آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
منى صفوان
عن الكاتب :
باحثة وكاتبة يمنية

اليمن: سياسة التجويع إستراتيجية عسكرية للتحالف.. وعلاقتها بتهجير السكان.. والإحلال الديموغرافي


منى صفوان

منذ أكثر من أربعة  أعوام انتهج  التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية  في حربه على اليمن،  سياسة الأرض المحروقة، من خلال ضرب معامل ومصانع الأغذية، وحتى مزارع الدواجن، وتم  تدمير الطرق الرئيسية بين المدن إلى جانب استهداف قاطرات الأغذية ، وقوارب الصيادين،  وترافق ذلك مع فرض حصار بري – جوي وبحري خانق حال دون وصول المساعدات الغذائية  الشحيحة ، والتي لاتلبي الحاجة الحقيقة على الأرض.

ساهم كل هذا بزيادة نسب الفقر الغذائي، وزيادة تهديد  انتشار  المجاعة  في واحدة من  أفقر محافظات اليمن، وهي التي تقع في سهل تهامة غربا، وخاصة في محافظتي حجة والحديدة، حيث تدور هناك منذ  أكثر من 3 سنوات معركة محاولة الاستيلاء على الساحل الغربي وميناء الحديدة الشريان الوحيد للحياة وتدفق البضائع.

محافظة الحديدة عرفت بأنها أفقر محافظات الجمهورية، وكان السكان هناك يعتمدون بدرجة رئيسية على الزراعة والصيد. وبالتالي فأن قطع الطرق وعدم توفر المشتقات النفطية يقلل من إمكانية استمرار هذه المهن  حيث يصعب استخراج الماء من الآبار، وصعوبة التنقل.

تفاقم الوضع،  وزاد سوء مع استمرار الحرب، وصارت مناطق بأكملها مناطق منكوبة ، وهي مناطق مكتظة  بالسكان، حيث لايستطيع غالب السكان هناك النزوح إلى مناطق أخرى أكثر أمانا وإيجاد فرص عمل أخرى بسبب سوء الوضع المادي للأسر من ناحية ، ومن ناحية أخرى لعدم قدرة منظمات الإغاثة الوصول لهم .

سلفيي دماج إلى الحديدة

تبدو سياسة التجويع  لهذه المناطق ممنهجة  ومدروسة  بهدف تهجير سكان هذه المناطق وإفراغها، وتحويلها إلى مناطق استيلاء جديدة لسكان جدد موالين للتحالف، كمحاولة إحلال  سلفيي دماج من طلاب المعاهد السلفية  و”كثير منهم من جنسيات غير يمنية”  لتكون  الحديدة وجهتم ، حيث  تم إخراجهم من صعده على مراحل من العام 2011 – 2014  بعد حصار الحوثيين لهم،  وكانت الحديدة في البداية هي الحاضن البديل لهم، غير أن الخطة تحولت إلى مناطق أخرى في  جنوب شرق اليمن .

ففي ذلك الوقت قام الحوثيون  بطرد سلفي دماج من شمال اليمن في صعده، بعد حصار أسفر عن اتفاق على أن تكون “الحديدة” غرب اليمن هي وجهتهم البديلة، ونقل أكثر من  12 ألف سلفي  إلى الحديدة في 2014  بعد موافقة زعيم السلفيين على ذلك،  ولكن بقى الغموض يلف عملية التهجير والانتقال إلى الحديدة، في وقت أشارت فيه تقارير إعلامية على أن قرار الترحيل جاء برغبة أمريكية  ومباركة سعودية

  لكن  الوضع على الأرض بعد ذلك  أكد سيطرة  الحوثيين العسكرية 2014 على محافظة الحديدة  ، وبقيت الحديدة والمناطق الغربية تحت سيطرة الحوثيين، ولم يتمكن التحالف العربي من اقتحامها.

الأرقام المفجعة

وهنا تتفاقم  قضية  “إفقار”  المنطقة،  وتبدو هي الوضع الإنساني الأكثر إلحاحا في اليمن والسبب الأهم لايقاف الحرب ، وبرغم الأرقام المفزعة  عن حالة السكان حيث يهدد أكثر من 80%  من اليمنيين بمن فيهم  أكثر من  5 مليون طفل يمني  في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان

وقضية الفقر الغذائي  في اليمن قديمة ، وبدأت قبل الحرب الأخيرة 2015 وكانت غير مبررة حيث أن منطقة سهل تهامة على وجه التحديد تعتبر من أغنى المناطق الزراعية،  وأكثرها خصوبة،  ولم يكن هناك سبب واضح لتفشي الفقر والمجاعة  فيها،  والتي تفاقمت وزادت حدتها مع اندلاع الحرب هناك ويساهم في تفاقم المجاعة ارتفاع أسعار المواد الغذائية 70% منذ العام 2015  إلى جانب انهيار العملة المحلية.

في هذه الإثناء تضخ الآلة الحربية الدعائية للتحالف خطابا يحمل الحوثيين وحدهم مسؤولية الوضع الإنساني هناك، غير أن تقارير المنظمات  الإنسانية تتحدث عن عرقلة وصول المساعدات، بل وجعل تلك البيئة  بيئة  طاردة للمنظمات الإنسانية، وتقلل من فرص الإغاثة والإجلاء والإيواء.

وتكررت حملات إنسانية على مدار السنوات الأربع الأخيرة لإنقاذ سكان تلك المناطق وأعلنت الأمم المتحدة عن خطط عاجلة للإنقاذ ما لبثت أن أعلنت بعدها فشلها وعدم قدرتها على إنقاذ الوضع.

ممرات التهجير الإنساني

وفي ظل هذه الأزمة الإنسانية الفادحة يعلن التحالف عن فتح “ممرات إنسانية” لخروج الأهلي من هذه المناطق، ليتم إخلاء المنطقة، في وقت يترافق مع بث الدعاية عن اقتحام بري محتمل،  يواكب ذلك قصف جوي يستهدف المنشات المدنية، ووقوع مجازر وفظائع بحق المدنيين، في  المدن الساحلية ، والمبان والمنشات المدنية ، ومنها بيوت المواطنين والمزارعين،  إضافة إلى استهداف الصيادين في تلك المناطق الساحلية ، باعتقالهم وتعذيبهم،  وقتلهم.

فقد تم توثيق عدد من جرائم الحرب باستهداف المدنيين في تلك المناطق، من بيوت وتجمعات سكانية ، إضافة إلى استمرار قصف معامل الأغذية ومنها مطاحن البحر الأحمر الوحيدة  في المنطقة ، والتي كانت تسهم في إنتاج الطحين كمكون غذائي أساسي.

ويقوم التحالف بتوزيع مساعدات غذائية شحيحة يعلن عنها من حين إلى أخر في مناطق متفرقة ، ليبقى الأهالي معتمدين على السلل الغذائية،  من مراكز ومنظمات الإغاثة، في حين أن احتياجهم لعودة نشاطهم الزراعي والبحري ، وعدم استهدافهم هو الأولى .

ويساهم قطع المشتقات النفطية  في عرقلة وصول هذه المساعدات إلى واحدة من أكثر المناطق النائية في اليمن، حيث مازلت هذه المنطقة   قاعدة عسكرية مهمة  للحوثيين، تماما  كما هي للتحالف السعودي – الإماراتي .

 وتبقى واحدة من أهم  الخطط المستقبلية  للسيطرة على هذه المنطقة الاستراتجية من قبل التحالف السعودي  ،هي تغير التركيبة السكانية هناك. نظرا لأهمية  موقع الحديدة ومينائها  في خط التجارة والملاحة الدولية. وإشرافها على باب المندب.

إفشال الإغاثة

فشل جهود الإغاثة أو إفشال جهود الإغاثة دفع بالكثير من السكان إلى الهجرة والنزوح الداخلي إلى مناطق بعيدة في الشمال كصنعاء وتعز ، والى الجنوب “المهرة- حضرموت- البيضاء” وهي  هجرات تعتمد على القدرة المادية للنازحين ، في حين يضطر الفقراء لمواجهة مصيرهم.

اليمن جغرافيا هو بلد مفتوح على البحر 2500 كيلو متر  هو طول شريطه  الساحلي  لكن هذا الشريط الساحلي تم الاستيلاء عليه من قبل الإمارات والسعودية ، حيث أن 80% من الموانئ اليمنية  من ميناء نشطون في المهرة  في أقصى الشرق،  إلى ميناء  المخأ  في أقصى الغرب  تقع تحت سيطرة الإمارات العربية.

إلى جانب غلق منافذها البرية .. والمطارات الدولية ، ليبدو أن اليمن  أصبحت مغلقة  بالكامل ومحتجزة  بيد التحالف ، وليس بيد القوات الحكومية اليمنية، وهو أمر يخالف أولا الأهداف المعلنة  للحرب من قبل  التحالف،  كما أنه يعد جريمة حرب، وضد القانون الدولي.

تقارير الأمم المتحدة التي تتحدث عن  الحصار كعامل مباشر في تفاقم المأساة اليمنية ، لم تفلح بفتح هذا الحصار أو التخفيف منه،  أرقام مخيفة من نسب الفقر والجوع ونقص التغذية  تشمل عموم سكان اليمن وتتركز في أكثر المناطق اشتعالا بالمعارك لاسيما الحديدة

عدد الأطفال الذين يموتون  كل يوم يتضاعف منذ التقرير الأشهر “طفل يموت كل 10 دقائق” في حين أن  شريان الحياة  الوحيد في الحديدة  والذي تدخل اله 80% من المواد الغذائية والدوائية ، والمساعدات يقع تحت تهديد الإغلاق بسبب قرب واشتعال المعارك منذ 3 سنوات.

وهنا يفهم تحذير المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة من مغبة  استمرار معركة الحديدة، وحجم المأساة التي ستخلفها في حال استمرار الحرب على ميناء الحديدة، وهو ما يجعل  الدول الكبرى على رأسها روسيا والاتحاد الأوروبي تدعم ذهاب ملف الحديدة للتفاوض السياسي.
مأساة القرن

 الضمير العالمي مدان اليوم أمام مأساة بهذا الحجم، أمام سياسية  التجويع والتهجير والقتل الصامت، مأساة أكدت الأمم المتحدة أنها أعظم وأكبر من مأساة الحرب العالمية الثانية.
حيث حاصرت النازية المدن الروسية وقتلت مئات الآلاف جوعا وقصف المدن الأوربية ، ما يحدث في اليمن الآن لايقل فضاعة وهمجية.

الأرض المحروقة

سياسة الأرض المحروقة واحدة من السياسيات الممنهجة المتعبة في الحروب ، واستخدمت في الحرب العالمية الثانية، حيث  حوصرت المدن الكبرى وتم قصفها من الجو، وهي سياسة إستراتجية عسكرية، يتم فيها إحراق كل مقومات الحياة، كإجراء عقابي جماعي.

وهي ضد القانون الإنساني الذي يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل المواد التي لاغنى عنها لبقاء الناس على قيد الحياة. فقد تم خلال هذه الحرب قصف مصانع الأغذية وناقلات البضائع بين المدن الرئيسية ، وحتى مزارع الدواجن ومطاحن القمح،  ومضخات المياه، ومولدات الطاقة الكهربائية ، والجسور والطرق بين المدن، وقوارب الصيد.

ونقول للأسف..أن صراخ اليمن لايسمع.. لأن اليمني عزيز بطبعه.. لكن أنين الفقراء يحدث فرقا، وهذا ما نلاحظه بشكل تراكمي بطيء،  ويبقى اليمن صامدا،  بصمود أبنائه وأنصاره ومحبيه.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/09/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد