آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

من اتخذ قرار الحرب على اليمن؟


د. سعيد الشهابي

في العامين الأخيرين تصاعدت الدعوات من أطراف دولية وإقليمية عديدة لوقف الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. جاء ذلك بعد عام ونصف من القصف المتواصل الذي دمر ذلك البلد العربي المسلم العريق، ولم يقتصر على استهداف المناطق العسكرية.

وتؤكد التقارير أن أكثر من عشرين ألفا من المدنيين قد لقوا حتفهم من بينهم أكثر من 5000 طفل. وتضيف تقارير منظمات الإغاثة الدولية ومن بينها «يونيسيف» و «أطباء بلا حدود» أن طفلا واحدا يموت كل عشر دقائق. وشمل القصف المدارس والطرق العامة والأسواق والمستشفيات وصالات الزواج. وقالت ميرتسيل ريلانو مندوبة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في اليمن «الصراع حوّل اليمن إلى جحيم مقيم لأطفال». وقالت إن أكثر من 11 مليون طفل أو ما يمثل نحو 80 بالمائة من سكان البلاد تحت سن الثامنة عشرة يواجهون خطر نقص الغذاء والإصابة بالأمراض والتشرد والنقص الحاد في الخدمات الاجتماعية الأساسية.

الدعوات التي أطلقت لوقف الحرب وجهت للسعودية بشكل أساس، ومعها الإمارات. وكان أمرا مثيرا للاستغراب عدم استجابة حكومتي البلدين لتلك الدعوات برغم قوتها وبرغم الشجب المتواصل لأعمال القصف، فهل أنهما تمتلكان حصانة دولية بهذا المستوى؟ أم أن قرار شن الحرب والاستمرار فيها أو وقفها ليس بأيدي حكامهما؟ كان لافتا للنظر أيضا أنه حتى عندما تعرضت السعودية لشجب من الأمم المتحدة التي إضافتها للقائمة السوداء في تقريرها السنوي للعام 2015 عن الأطفال والصراع المسلح، واجه الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، ضغوطا لم يفصح عنها، وتم حذف السعودية من القائمة المذكورة. فما الذي يحدث؟ وهل حقا أن الحرب قرار سعودي ـ إماراتي؟ أم أنها حرب بالوكالة؟ ثم من الذي يخوض حربا بالوكالة؟ التحالف الذي تقوده السعودية (نيابة عن أمريكا وإسرائيل) أم الشعب اليمني بقيادة أنصار الله (نيابة عن إيران)؟

في الشهر الماضي استهدفت قوات التحالف الذي «تقوده» السعودية باصا ينقل أطفالا عند سوق شعبية بمحافظة صعدة وقتلت أكثر من 60 شخصا نصفهم من الأطفال. وقد حدثت ضجة عالمية وصدرت استنكارات من جهات شتى ضد القصف الذي يستهدف المدنيين بشكل مباشر منذ سنوات والذي اعتبره الكثيرون «جرائم حرب». كما صدرت دعوات صاخبة لوقف الحرب. ولكن لوحظ هذه المرة أن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا تصدرتا المشهد وقامتا بعدة خطوات. أولا: إنهما حاولتا إسكات الدعوات المطالبة بوقف الحرب، ولم يصدر عن أي من مسؤولي الدولتين دعوة لوقف العدوان. ثانيا: أنهما منعتا بشكل متواصل تشكيل لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في الحرب المتواصلة، وأصرتا على أن يتم التحقيق تحت إشراف الدول المتورطة في الحرب مباشرة. ثالثا: أن واشنطن تصدرت المشهد ووفرت ذريعة لعدم اتخاذ أي إجراء دولي حقيقي ضد السعودية والإمارات بادعائها أن المعتدين يسعون لتفادي استهداف المدنيين. وفي يوم الخميس الماضي قالت الخارجية الأمريكية أن ذلك التحالف «يتخذ خطوات لتقليص الخسائر في صفوف المدنيين». جاء ذلك التصريح لدعم شهادة في الكونغرس من وزير الخارجية مايك بومبيو سعى فيها للحيلولة دون فرض قيود على المساعدات الأمريكية للمملكة. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت في إفادة صحافية: «من وجهة نظر الحكومة الأمريكية وهذه الإدارة فإنهم يتخذون خطوات في الاتجاه الصحيح». رابعا: أن كلا من واشنطن ولندن رفضتا وقف تزويد السعودية بالسلاح الذي يستخدم في الحرب على اليمن، وتقول الأرقام المتوفرة أنه منذ بدء الحرب فأن أمريكا زودت السعودية بأسلحة هجومية تجاوزت قيمتها 60 مليار دولار، فيما بلغت الصادرات البريطانية للسعودية أكثر من عشرة مليارات دولار منذ بدء الحرب. خامسا: أن كلا من واشنطن ولندن لم تقفا مكتوفتي اليد أمام دول الاتحاد الأوروبي التي يسعى بعضها لفرض حظر على تزويد السعودية بالسلاح. فقد ضغطتا تحت الستار على السويد لإجبارها على سحب التصريحات التي أدلت بها وزيرة خارجيتها حول أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، وفعلتا كذلك مؤخرا مع اسبانيا التي أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستوقف شحنة عسكرية للسعودية تشمل 400 قنبلة موجهة. وفي غضون 48 ساعة أعلنت مدريد تراجعها عن ذلك القرار. وتتعرض دول مثل كندا وبلجيكا وألمانيا وفنلندا لضغوط أنكلو ـ أمريكية واسعة للتراجع عن قرارات فرض حظر عسكري على السعودية.

ماذا يعني ذلك؟ هل الحرب كانت قرارا سعوديا ـ إماراتيا أم أنه أنكلو ـ أمريكي ـ إسرائيلي؟ منذ بداية الحرب لم تخف واشنطن أو لندن دورهما في تلك الحرب. بل أن وزير الدولة البريطاني لشؤون الدفاع، اللورد هاو قال أمام البرلمان في تموز/يوليو 2015 أن بلده تدعم السعودية في حربها على اليمن في مجالات ثلاثة: تزويدها بالصواريخ والقنابل الموجهة، والمعلومات الاستخبارية حول اليمن وخبراء بريطانيين يعملون بمراكز القيادة والتحكم في الرياض. كما أن واشنطن أرسلت قوات خاصة إلى الحدود السعودية لمساعدة الجيش السعودي في استهداف الصواريخ البالستية التي تطلقها القوات اليمنية على الأراضي السعودية. وفي وقت سابق من هذا العام، نشر فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة تقريرا يقدم دليلا على أن أنظمة بيفواي المصنعة في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة قد استخدمت في تسع ضربات جوية؛ وأسفرت عن مقتل 84 مدنياً (مع إصابة 77)، 33 منهم في حادثة واحدة، عندما ضربت قنبلة شديدة الانفجار، بمساعدة نظام توجيه بيفواي، أحد الفنادق في أرحب في 23 آب/أغسطس 2017. وهذا بالتأكيد ليس إلا جزءاً ضئيلاً مما وقع.
في ضوء الحقائق المذكورة يتضح أن الحرب على اليمن لم تكن قرارا سعوديا خاصا، بل أنه قرار أنكلو ـ أمريكي ـ إسرائيلي مدروس يهدف لتحقيق أمور عديدة: أولها ما يقال عن التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة، ومنع وصول ذلك النفوذ إلى باب المندب الحيوي. ثانيها: إبقاء أسباب الخلاف والاختلاف السياسي والايديولوجي والديني مشتعلا في الشرق الأوسط لمنع التوجه نحو توافق عربي ـ إسلامي شامل. ثالثها: الاستحواذ على الأموال النفطية التي كدستها السعودية والإمارات في السنوات العشر السابقة، تحت عناوين الدعم العسكري وصفقات السلاح، رابعها: إبقاء حالة الاستقطاب السياسي والفكري في الشرق الأوسط وتعميق التصدعات في جسد الأمة لمنع حدوث تقارب سياسي أو أمني أو عسكري إقليمي يظهر قوة الوحدة في مقابل الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الغربية. خامسها: حماية خطوط الملاحة في البحر العربي والبحر الأحمر لضمان أمن «إسرائيل» سياسيا واقتصاديا. سادسها: منع تبلور أوضاع سياسية وأمنية هادئة تدفع الشعوب للنهضة والاستقلال وتقرير المصير، خصوصا بعد تجربة الربيع العربي التي كادت تعصف بالأنظمة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/09/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد