجالات إدارة الرئيس دونالد ترامب، وأكثَرها تَطرُّفًا وعَداءً للعَرب والمُسلمين، أنهَى اليوم زِيارةً لدَولة الاحتلال الإسرائيليّ استمرّت ثلاثة أيّام، كانَت بمثابَة “زيارة حرب”، ركَّزت مُباحثاتُه فيها مع حَليفِه الأوثَق بِنيامين نِتنياهو على الوُجود الإيرانيّ في سورية، والمَعركة التي باتت وَشيكةً في مدينة إدلب، آخِر مَعاقِل المُعارضة المُسلَّحة، وكيفيّة تَشديد العُقوبات الاقتصاديّة لتَثوير الشَّعب الإيرانيّ.

نُقطَتان رئيسيّتان ورَدتا في مُؤتَمره الصِّحافيّ الذي عقده في مدينة القُدس المُحتلَّة في خِتام الزِّيارة، يَستَحِقّان لَفت الأنظار إليهِما، ومُحاوَلة قراءة ما بين سُطورِهِما:
ـ الأولى: تَوجيه تحذير شَديد اللَّهجة إلى القِيادةِ السُّوريّة بأنّ الوِلايات المتحدة ستَرُد “بقُوّةٍ شَديدةٍ” في حالِ استخدام الأسلحةِ الكيماويّة في أيِّ هُجومٍ على إدلب.

ـ الثانية: أنّ أمريكا لا تَسعى إلى تغيير النِّظام في طِهران، بَل تَرغب في تَغييرِ سُلوكِه، لأنّ الاتِّفاق النَّووي سَمَح لهذا النِّظام بتَمويل نشاطاتٍ مُسلَّحةٍ في لبنان والعِراق وسورية واليمن.
***
إذا تأمَّلنا النُّقطةَ الأُولى، المُتعلِّقة بإدلب، فإنّ الانطباع الرئيسيّ الذي يَخرُج بِه أي مُتابِع لحَرب السَّبع سنوات في سورية، أنّ الإدارة الأمريكيّة تُدرِك جيّدًا أنّ هُجوم الجيش العربيّ السوريّ لاستعادَة المدينة باتَ وَشيكًا، وأنّها تُعارِض هذا الهُجوم بقُوّةٍ، ومِن غَير المُستَبعد وجود خُطّة لديها لمُحاوَلة عرقلته أو إفشالِه، والذَّريعة الجاهِزة هي استخدام “النِّظام” لأسلحةٍ كيماويّةٍ على غِرار ما حَدث في دوما (الغُوطة الشرقيّة) وخان شيخون (ريف إدلب).

تقارير استخباريّة روسيّة أكَّدت أنّ الوِلايات المتحدة استخدَمت ما يُسمَّى بـ”الخُوذ البيضاء” لـ”فَبرَكة” هذه الادِّعاءات حول استخدام هَذهِ الأسلحة في المِنطَقتين، وهذا ما يُفَسِّر قِيام وَحَدات خاصَّة من الجيش الإسرائيليّ بإجلاءِ حواليّ 800 من هؤلاء وعائِلاتِهم في عمليّةٍ عسكريّةٍ من جنوب سورية بعد نَجاح الجيش السوري، بغِطاءٍ جويٍّ روسيٍّ في إحكام السَّيطرة على المَناطِق التي كانت تُسيطِر عليها فصائِل المُعارضة المُسلَّحة في دَرعا والقنيطرة ومَعبر “جابر ـ نصيب” على الحُدود الأُردنيّة، وكان من أبرز أهداف هذه العمليّة التي نقلتهم إلى تل أبيب عدم سُقوط أي من عناصر هذه المُنظَّمة (الخوذ البيضاء) في أيدي السُّلطات السوريّة، أو الروسيّة، وتقديم اعترافاتٍ مُوثَّقةٍ حَول أنشِطَتها، ودَورِها في مِضمار الأسلحة الكيماويّة.

وحدات “الخوذ البيضاء” ما زالت موجودةً في مدينة إدلب، ولن يكون مُفاجِئًا إذا ما جَرى استعادة “سيناريو” الأسلحة الكيماويّة مُجدَّدًا، لتَبرير ضربات جويّة أو صاروخيّة على أهدافٍ سُوريّة، على غِرار العُدوان الثُّلاثي الأمريكيّ الفرنسيّ البريطاني في نيسان (إبريل) الماضي كرَدٍّ على مَزاعِم باستخدام أسلحةٍ كيماويّةٍ في الغُوطةِ الشرقيّة.

أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) ظَهر، وبعد غِيابٍ طَويل، قبل بِضعَة أيّامٍ في شَريط فيديو وهو يتفقّد غُرفة العمليّات في ريف اللاذقيّة الشِّمالي، ومُؤكِّدًا أنّ جبهته المُصنَّفة على قائِمة الإرهاب وَضعت خُطَّةً مع فصائِل أُخرى لصَد أيِّ هُجومٍ للجيش السوري على إدلب، مُعتَبِرًا أنّ الاستسلام “خيانة”، وكذلك المُصالحة مع النِّظام أيضًا، مُشَدِّدًا على رفض أي تسليم للأسلحة، وهذا الظُّهور المُفاجِئ للجولاني، وفي هذا التَّوقيت لا يُمكِن أن يكون بمحض الصُّدفة خاصَّةً تزامُنه مع حَديث لأحد جِنرالات حِلف الناتو الذي تحدَّث عن دَعمٍ أمريكيٍّ لتَنظيمِه ولم يَصدُر أي نَفي له حتّى كِتَابَة هَذهِ السُّطور.

المُستشار بولتون جانَب الحقيقة تمامًا عندما أكَّد في مُؤتَمره الصِّحافي في القُدس المُحتلَّة بأنّ حُكومته لا تسعى لتَغيير النِّظام في طِهران، وإنّما تغيير سُلوكِه، ليس لأنّه جاء الى منصبه هذا قبل ثلاثة أشهر بسبب قناعته الراسخة بحتميّة إسقاط النِّظام الإيراني، وإنّما أيضًا لأنّ الهَدف الحقيقيّ لزِيارَته للقُدس المُحتلَّة هو وَضع الترتيبات لتَحقيق هذا الهدف عَمليًّا مع حليفه نتنياهو بِدءًا من إنهاء الوجود العَسكريّ الإيرانيّ في سورية، وتَشديد الحِصار الاقتصاديّ لتَحريض الشَّعب الإيرانيّ على الثَّورة.
***
بولتون يُدرِك جيّدًا، وهو الذي كانَ من أبرز المُنظِّرين للحَرب على العِراق، وإطاحَة النِّظام في بغداد عَبر الغَزو والاحتلال، أنّ الحِصار الخانِق هو الطَّريق الأقصَر للإطاحةِ بالأنظمة، أو إضعافِها على الأقَل، بغض النَّظر عن الأضرارِ الجَسيمة التي يُلحِقها بالمَدنيين الأبرِياء.
ما ينساه بولتون، ومعه كل المُتطرِّفين، وعلى رأسِهم نِتنياهو، أنّ الوضع في سورية وإيران حاليًّا مُختَلفٌ عن الوَضع في العِراق، لأنّ هُناك عُنصرًا روسيًّا حاسِمًا في الحالين، والأولى، أي سورية، على وَجه الخُصوص، كما أنّه لم تَلتزِم أي دولة حتّى الآن بِدَعم العُقوبات الأمريكيّة على إيران، باستثناءِ السيّد حيدر العبادي، رئيس وزراء العِراق، في واحِدةٍ من أشَد المُفارَقات غَرابَةً.

المُستشار بولتون هو نَذير الحُروب، فجَميع زياراتِه إلى مِنطَقة الشرق الأوسط، ومُنذ عام 1990 كانت بهَدف التَّحضيرِ لها، وكانت القُدس المُحتلَّة دائِمًا أحَد مَحطَّاتِها الرئيسيّة الأهَم، وزِيارته الأخيرة ليسَت استثناء.. ولكنّنا على ثِقَةٍ بأنّ النَّتائِج قد تكون مُختَلفةً هَذهِ المَرّة، لأنّ روسيا ستَدعم أيَّ هُجومٍ لاستعادَة الجيش السوري لإدلب، آخِر المَعاقِل الخارِجة عن سيطرته، وإطلاقِها 100 صاروخ على مَواقِع الفَصائِل المُسلَّحة المُصنَّفةِ إرهابيًّا اليوم أحد الأدِلَّة.. والأيّام بَيْنَنَا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/08/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد