آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
منى صفوان
عن الكاتب :
باحثة وكاتبة يمنية

إنهاء الوصاية السعودية على اليمن.. من المهرة إلى صعده


منى صفوان

لعلها المرة الأولى منذ بدء الحرب قبل 4 سنوات يصبح اليمن فيها موحدا من المهرة إلى صعده، ضد التدخل العسكري السعودي .
ولأول مرة تكون الجبهات الحدودية مع السعودية جميعها مشتعلة في وقت واحد منذ حرب 1934 تاريخ قيام أول حرب يمنية – سعودية ، على الحدود بينهما في شمال اليمن .
 ولعلها أيضا المرة الأولى التي تصطدم فيها السعودية بجدار الرفض الشعبي مباشرة، حيث تشتعل المظاهرات ضد السعودية في عموما محافظات اليمن، وتتزعم محافظة المهرة شرق اليمن إقامة اعتصام مفتوح يعلن رفضه السلمي لانتهاك السيادة اليمنية من قبل السعودية بمد أنبوب نفط بري، بدون اتفاق رسمي وبحماية عسكرية سعودية.
والاهم أنها المرة الأولى التي يتم فيها اختراق الحدود والداخل السعودي بالصورايخ اليمنية التي اثبت تقرير أمريكي مؤخرا أنها ليست صورايخ إيرانية ، بل صواريخ الجيش اليمني التي تم شراؤها في عهد الرئيس “علي عبدالله صالح” وجري تطويرها على يد أنصار الله “الحوثيين” ، بعد نقلها إلى صعده في وقت مبكر مع استيلاء الحوثيين على معسكرات الأسلحة في صنعاء 2014 .

باليستي حوثي

“الباليستي الحوثي” مصطلح جديد دخل قائمة المصطلحات العسكرية، أمكنه قلب معادلة الحرب ، وأضاف بعدا مختلفا لمثلث التوازن، وان كان لا يوفر التكافو، مع وجود الفارق والتفوق العسكري السعودي الضخم .
فلقد أطلق الحوثيون لحد الآن أكثر من 200 صاروخ باليسيتي إلى داخل العمق السعودي، وكان إطلاق أول صاروخ حوثي باتجاه السعودية بعد اكتمال 40 يوما بالضبط ، من بدء الحرب السعودية على اليمن التي بدأت في 25 مارس2014
يقول الحوثيون أنهم اضطروا للرد على السعودية بالصورايخ بعد تدخلها العسكري، وتواصل ضرباتها وغارتها الجوية، فقد نفذت السعودية خلال 4 أعوام من الحرب أكثر من 100 ألف غارة جوية بحس بتقارير دولية وأخرها تقرير معهد لوفير الخاص بدراسات الأمن القومي الأمريكي مقابل 204 صاروخ حوثي ، من قبل الجانب اليمني، بحسب تصريح الجانب السعودي نفسه .
 تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن تسبب الغارات السعودية بجرائم حرب ضد المدنيين، فقد شكلت السعودية أكثر من 60% من إجمالي جرائم الحرب في اليمن التي ارتكبتها كل الأطراف، كما يشير التقرير الأخير لفريق الخبراء الدوليين في التحقيق بارتكاب جرائم حرب في اليمن.
وهو الفريق الذي كانت السعودية وخلفها “حكومة هادي” تقف ضد تمديد عمله عاما إضافيا ، بعد تقريره الأول الذي كشف فيه الكثير عن جرائم الحرب المرتكبة في اليمن. وأكد أنه على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى بذل كل مافي وسعها للحيلولة دون وقوع المزيد من الانتهاكات، ومعالجة الأزمة الإنسانية الكارثية.

الحدود الملتهبة والسيادة المنقوصة

تاريخيا هي المرة الأولى التي تشتعل فيها كامل الحدود اليمنية- السعودية من المهرة إلى صعده، ففي حين تبقى الجبهة الشمالية مشتعلة، في صعده وحجة، وتفرد مساحة لظهور الحوثيين “العسكري” كوريث جديد للصراع القديم مع السعودية.
تتطور الأمور في الجهة الشرقية-الجنوبية حيث الحدود البرية في المهرة مع السعودية، التي تريد تمرير أنبوب نفط إلى البحر العربي عبر الميناء والأراضي اليمنية ، وذلك باستحداث قاعدة عسكرية .
هذه الأطماع السعودية القديمة المتجددة، سبب أزلي للصراع التاريخي، ولفرض أنواع الوصاية على القرار اليمني، حيث يعتبر اليمن بحسب تصنيف النظم السياسية والقانون الدستوري بلد منقوص السيادة وفي تعداد الدول الناقصة السيادة، التي تخضع لأكثر من سلطة “سلطة داخلية شكلية، وسلطة خارجية فعليه”
لذلك فان مهمة استرداد القرار الداخلي ليست بالمهمة السهلة، سوف تتعرض أي محاولة للشيطنة والهجوم والاستهداف المباشر والتشويه وقد تصل إلى الاغتيال، وهذا ما حدث في تاريخ اليمن السياسي، حيث تم تصفيه رموز الحركة الوطنية ، واقصاؤهم أو اغتيالهم جسديا ومعنويا، ومثل اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي تجسيدا فجا للمقاومة العنيفة من قبل السعودية لأي محاولة تحرر يمنية ” كثير من المذكرات والشواهد السياسية المسربة تحدثت عن ضلوع السعودية في عملية اغتيال الحمدي”
وكان اغتيال الحمدي فارقا في نمو العلاقات اليمنية- السعودية بعد ذلك بشكل اظهر حجم النفوذ السعودي في الداخل اليمني، من خلال رجال القبائل والأحزاب المواليين للمملكة.
وهو ما كشف بعد ذلك عن اللجنة الخاصة السعودية التي تضم قادة عسكريين وسياسيين ومشائخ اليمن، اللذين كانوا مسيطرين على القرار اليمني السياسي والعسكري، طيلة 4 عقود، حيث كانت تدفع لهم مخصصات مالية منتظمة، وبقى عمل اللجنة قائما إلى العام 2014 تاريخ سيطرة جماعة الحوثيين على صنعاء، وفرار القيادات العسكرية والقبلية والسياسية إلى الرياض.
لتبدأ مرحلة أخرى من مراحل الوصاية السعودية أو محاولة تجديد الوصاية، بشن الحرب السعودية على اليمن تحت غطاء الشرعية للرئيس هادي، والتي كانت 85% من أهدافها مدنية بحسب تقارير دولية، وترتكب فضائع وجرائم حرب بحق اليمنيين، في حين تعلن أنها حرب إعادة الأمل وإعادة “الشرعية” ودحر الانقلاب الحوثي.
حيث يظهر أنصار الله الحوثيين جماعة متمردة منذ العام 2004 ، متمردة على سلطة القرار في صنعاء، وعلى الوصاية السعودية، وهذا ما جعلهم في حرب مزمنة مع التيار السعودي في داخل اليمن، حيث بشكل متقطع قامت حرب بالوكالة استمرت 5 سنوات.
6 حروب من العام 2004 إلى العام 2009 لم يكن الحوثيون فيها أصحاب الطلقة الأولى، انتهت بتوقيع اتفاق 2010 وسجلت وقتها أول واقعة يمنية لاختراق الحدود السعودية بالسيطرة على جبل الدخان، لوقف الدعم العسكري السعودي . وكانت من أوائل المواجهات المباشرة بين السعودية والحوثيين.
لذلك يمكن اعتبار أن حركة الحوثي المسلحة هي أول حركة يمنية مسلحة تواجه المخطط والمشروع السعودي في اليمن، بشكل مباشر منذ العام 2004، بعد محاولة 1962 التي جاءت بدعم الجيش المصري، والتفت عليها السعودية لتجمد حلم الانعتاق الذي حملته شعلة ثورة سبتمبر.
ولكن العام2011 قدم لليمن أول وأجمل محاولة شعبية خالصة للانتفاض الشعبي السلمي ، بوجه الوصاية السعودية وحلفائها بالداخل، لولا الالتفاف عليها من قبل الأحزاب اليمنية المتحالفة مع الرياض، لتوقيع المبادرة الخليجية في السعودية ،وهو الأمر الذي أعاد القرار اليمني إلى البلاط السعودي، وأكد أن اليمن يدار من هذا البلاط .

حوار وحرب وثورة

ودشن بعدها مؤتمر الحوار تحت عين السعودية والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وهنا اشترك الحوثيون في مؤتمر الحوار كمكون أساسي ، وأصبح الجميع لأول مرة في تاريخ اليمن تحت سقف واحد، خرجوا منه 2014 إلى صراع مسلح جديد، بعد أن فجر المؤتمر الخلافات، حول حقيقة مستقبل ومشروع الدولة، وذهب اليمنيون إلى حلبة الصراع أو إلى إكمال صراعهم القديم، بين حلفاء السعودية من جهة، والمتمردين عليها من جهة أخرى .
تعتبر عملية “عاصفة الحزم ” 2015 أجرأ قرار سعودي عسكري اتخذ بشان اليمن، فلأول مرة تحارب السعودية علنا ، في بلد خاضت فيه عشرات الحروب بالوكالة، منذ الحرب بين الملكيين والجمهوريين في الستينات، إلى حرب الجنوب في التسعينيات ، وحروب صعده الست 2004
فماهي المقدمات التي أجبرت السعودية على خوض الحرب المباشرة؟ لقد بدى واضحا خلال العشر السنوات الأخيرة، تفكك القوى السياسية التي طالما اعتمدت عليها السعودية
فمع وفاة الشيخ عبد الله الأحمر 2007 والذي كان ضابط الاتصال بين اليمن والسعودية من جهة، وبين صالح والإصلاح من جهة أخرى، وبوفاته حدث أول تصدع بين الرئيس اليمني “علي عبد الله صالح” ، وحزب الإصلاح الإسلامي، تطور بعد ذلك إلى أزمة سياسة، والى انسداد الأفق السياسي ، أدى إلى تفجير الوضع في2011 مع موجة الثورات الشعبية ، حيث أعلن الإصلاح الثورة على الرئيس صالح وأعلن الجنرال علي محسن الأحمر “الحليف العسكري” الانشقاق العسكري.
هكذا ظهر للسعودية أن الحلف السياسي- القبلي- العسكري يتصدع في اليمن ويتفسخ بين الرئيس “علي عبد الله صالح” والشيخ “حميد الأحمر” والجنرال “علي محسن الأحمر”.
فجاءت المبادرة الخليجية لمحاولة إعادة لم الشمل بين الحلفاء الثلاثة “السياسي-القبلي- العسكري” لكن في الجهة الأخرى كان الحوثي متربصا ينتظر الفرصة.
الدولة المركزية الآن في اضعف حالاتها ،وعلى رأسها رجل ضعيف بلا قرار وبلا حزب قوي، وبشرعية مهترئة، حيث يجسد “عبد ربه منصور هادي” مرحلة الانتقال الهش للسلطة السياسية بعد الثورة الشعبية المغدورة.
في المقابل يبقى “علي عبد الله صالح” بعد الثورة عليه ضمن حكومة وفاق مع “حزب الإصلاح الإسلامي ” الثائر عليه، وفي قلبه تتقد نار الانتقام، إذا فكل الظروف ملائمة الآن لتحرك الحوثيين بسرعة ، وخروجهم من صعده إلى عمران، ومن ثم الاستيلاء على صنعاء في 72 ساعة.
21 سبتمبر 2014 حدث جلل يهز المنطقة، قلب قواعد اللعبة، وسحب البساط من تحت حلفاء السعودية، حيث ستنضم قوة علي عبد الله رسميا للحوثيين بعد ذلك باتفاق سياسي ، انتقاما من الإصلاح، فتفقد السعودية لاعبا أساسيا كانت تراهن عليه طيلة 4 عقود.
 فك “صالح” ارتباطه أخيرا ” بتحالف أحزاب المبادرة الخليجية” وانضم إلى “المتمردين” الحوثيين، في حربهم لمواجهة السعودية وحلفائها في الداخل، انتقاما من حزب الإصلاح ، فاشتعلت الحرب السعودية بشكل مباشرة لأول مرة بسبب ضعف حلفاء الداخل، وانتهاء الدولة. هذا ما دعى السعودية للتدخل العسكري المباشر، أن الدولة التي بنيت خلال 5 عقود وكانت حديقة خليفة للسعودية، انهارت في 72 ساعة، وأصبحت خلال أسابيع تحت تصرف الحوثيين بالكامل، بمعسكراتها ومنشاتها الاقتصادية والمدنية ومواردها وموانئها.
وها نحن في العام 2018 ، ومن كان يتصور أن التحالف السعودي قادم لإنقاذ اليمن، وأن تدخله المباشر مشروع، كشفت له دوافعه الحقيقة، ومن هلل له باعتباره سيعيد السيادة و”الشرعية” ، وجد أن هذا التحالف السعودي هو أول من حارب الحكومة والشرعية والرئيس.

المهرة تحمل السلاح

لأول مرة يظهر المخلب السعودي من تحت العباءة الحريرية ، لأول مرة يقف اليمن وجها لوجه أمام هذا التوحش السعودي العلني والفج، الذي لايبالي بعمل أي شي ليمرر مخططه للاستيلاء على الأرض ، وليس عبر حلفاء هذه المرة.
أنه يعبث بالتاريخ والجغرافيا، ويتعامل بخفة غير مسبوقة مع اليمن وقراره السيادي، ومثال على ذلك ما يحدث في المهرة.
فإصرار السعودية على مد أنبوب النفط في المهرة، بدون اتفاق رسمي وبدون صيانة حقوق السيادة ، ليستولي على الأرض بالقواعد العسكرية والسيطرة على الميناء ، ويعمد لوضع غطاء شرعي بالضغط على الرئيس وابتزاز الحكومة، وأخرها استجلاب مجلس النواب إلى الرياض لتمرير الصفقة وشرعنتها
 لتكون الأرض في المهرة خاضعة للسيطرة السعودية العسكرية، حيث انتشرت المعسكرات السعودية هناك بشكل فج ، وفيه تحد سافر، وهذا يعني انفجار الأزمة بين الجانب السعودي بغطاء حكومة هادي، وبين قبائل وحشود المحافظة التي ترفض انتزاع الأرض بالقوة، وتقاوم منذ أشهر بكل الطرق السلمية، وتصعد إعلاميا، وتطلب النصرة من كل أبناء وقبائل اليمن، لأن القضية لاتخص المهرة فقط، بل هي قضية وطنية بالدرجة الأولى، وتسجل أول حائط صد أمام التدخل السعودي منذ 4 سنوات.
 إننا نعيش عصر الجبروت والتجبر السعودي، فلأول مرة في تاريخها المعاصر تضطر المهرة المسالمة لحمل السلاح، لتدافع عن أرضها، بعد أن انكشف أمنها الداخلي، لترى المظاهر المسلحة، مع اهتزاز الوضع الأمني، ويصبح القبائل على أهبة الاستعداد لأي مواجهة مرتقبة ، مع احتمال حدوث اصطدام مباشر بينهم وبين السعودية عبر شركاتها أو معسكرتها أو حلفائها.
لقد استطاعت قبائل المهرة أن ترغم الشركة السعودية المسؤولة عن مد الأنبوب على التراجع، ولكن المملكة السعودية تصر على مد الأنبوب وأن كلفها ذلك تفجير المهرة من الداخل، بحملة اعتقالات، أو أي سيناريو أخر، لأن كل السيناريوهات متوقعة من السعودية وهي لا تتورع عن القيام بأي شي.
إن قبائل المهرة بقيادة شيوخها ورجالها الأوفياء، يبدو أنهم مصرون على إكمال المعركة إلى النهاية، وهذا ما يرعب السعودية، فهم يملكون الشرعية الشعبية، التي تنسف أي شرعية برلمانية أو حكومية.
أنهم بحق يقدمون سطرا وطنيا يكتب من ذهب في التاريخ اليمني، الذي يسجل خذلان هذه الحكومة ، أنها أسوأ مرحلة في تاريخ اليمن، تديرها أسوا نخبة سياسية في التاريخ.

صعده السلام

وفي أقصى الشمال مازالت الجماعة الدينية المسلحة تكبر منذ 3 عقود ليمكنها أن تخبر العالم اليوم أنها تقف وجها لوجه أمام المشروع السعودي في اليمن والمنطقة ، بعد أن قلبت الطاولة، وسحبت البساط، يبدو الأنصار قادرين على التعاطي مع الإقليم بصفتهم سلطة أمر واقع كما تسميه الأمم المتحدة ، حيث تقدمهم كشريك في العملية السياسية والسلطة المقبلة. وهم الكتلة العسكرية أو الجماعة الفتية ، التي كبرت خارج هرم السلطة وتحالفه القبلي والسياسي والعسكري، ثم جاءت هذه الجماعة الفتية وأطاحت بهذا التحالف الهرمي ، وحلت مكانه.
وفشلت السعودية حتى الآن بالإطاحة بتحالف أنصار الله السياسي والعسكري مع الأحزاب والقبائل التي تشكلت كرد فعل على العدوان الخارجي. ولايبدو أنها قادرة على ذلك حيث تفتح ضدها أكثر من جبهة في اليمن.
 فقد عملت الحركة الحوثية خلال 4 سنوات على تشكيل حلف سياسي، مستفيدة من حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي مازال باقيا في تحالفه معها حتى بعد قتل جماعة أنصار الله الحوثية للرئيس علي عبد الله صالح بسبب انتفاضة قام بها ضد أنصار الله الحوثيين.
إن الحلف السياسي الذي يتشكل تحت مظلة أنصار الله ، يمكن اعتباره مستقبلا “أول مكون سياسي” يشارك في السلطة السياسية، يكون بشكل علني ضد التواجد والوصاية السعودية.

إننا نشاهد التاريخ وهو يصنع

لأول مرة من 6 عقود تتشكل حكومة وسلطة لا تعترف بالوصاية السعودية في اليمن، بل وتقارعها العداء علنا، انه المشروع القومي الذي تأخر، أو عطل وأربك ، وعلى جميع المتأخرين الانضمام له.
 حكومة لا تعترف بوصاية السعودية، وان لم يعترف بها أحد، تجمع كل التيارات الوطنية، والأحزاب، وتشكل نخبة سياسية جديدة.
 وهنا تؤخذ على الحوثيين وهم أهل قتال لا تشوبهم شائبة ، قلة خبرتهم السياسية والإدارية، في طرق تسير مرافق الدولة ، وإدارتها، وتنظيم علاقاتها ، وهو أمر يبدو طبيعيا، لكونهم جماعة كبرت في الهامش الاقصائي الذي فرضه النظام المركزي للدولة، لكنهم يحاولون تجاوز تبعاته وأخطائه بسرعة
كما يؤخذ عليهم هذا الارتداد العكسي لموجة “الوهابية” التي غزت اليمن منذ منتصف الثمانينات، بمحاولة إلباس البلد رداء دينيا معاكسا “المذهب الزيدي- الشيعي” برغم أنهم كانوا في مؤتمر الحوار قد صوتوا مع الدولة المدنية
وتبقى الدولة المنشودة لليمنيين دولة مدنية بلا رداء ديني، فلا دين للدولة، فالبرنامج السياسي للدولة في اليمن لم يتشكل بعد بشكل واضح، برغم بروز نقاطه الأساسية، وهنا نسال هل يمكن أن يعقد تحالف ندي بين حلفاء السعودية ، والمتمردين عليها في إطار مصالحة وطنية أو حتى صفقة سياسية؟
فالسعودية تحاول الضغط قدر الإمكان لكسب المعركة على الأرض قبل الاتكاء على المفاوضات ، وهنا تحاول السيطرة على الحديدة وحجة، وهي التي تحاول ذلك منذ منتصف الثلاثينات لضم ميناء الحديدة.
غير أن معركة الحديدة معركة مصيرية، تجعل حسمها لصالح السعودية أمر بالغ الصعوبة، أضف إليه الضغوط الدولية لعدم تعريض الميناء الحيوي لأي خطر، يهدد وصول البضائع والمساعدات لملايين اليمنيين.
لقد اثبت الحوثيون أنهم قادرين على قيادة المواجهة المسلحة، ومقارعة دول كبرى بأقل الإمكانيات، واثبتوا شجاعة وصمودا في جبهات المواجهة المباشرة مع السعودية، تحسب لهم بلا شك، وتضيف إلى رصيد اليمن.
 فلأول مرة يرى العالم المتمردين الحوثيين الذين حاربوا السعودية من جبالهم وكهوفهم في صعده، لقد خرجوا أمام شاشات التلفزة بعتادهم العسكري، كمن يقول نحن قوة إقليمية صاعدة انتبهوا لنا واحفظوا الاسم جيدا.. نحن أنصار الله.
أنها المرة الأولى التي يتعامل فيها اليمنيون مع الحوثيين باعتبارهم “سلطة وأصحاب قرار” لا مهمشين وأصحاب مظلمة، وكطرف في الحرب فأنهم سيكونون مدانين بارتكاب انتهاكات، لكن في قطار السياسية يمكنهم تصدر عربات القطار هذه المرة. بعد أن فاتهم القطار أكثر من مرة
ولكنها لأول مرة يقف اليمنيون من المهرة إلى صعده في وجه الوحش السعودي، الذي يتمسك بأوراق الشرعية اليمنية كغطاء ويتمسك بالحكومة كرهائن لتمرير المخطط، الذي يريد لقطار السياسة في اليمن أن يسير مرة أخرى باتجاه القبلة السعودية، وهذا هو كل ما يحدث، حيث تدخلت جماعة جبلية مقاتلة ، أو جماعة ساحلية مناوئة، توقف سير القطار وتخلع القضبان، لتعيد مساره في الاتجاه الأخر.
إن انتهاء الوصاية السعودية على اليمن، يعني تقليص الدور السعودي في المنطقة، وهو أمر يستلزم إعادة السلطة الشرعية إلى الشعب اليمني، وان يعلن الشعب رفض الوصاية، وان الحكومة المنفية أو المحتجزة في الرياض لاتمثل اليمن ولا تاريخه.
أنها اللحظة التاريخية التي ينتظرها اليمن من6 عقود لحظة التحرر الفعلي من أي وصاية خارجية كانت سعودية أو إيرانية أو أمريكية، وهي تتجسد ببطولات اليمنيين وصمودهم الأسطوري، في وجه ترسانة حربية ضخمة، وبرغم حرب التجويع والإفقار من عقود، والتي كثفت خلال السنوات الأخيرة، إلا أن اليمن لا يستلم، وأن الكتلة السياسية الانتهازية التي شرعنت القتل والدمار والإفقار، لم يعد لها مكان في مستقبل اليمن، فوعي اليمنيين يزداد مع زيادة قدرة اليمنيين على المواجهة ، والمستقبل مكتوب أمامهم بكل وضوح. وها نحن نشاهد التاريخ وهو يصنع.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/10/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد