آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فؤاد البطاينة
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

الاستهداف النوعي للمعارضين استهداف لصحوة شعوبهم.. وبصمة الموساد موجودة.. هل العرب طارئون على التاريخ

 

فؤاد البطاينة

لم يستطع نظام عربي واحد من النهوض بدولته وجعلها قادرة على حماية ترابها الوطني عسكريا، ولا تحقيق التحول الديمقراطي فيها، ولا تطوير دولة  صناعية أو ذات اقتصاد إنتاجي، ولم تستطع هذه الأنظمة تحقيق طموحات شعوبها القومية في مواجهة المشروع الصهيوني واحتلال فلسطين، فانتقل الصراع  ليصبح بين هذه الأنظمة وشعوبها على حساب الصراع مع المشروع الصهيوني ومع عوائق النهوض بالدول العربية، واستعانت معظم الأنظمة العربية في هذا الصراع بطريقة أو بأخرى بأمريكا والصهيونية وتحالف بعضها معها .وانتهى الصراع اليوم بإذلالها وبتدمير ما أنجزته الدول العربية والاستيلاء على قرارها السياسي ومقدراتها وتحطيم جيوشها وتكبيل شعوبها بأولوية إطعام نفسها، وملاحقة رموز المعارضة والرفض والتوعية فيها.

وباتت المراهنة في الصراع اليوم بين تحالف لأنظمة العربية والصهيونية من جهة وبين رموز الرفض العربي المشتت من جهة أخرى . ومحل هذه المراهنة هي الشعوب العربية بين هدف التحالف في إخضاعها وهدف النخب المعارضة في إيقاظها . واتخذ الصراع شكلا مفتوحا (بالأفعال ) بالنسبة للأنظمة ومقيد (بالكلمة ) بالنسبة لرموز المعارضة . فميزان التكافؤ مخسوف بكفة واحدة لولا مساندة أحرار العالم لأصحاب الرأي الأخر من المعارضين العرب، لا سيما في الغرب كمركز ثقل وتأثير، بل كان بالإمكان لولا خيانة الأنظمة أن نكسب دولا أوروبية لجانبنا لأن المشروع الصهيوني هو مشروع الصهيونية المتهودة وحدها ولا أعتقد أن الغرب والشرق جزء منه، بل جزء من إقامة وطن لمتهودي الخزر في فلسطين تخلصا منهم، حتى لوكان لبعض الغرب مآرب أخرى.

لكن علينا أن نتذكر بأن الشعوب تُقمع وتُغفو وتنام، ولكنها لا تخضع، والشعب العربي ليس طارئا على التاريخ فلا هو خلطة متواضعة الحجم من القبائل والأجناس تاهت في الصحاري واعتاشت على قطع الطريق وبيع نفسها عبيدا والتجنيد في خدمة الأقوام وأقامت مشيخة في فلسطين في ظل حكم وسيادة الامبراطوريات ثم انقرضت، ولا هي مجموعات متواضعة من الهنود الحمر في أمريكا يتم غزوها وإبادتها.

 فالشعب العربي ما غاب عن التاريخ البشري الحضاري والسياسي والعقدي يوما، ولم يختلف اثنان من مؤرخي وأثاريي وباحثي وعلماء الأوروبيين والغرب عامة على أن الأمبراطوريات التي أقامت الحضارات في بلاد ما بين النهرين وفلسطين وسوريا بأسمائها القديمة المعروفة هي من الشعوب العربية التي خرجت من الجزيرة (باستثناء السومريين)، وأن مصطلح السامية لا يعني في واقعه سوى الشعوب العربية كقومية قوامها وحدة المكان والنشأة والثقافة بمكوناتها وجذور اللغة وطريقة التفكير والنظرة العقدية وليس وحدة الجنس أو العنصر بالضرورة، والحاكم الذي لا يقرأ التاريخ من أساسه ويبحث به هو حاكم فاشل في أحكامه على الشعوب ومصائرها.

نعود إلى المعارضين وأصحاب الرأي الأخر في مواجهة الأنظمة العربية كصوت يخاطب الشعوب بحقوقها والتزاماتها وشمعة خافتة تضيء الطريق أمامها. فحيث أن هذه الأنظمة بعضها قد فشل في بناء دولة معاصرة وقادرة على حماية نفسها أو تحقيق طموحات شعوبها وأصبح هاجسها السلطة، والبعض الأخر زاد على هذا الفشل بتحالفه رسميا وعلى المكشوف مع العدو والمشروع الصهيوني، كالنظام السعودي، فإننا كشعب عربي أصبحنا أمام بعضين انتهى صراعهما أو لعبة صراعهما مع إسرائيل ومشروعها في فلسطين والوطن العربي، ومن الطبيعي عندها أن يتحول صراعهما ليصبح مع شعوبهما ممثلة بالمعارضين، وفي حين أن الأنظمة العربية تواجه خطر المعارضة الذي قد يحرك الشعوب ضدها، فإن إسرائيل إسرائيل تواجه خطر المعارضة في تعرية سلوكها واحتلالها وأهدافها الصهيونية لا سيما عندما يكون خطاب المعارضة وازنا وعاقلا ويعتمد الخطاب الذي يفهمه الغرب ويتقبله .

 وهنا علينا الانتباه إلى أن حدود المعارضين العرب كانت وما زالت تقف عند الالتزام بالكتابة والكلام دون العمل المباشر أو الإخلال بأمن الأنظمة، بينما كانت حدود الطغاة العرب تقف عند التضييق والعزل والسجون، إلا أن قاعدة الاشتباك هذه لم تعد كافية لبعض الأنظمة العربية التي تحالفت مع إسرائيل على المكشوف كالسعودية، ولا كافية لإسرائيل، فأصبح المعارضون هدفا مشتركا لسياسة تصعيدية تماهت فيها حدود طغاتنا مع حدود إسرائيل في التصفية الجسدية للمعارضين والتعاون المشترك في هذا الإرهاب النوعي .

ولا شك أن للجهة التي استهدفت الخاشقجي سببها سواء كانت السعودية وحدها أو بالتعاون مع غيرها، إلا أن هذا السبب ليس هو الأهم لنا في سياق شخصي، ولا طريقة وكيفية الاستهداف محور اهتمامنا، وإنما ما يهمنا نقطتين الأولى، هي سياسة استهداف المعارضين للأنظمة العربية أو إسرائيل بالتصفية الجسدية كتطور إرهابي نوعي له أثره النوعي، والثانية أن تكون إسرائيل ضالعة في هذا الاستهداف بالتنسيق مع السعودية أو أي نظام عربي أخر .حيث أن تكامل الأهداف السياسية والمعلوماتية لبلد المنشأ العربي مع القدرات الاستخبارية والفنية لإسرائيل والصهيونية من شأنه أن  يحدث فرقا، ويشكل خطرا كبيرا لا على المعارضين العرب لأنظمتهم فقط بل على كل صوت عربي ضد إسرائيل في دول الغرب خاصة .

 وإذا طبقنا النقطتين المشار إليهما على مسألة استهداف الخاشقجي، أقول بأن طبيعة المعارضة التي مارسها مؤخرا ضد سياسة بلده كانت ناعمة جدا ويمكن استيعابها ومعالجتها ولا أعتقد بأنها تستحق لدى النظام السعودي مغامرة التصفية الجسدية بعملية إرهابية كبرى وتداعياتها وخيمة عليها. بل أن ما يستحق الانتباه إليه هو حوارات الخاشقجي العميقة والمعتدلة والأمكنة التي كان يعقد فيها الحوارات وكيف كان يتطرق لإسرائيل وللحقوق الفلسطينية والعربية بخطاب يفهمه ويتقبله الغرب، فمن تابع ذلك يجزم بأنه خطاب مقنع ومؤثر على المطامع الصهيونية وسياساتها في وسط حساس جدا لإسرائيل وهو الوسط الأمريكي والأوروبي، فإسرائيل لا تتحمل سماع صوت عربي في أمريكا وأوروبا بحجم يمزج الفكر بالسياسة وبالأكاديمية وقوامه حريات الإنسان وحقوقه وحريات الشعوب وحقوقها . ولا النظام السعودي يرضيه ذلك وانعكاساته على النخب العالمية والنخب السعودية وشعب الجزيرة ولا هو قادر على رفض طلب لإسرائيل، ومن الطبيعي أن تلتقي المصلحة الإسرائيلية- السعودية هنا على هذا الجرم المرتكب ضد الخاشقجي، وفي تركيا بالذات.

 ومن هنا فإني لا أستبعد بل أرجح ضلوع الموساد في التخطيط والتنفيذ لهذه الجريمة، وبهذا فلعل المتابع لما رشح من معلومات عن إجراءات التحقيق التركية، يتذكر بنفس الوقت والقرينة سيناريو وإخراج عملية الموساد في اغتيال الشهيد المبحوح في دبي، ويجزم بأن بصمة الموساد مطبوعة على طريقة استهداف  الخاشقجي في استانبول .ويرجح بأنه حتى لو كان ما زال حيا فقد أصبح من المستبعد إثر تداعيات الاتهام وسعة الإدانة أن لا تقوم الجهة المسئولة بتصفيته.

إن سياسة تصفية المعارضين العرب إذا أصبحت جزءا من تعاون طغاة العرب مع إسرائيل، وسادت في الدول العربية فستكون خطيرة جدا على القضية الفلسطينية وعلى مصالحنا ووجودنا ومشروعنا في التحرر، شعوبنا تنام وتصحى على البحث عن رزق يومها وأمن يومها والعدو الخارجي والداخلي لم يعد يراهن على صحوتها وأصبح يراهن على التخلص من ظاهرة المعارضين التي تقرع أجراس الصحوة في الخارج والداخل.. والمهمة الأساسية لنا هي أن لا تمر هذه العملية الإرهابية بامتياز.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/10/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد