آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

«السياسة التوسعية» للنظام الإيراني


د. سعيد الشهابي

من الانتقادات التي يوجهها الغربيون وبعض الحكام العرب للجمهورية الإسلامية ما يتصل بعدد من الأمور: أولا: السعي لنشر ايديولوجيتها في البلدان الأخرى (كان سابقا يسمى تصدير الثورة)، الثاني: رغبتها في التوسع الجغرافي، الثالث: سعيها لتوسيع نفوذها السياسي في الشرق الأوسط. وتحت هذه العناوين يتواصل استهداف النظام الإسلامي السياسي في إيران، ذلك الاستهداف الذي بدأ منذ الأيام الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني التي أسقطت نظام الشاه قبل حوالي 40 عاما.

ويشار إلى دور إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين بشكل خاص. فما مدى صحة هذه الدعاوى؟ كما يتحدث آخرون عن سعيها لـ «نشر التشيع»، وكان ذلك إحدى وسائل انتشار الطائفية ودق أسفين بين إيران وحلفائها من الحركات الإسلامية المعتدلة.

أن من السذاجة بمكان إنكار هذه الادعاءات، خصوصا مع وجود أغلبها في الواقع. فلا أحد يستطيع إنكار وجود نزعة إيرانية لتوسيع النفوذ السياسي أو الايديولوجي أو امتلاك ذراع عسكرية دفاعية متطورة، أو السعي لكسب حكومات ومجموعات سياسية صديقة أو حليفة في العديد من البلدان. ولكن ثمة تساؤلات يجدر طرحها لتوضيح طبيعة هذا السجال:

أولها: ما الذي يتوقعه العالم من بلد محاط بست دول قوية بالإضافة للدول العربية على الضفة الغربية من الخليج؟ اغلب هذه الدول يخضع بشكل أو آخر لنفوذ دول أخرى خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تخف يوما عداءها لإيران ونظامها الإسلامي؟

ثانيها: كيف تتصرف إيران التي كانت على مدى أربعين عاما تواجه بسياسات إقليمية ودولية معادية لا تخفي رغبتها في إسقاط نظامها الإسلامي؟
 
ثالثها: هل إيران البلد الإقليمي الوحيد الذي لديه طموحات توسعية؟ ليس المجال هنا للدفاع عن النظام الإيراني الذي لا تخلو سياساته الخارجية أو الداخلية من هفوات وفشل. وما حدث قبل يومين من استهداف إرهابي خطير أودى بحياة العشرات خلال استعراض عسكري بمدينة الأهواز كان فشلا أمنيا كبيرا. ولكن من الضرورة بمكان تسليط الضوء على سياسات الدول الإقليمية الأخرى القريبة من إيران، ومقارنة سياساتها التوسعية وإنفاقها العسكري.

الحقيقة الأولى أن إيران تتمتع بعلاقات معقولة مع كافة جيرانها في ما عدا السعودية والبحرين. وقد كشفت القمة الثلاثية التي عقدت في طهران في التاسع من هذا الشهر بحضور الرئيسين الروسي والتركي قفزة دبلوماسية نوعية. فخلال العامين الأخيرين تحسنت علاقاتها مع البلدان المذكورين، خصوصا تركيا التي يواجه نظامها السياسي (نظرا لطبيعته السياسية وهويته الإسلامية) تحديات خارجية ومؤامرات انقلابية كادت قبل عامين تطيح به. كما أن علاقاتها مع باكستان تطورت خصوصا بعد فوز عمران خان برئاسة الحكومة.

هذه العلاقات تعتبر توسعا للنفوذ الإيراني الإقليمي، وهو أمر لا يحسب ضد إيران إلا في نظر القوى المعادية لها. كما أن علاقاته مع العراق وأفغانستان هي الأخرى تتطور برغم الوجود الأمريكي العسكري في كلا البلدين. فهناك صراع سري وعلني، جديد قديم، على النفوذ بين طهران وواشنطن. هذه العلاقات ليست ذات طبيعة مذهبية كما يروج البعض، بل يتمازج فيها أبعاد ثلاثة: سياسية ودينية ومذهبية. فطهران تسعى لتبريد التوترات على حدودها لمنع أي تهديد إرهابي ينفذ إلى داخلها من هذه الحدود، وتسعى لتحسين العلاقة مع المكونات السياسية والدينية في أفغانستان والعراق. وليس سرا القول أنها دعمت مجموعات «المجاهدين» في الثمانينيات لمواجهة التدخل السوفياتي العسكري في أفغانستان، وأغلبها مجموعات ذات انتماء مذهبي مختلف. وقد اغتيل الرئيس السابق برهان الدين رباني في أيلول/سبتمبر 2011 بعد عودته من مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي عقد في طهران.

إيران تسعى لتوسيع نفوذها الإقليمي، ولكن من الصعب على أحد أثبات رغبتها في التوسع الجغرافي. وفي ما عدا سيطرتها (ضمن صفقة بين حكومة الشاه وبريطانيا والسعودية) على الجزر الثلاث التي تطالب بها الإمارات، فليس هناك صراع حدودي مقلق مع الدول الأخرى. بل أن ترسيم حدودها المائية مع الكويت ينتظر الترسيم الرسمي للحدود بين السعودية والكويت، فيما تتلكأ الرياض في ذلك. ولا بد من إلقاء نظرة على السياسات التوسعية لدول إقليمية أخرى أقل حجما وقوة من إيران. فالسعودية لديها رغبة في التوسع يفوق كثيرا ما لدى إيران. وقد جاء اعتقال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، لدى زيارته السعودية ليؤكد نمط تعامل السعودية مع من يتحالف معها، فهي علاقة السيد مع العبد. وتكفي مقارنة هذا الحدث مع تصريح السياسي العراقي محمود المشهداني ليتضح الفرق بين التحالف المؤسس على العقيدة والايديولوجيا، والتحالف المصلحي القائم على المال فحسب، ليظهر نمط العلاقة التي تقيمها الرياض مع «حلفائها».

هذا التعامل مع الحلفاء من بين أهم أسباب تصدع مجلس التعاون الخليجي، فالسعودية تريد أتباعا. وفي 1992 احتلت السعودية مركز «الخفوس» التابع لدولة عضو بمجلس التعاون الخليجي، ثم عمدت لاحتلال شريط على الحدود الإماراتية ـ القطرية لتصل إلى مياه الخليج شرقي شبه الجزيرة القطرية، فأصبحت قطر مفصولة عن الإمارات. ولدى السعودية الآن خطة لشق قناة تفصل قطر عن الجزيرة العربية.

وتؤكد الحرب اليمنية أن للسعودية سياسة توسعية هائلة، فهي تسعى لقضم اليمن إذا استطاعت، ولكن في الحد الأدنى تسعى للسيطرة على شريط يمتد عبر محافظة المهرة إلى البحر العربي لتحقق بذلك حلمها بامتلاك منفذ هناك. كما سيطرت قبل أكثر من عام على جزيرتي صنافير وتيران عند مدخل خليج العقبة المصري، برغم الاحتجاجات الشعبية ضد ذلك. أما الإمارات فنفوذها التوسعي يفوق إضعافا ما لدى إيران. فهي تحتل جزءا واسعا من اليمن وتسيطر على ميناء عدن، وتسعى لاحتلال ميناء الحديدة. بل أصبحت هي التي تدرب جيوشا يمنية خاصة بها، الأمر الذي دفع قطاعا واسعا من اليمنيين للمطالبة بخروج الإماراتيين من أراضيهم، وذلك في مظاهرات بمناطق عديدة منها عدن والمهرة. كما بسطت نفوذها على جزيرة سوقطرة اليمنية وموانئ عديدة عند باب المندب مثل مصوع وأسمرة وبربرة وجيبوتي.

وهناك خشية كبرى من عدوان تفتعله الإمارات (بعد رحيل السلطان قابوس) لاحتلال شبه جزيرة مسندم العمانية عند مضيق هرمز لكي تكتمل سيطرتها على أهم ممرين مائيين للنفط الخليجي، وتتأمن بذلك مصالح «إسرائيل». وهناك تهديد إماراتي مستمر لدولة قطر وافتعال متواصل للازمات لتبرير ذلك أو تهيئة الوضع لعدوان مستقبلي، لا سمح الله.

أما الإنفاق العسكري فله قصة أخرى لا تقل إثارة. ففي العام 2016 بلغ الإنفاق العسكري السعودي 64 مليار دولار، والإماراتي 23 مليارا. أما الإنفاق العسكري الإيراني فلم يتجاوز 12 مليار دولار.

لا شك أن لدى إيران رغبة في النفوذ والتوسع، ولكن الوقائع تؤكد أن دولا تصغرها كثيرا تفوقها في هذا المجال أضعافا، سواء بشن الحروب على الدول الأخرى، أم دعم المجموعات الإرهابية، أم نشر الفكر المتطرف أم السيطرة على الموانئ والجزر التابعة لدول الغير. ولا تقل أمريكا و«إسرائيل» توسعا في النفوذ وتدخلا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وشن العدوان وأحداث الاضطراب ومنع الاستقرار.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/09/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد