آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

هل تكون «أرامكو» ضحية ابن سلمان؟


د. وفيق إبراهيم

علاقات المملكة السعودية مع العالم في أسوأ مراحلها وتجتاز الوضع الأصعب في تاريخها منذ 1945.

فالحُكم فيها ممثلاً بولي عهدها محمد بن سلمان متهم باغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية ومشاريعها السياسية في سورية والعراق خاسرة واليمنية خائبة وفي لبنان تتراجع أسهم حلفائهم فأين المفرّ؟

لذلك تنعكس هذه الأزمات على علاقاتهم بالدول فلم يعد هناك من يخشاهم كسالف الأيام التي كانت فيها الرياض ترعب من يعاديها بقوة اقتصادها النفطي حصرياً، فتكفي الإشارة إلى أنّ إنتاجها اليومي منه يصل إلى 11 مليون برميل يومياً وهذا جدير بإعالة الصينيين وشعوب أخرى معهم.

بيد أنّ الأمر لا يخلو من مصر والإمارات وجيبوتي وساحل القمر التي تحاول تأمين إسناد سياسي لمحمد بن سلمان فإذا نجا من كابوسه فلن ينساهم. وإذا سقط فإنّ وريثه المرتقب لن يتخلى عنهم لأنهم أوفياء على طريقة الشاعر البدوي القديم.

وبما أنّ الأميركيين على ارتباط عاطفي عميق بآل سعود نتج من انصهار اقتصادي أكثر عمقاً تحوّلت فيه السعودية منجماً ذهبياً لهم لا ينضب، ولأنهم هم الذين قلدوا محمد بن سلمان ولاية العهد بانقلاب على محمد بن نايف، فكان طبيعياً أن يبحث البيت الأبيض عن مخرج لرجلهم المتورّط الذي لم يتوان لحظة عن مدّهم بكلّ ما طلبوه من أموال.

وكلّ من يعتقد بخرافية الاعتماد على الحظوظ مخطئ وخصوصاً في هذه الحالة: فكيف تمرّ اغتيالات وقتل وسفك على يد آل سعود بعشرات الآلاف من المعارضين في السنوات الخمسين الفائتة ولا تلقى أي اعتراض دولي من احد فيما يهبّ العالم بأسره محتجاً على قتل الخاشقجي مع الملاحظة أنّ القسم العالمي الذي كان يجب أن يقود حركة الاحتجاج لم يتحرك وهو الجانب الروسي الصيني الإيراني الذي تعامل مع الحدث بلا مبالاة غريبة إنما مقصودة وذلك لحصر تداعياتها وتطوّرها داخل المعسكر الغربي السعودي.

بعرض سريع لقد تطوّرت قضية الخاشقجي لتصبح قضية خلافات عميقة غربية وسعودية لها ما يربطها بالصراعات بين القوى داخل الولايات المتحدة وبين نهج ترامب الاقتصادي ومعظم العالم الأوروبي الغربي وصولاً إلى التركي المتحفز لإعادة إنعاش آماله المتحطمة في سورية والعراق وتحرير قطر حليفته الوحيدة من براثن السعودية والإمارات.

لقد أدّت تداعيات الاغتيال السعودي للخاشقجي إلى ردود فعل أصابت أميركا وأوروبا بكامل قواها السياسية، فالجميع يريد المشاركة في صفقات لها رائحة الاقتصاد الخبيث من صفقات ورشى ومكرمات لا كرامة فيها.

وتوجد فيها أيضاً سياسة.

بالتفنيد يحاول محمد بن سلمان مع دولته التبرّؤ من الاغتيال وتلبيسه لمجموعات أمنية لم تتلقّ أوامرها من القيادة السعودية، مدعوماً من جاريد كوشنر صهر ترامب والرئيس الأميركي شخصياً الذي يتحدث عن مارقين سعوديين أمنيّين ارتكبوا الجريمة، وعندما يلاحظ أنّ هذه الرواية لم تلق تأييداً عالمياً يسارع إلى القول إنها غير كافية مقابل العشرات من شيوخ الكونغرس من الاتجاهات الديمقراطية والجمهورية المصرّين على اتهام محمد بن سلمان.

فهي فرصة بالنسبة إليهم لإنهاء عهد ترامب الفوضوي وربح الانتخابات النصفية في مطلع تشرين الثاني المقبل.

لجهة تركيا فهي أم «الصبي» لانّ الخاشقجي قتله السعوديون في قنصليتهم في تركيا، وأنقرة لها مطالب سياسية واقتصادية مع الرياض، فإضافة إلى محاولتها لإنقاذ حليفتها قطر تريد تأييداً سعودياً لدورها السوري والعراقي مع التوغل أكثر في العلاقات الاقتصادية، ايّ بمعنى أوضح لا تخجل من طلب زعامة العالم الإسلامي من السعودية منافستها عليه، هذا ما يجعل أردوغان يتلكّأ بإعلان نتائج التحقيق بحجة التعمّق في تفاصيله والتدقيق في كلّ الاحتمالات.

ولأنّ أردوغان يعرف أنّ الأميركيين يبرمون تسوية مع آل سعود ذات شقين اقتصادي أولاً ولاحقاً سياسي فيما يمارسون دلعاً على واشنطن لتسوية علاقاتهم السنية معها بسبب التأييد الأميركي للمشروع الكردي الذي يثير ذعرهم، ولأنّ واشنطن ضربت مشروع كونفدرالية الإخوان المسلمين عبر إطاحة الرئيس المصري الإخواني مرسي.

قد لا تصل طلبات تركيا إلى حدود الإصرار على إعادة الإخوان إلى المشروع الإقليمي على اعتبار أنّ حزبهم الحاكم العدالة والتنمية هو الفرع التركي للإخوان، لكنهم وبكلّ تأكيد يصرّون على حصرية المشروع الكردي السوري في عمق الشرق القريب من جنوب سورية وإيلاء أنقرة دوراً إقليمياً عبر اختيار أعوانها السوريين في اللجنة الدستورية الخاصة بإنتاج دستور سوري بتأييد أميركي سعودي، فبذلك يشتدّ ساعد الترك في وجه روسيا وإيران والدولة السورية.

هذه هي الطموحات الدقيقة لأطراف أزمة الخاشقجي من دون احتساب ما يريده الأوروبيون.

ولأنّ البيت الأبيض هو القائد الفعلي للتسويات ويعرف ما تريده بلاده الاقتصادية فعلياً فإنه يضغط على تركيا لإصدار نتائج تحقيقاتها بما يؤسّس لتحقيقات أخرى جديدة قيد الدرس تفصل بين أجهزة أمنية سعودية ارتكبت جريمة الاغتيال ومستعدة للاعتراف بذلك مقابل طبقة سياسية يقودها محمد بن سلمان بوغتت بالاغتيال ولم تحسن التصرف عندما علمت بالموضوع فحاولت التنكر والفرار إنما إلى مزيد من التورّط والشبهة، وبذلك يستطيع ولي العهد الاستناد إلى أنّ الجريمة وقعت على أراض سعودية هي القنصلية، وبما أنّ الجثة غير موجودة ويزعم السعوديون أنّ متعاوناً محلياً تركياً أخذها وأخفاها الأمر الذي يسمح للدولة السعودية محاكمة رجال الأمن المتورّطين بالجريمة على أراضيها ومنحهم أحكاماً تخفيفية لأنهم حاولوا منعه من الصراخ فاختنق.

إنّ ثمن هذه الرواية أميركياً يتجسّد بوصول وزير الخزانة الأميركية ستيفين منوشين أول أمس إلى السعودية واستقبله وزير المال السعودي محمد الجدعان وسفير السعودية في واشنطن خالد بن سلمان، ويبدو أنّ البيت الأبيض يصرّ على وضع 3000 مليار دولار هي جزء من سيولة شركة أرامكو في أسهم البورصة الأميركية ما يرفع قيمتها 7 في المئة دفعة واحدة فتوفر ملايين الوظائف للأميركيين.

أما سياسياً فيبدو أنّ إبعاد محمد بن سلمان عن ولاية العهد لم يعد بعيداً مقابل نقل ولاية العهد إلى أحد أشقائه من أبناء الملك سلمان على أن يتولى الأميركيون مهمة إقناع الأتراك بهذه الرواية وإسكات أوروبا.

فهل ينجح هذا المخطط؟ قد يحافظ على الدور لآل سعود، لكنه يؤسّس لبدء نهاية هذه الأسرة التي لا تزال تمنع تطوّر شبه الجزيرة العربية وتأسر أهلها في القرون الوسطى.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/10/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد