آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
نبيل نايلي
عن الكاتب :
باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.

تنظيم داعش.. العصا التي يهشون بها على مصالحهم ولهم فيه المآرب الأخرى!


د. نبيل نايلي

“لا نودّ الانسحاب ببساطة من سوريا قبل أن يعلن الدبلوماسيون نصرهم بالسلام..تربح المعركة عسكريا أولا، ثم تظفر بالسلام ثانيا.”؟ وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس.

منذ تدخّلها العسكري وتشكيلها “تحالفا دوليا”، لا يزال هدف الولايات المتحدة في سوريا هو البقاء وإن اختفى مبرّر “حربهم المستدامة” على الإرهاب! لقد أوضح البنتاغون أنه يريد البقاء في البلاد حتى بعد اختفاء تنظيم “الدولة الإسلامية”. ثم غرّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه ”قرّر وقف مُساعداته التي كان يُقدّمها لحُلفائه في شمال شرق سورية، أو المناطق التي استعادها هؤلاء من تنظيم”الدولة الإسلاميّة“ –داعش-“. مساعدات بلغت قيمتها 230 ميلون دولار سَنويًّا، وتوجّه بتعليماتِه إلى كُلٍّ من “المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات بتَعويضِ مُعظَم هذا المَبلغ فَورًا”! بما يعنيه أنّه على المملكة العربيّة السعوديّة -بناء على توجيهاته وأوامره- دفع 100 مليون دولار، وعلى الإمارات سداد مبلغ 50 مليونا، وستُخصّص هذه الأموال “لإعمار المناطق السوريّة في شرق الفرات ومُقايضة “بين خُروج القُوّات الأمريكيّة وحُلفائِها من شمال شرق سوريا، مُقابِل خُروج القُوّات الإيرانيّة وأذرعها المُسلَّحة، تَطبيقًا وإذعانا للإملاءات الإسرائيليّة”.

لقد بات التنظيم يُستخدم كخدعة ودعاية صغيرة لإيجاد مبرّر ومسوّغ لاحتلال مقنّع مستمرّ. فتقرير فريق مراقبة عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول تنظيم داعش، تضمّن في الأجزاء التي نوقشت عددًا من البنود التي تفوح منها رائحة الهراء والتلاعب!

وتقدّر بعض “الدول الأعضاء” أن مجموع أعضاء تنظيم داعش في العراق والجمهورية العربية السورية يتراوح بين000 20 و000 30 فرد، موزّعة بالتساوي بين البلدين تقريبا. والعهدة على حاشية المصدر التي تفيد أن المعلومة مستقاة من “دول أعضاء”!

إنّ العدد المرتفع الذي تدفع به هذه “الدولة العضو” يتجاوز بكثير التقييمات السابقة. فقد سبق وقدرت القوة الأصلية لتنظيم داعش بأنه مؤلّف من بضعة آلاف، ثم تضخّم مع احتلاله المزيد من الأراضي لتضم قواته محلّيين ومقاتلين أجانب وصلوا حديثًا. في سبتمبر 2014، اقترب التنظيم من ذروته، قدّرت وكالة الاستخبارات المركزية ما مجموعه 31000 من المقاتلين في سوريا والعراق. بعدها انكمش الرقم، حين فقدت عشرة آلاف من مقاتليها جراء القنابل الروسية والسورية والعراقية والأمريكية وغيرها من الوسائل العسكرية. وفي عام 2017 ، قال القائد العام للقوات الخاصة الأمريكية إن ما بين 60 إلى 70 ألف من مقاتلي داعش قد قُتلوا!!

إنّ الأرقام الواردة في تقرير الأمم المتحدة لمراقبة العقوبات ليس لها أي معنى منطقي. كما تتناقض مع التقديرات السابقة التي وضعت عدد مقاتلي تنظيم داعش منخفضة بالآلاف. في ديسمبر 2017 ، زعم الرئيس ترامب أنه لم يبق سوى “1000” أو نحو “ذلك” من المقاتلين في العراق وسوريا. وفي المؤتمر الصحافي للبنتاغون في الخامس من جوان سُئل المتحدّث عن عدد مقاتلي داعش الذين غادروا إلى سوريا، فأجاب: “في ما يخصّ الأرقام. هناك بعض الأرقام التي تمّ تداولها على مدى الأشهر القليلة الماضية. لقد سمعت المتحدّثة السابقة تتكلّم عن أعداد تتراوح بين 1000 و3000. لقد سمعت الكثير من الـ”خبراء” يقولون شيئًا كهذا. ليس لدي ما أضيفه إلى ذلك. ما سأقوله أن واحدا من مقاتلي داعش رقم كبير جدا. نحن نتابع هزيمتهم.”

هناك بالطبع سبب وجيه يجعل “بعض الدول الأعضاء” تعطي فريق الأمم المتحدة للمراقبين أرقاماً هائلاً للغاية!

فالولايات المتحدة تبرّر احتلالها لشمال شرق سوريا من خلال ادّعاء محاربة تنظيم داعش تحت الغطاء القانوني لقراري مجلس الأمن الدولي. الآن وبينما انكمش التنظيم في سوريا واقتصر على بضع المئات من المقاتلين، أضحى ذلك التبرير ضعيفاً. ومن المهم للغاية أن يقدّم البنتاغون عددا كبيرا ، لأنّ تنظيم داعش هو المسوّغ القانوني الوحيد للبقاء في سوريا. ومن غير المضمون أن يوافق هذا الكونغرس على احتلال طويل لسوريا إذا قُرّر اختفاء تنظيم داعش.

ولتسويق فكرة العدد الكبير، استخدم البنتاغون خدعة دعاية قديمة، وهى عبارة عن استعمال وتوظيف النّقل عن “مصادر متعدّدة” وإن كانت مزيّفة.

وقد استخدمت هذه الحيلة على نطاق واسع في الفترة التي سبقت الحرب على العراق. حيث تولّى سكوتر ليبي، Scooter Libby، رئيس موظفي نائب الرئيس ديك تشيني استدعاء صحفيين ليبثّهم خبرا سرّيا عن العراق. وتذكر جوديث ميلر، Judith Miller، صحيفة النيويورك تايمز،  كيف أخبرتهم بتقرير “سرّي للغاية” مفاده أنّ العراق “اشترى أنابيب ألومنيوم لبناء أجهزة طرد مركزي لليورانيوم”. لكن صحيفة النيويورك تايمز طبعت هذا الهراء “النووي” ونشرته في صفحتها الأولى. ثم وبعد بضع ساعات، ظهر ديك تشيني وغيره من أعضاء إدارة بوش في البرامج الحوارية التي عُقدت صباح يوم الأحد وأكدوا القصة التي زرعوها هم بأنفسهم.

نحن نرى الآن نفس المخطط. “حقيقة” مشكوك في صحتها، آتية من مصدر واحد، يوصف بأنه “متعدّد المصادر”. وصحافي آخر من نفس طينة ميلر. هذه المرة هي ليز سلي،Liz Sly، من صحيفة الواشنطن بوست ، تُستخدم لنشر الأخبار المزوّرة.

ربما لا يزال لدى تنظيم داعش ما يزيد عن 30.000 مقاتل في سوريا والعراق إذ يبدو أنه انتعش من انتكاساته. ووفقاً لتقريرين جديدين يشكّكان في ما إذا كان المسلّحون أقرب إلى الهزيمة كما أكّد الجيش الأمريكي.

من المحتمل جداً أن يكون مصدر هذه الأرقام وكالة الاستخبارات أو الدفاع ، أو شخص آخر في نقلها عن جيم ماتيس. فمن المعروف أن هذا الأخير يريد من الولايات المتحدة البقاء في سوريا لأطول فترة ممكنة.

أليس هو القائل: “لا نودّ الانسحاب ببساطة من سوريا قبل أن يعلن الدبلوماسيون فوزهم بالسلام..تربح المعركة عسكريا أولا، ثم تظفر بالسلام ثانيا.”؟

صحيفة الواشنطن بوست هي من تقوم الآن بتسويق هذه الأرقام التي تتناقض مع كلّ الأرقام التي قدّمها البنتاغون في السابق ، والمتأتية من “تقريرين جديدين” ، فحين أنه من الواضح جداً أنّ مصدرهما واحد.

في الوقت ذاته، تقوم الولايات المتحدة بتوسيع حضورها العسكري وبناها التحتية في سوريا على الرغم من تقلّص وانكماش تنظيم داعش الذي يتباكون على مقاتليه. كما شهدت الساعات الأخيرة دخول أكثر من 250 شاحنة تحمل أسلحة ومعدات ومركبات مدرّعة وآلات إلى مناطق تسيطر عليها القوات الديمقراطية السورية، حيث جاءت هذه الشحنات من الحدود السورية العراقية وتوجّهت إلى القواعد العسكرية الأمريكية. ويأتي دخول مزيد من شحنات الأسلحة بعد دخول كميات كبيرة من الشحنات المماثلة إلى المناطق نفسها خلال الأيام والأسابيع الماضية، بالإضافة إلى توسيع القواعد العسكرية للتحالف في المنطقة.

لن يستغرق الأمر كثيرا حتى يثبت أنّ هذه الأرقام الجديدة المزيفًة ليست إلاّ مبررا لهذه التحركات.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/08/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد