آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد لواتي
عن الكاتب :
رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي

جمال خاشقجي في ذمّة نسيان الحقيقة؟


محمّد لواتي
 
إن التوجّه العام التركي يبدو واضحاً وهو رفض السكوت عن الجريمة، لكن أردوغان مع حزبه قادران على طمْسِ الحقيقة إن دفعت السعودية ما يفي بحل الأزمة المالية والاقتصادية في تركيا وهو بالتأكيد ما يطالب به سرّاً. إنه الآن يقتل من دون شفقة الكرد وخارج حدوده من دون حياء وكأنه يحارب من أجل أن يرفع على عرش السلطان مثل أجداده قبل أن يموت. وقد تطمس القضية تحت بند: تم اغتياله بأمرٍ من مسؤولٍ في المخابرات من دون عِلم النظام السعودي.

جمال خاشقجي في ذمّة نسيان الحقيقة؟

"على نفسها جنت براقش".. هذه هي حال السعودية اليوم بل هل تصل الأمور إلى شيطنتها عالمياً وقد أكّد هذا تركي بن فيصل من واشنطن.. وذلك ما هو واضح اليوم في مواقف الدول عالمياً أيضاً، إن السعودية في مأزقٍ حقيقي قد يدفع بها إلى اتّخاذ مواقف جيّدة لصالح جيرانها تكون فيها إيران وروسيا الحليفتين الإستراتيجيتين لها، للخروج من المأزق  الذي هي فيه، وتميل الكفّة اليوم نحو روسيا، فأميركا هي أيضاً في ورطةٍ مع الصين بسبب الأزمة التجارية وإن كانت أصلاً في خلافٍ حادٍ مع العالم كله بسياستها العدوانية واللا مسؤولة تجاه أصدقائها وأعدائها خاصة. السعودية طالما اعتمدت عليها في سياستها بل والمحافظة على نظامها السُلالي وعرشها المُهترِئ تجد نفسها اليوم بعد فضيحة مقتل خاشقجي أمام سياسة مجهولة العواقب، وقد وصفت واتسون قاتليه (مديرة قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايس ووتش) "بالوحوش الجبناء".

ربما إدراكاً نوعاً ما للخطأ الأميركي في موقف ترامب تجاه القضية هو ما جاء على لسانيّ وزيريّ الخارجية والدفاع "حان الوقت لإنهاء الصراع في اليمن وبدء مفاوضات"، ولكن الأسئلة المطروحة تركياً "أين الجثة؟ ومَن هو المُتعاوِن المحلي؟ ومَن أمرَ بجريمة القتل"، هي إن لم تكن محسومة بعدم الجواب عنها سعودياً هي مفتاح الإدانة التامة لمحمّد بن سلمان، ويُضاف إلى ذلك اتّهام آخر، هو أن قناة "إيران أنترناشيونال" تمولّها شركات لها علاقات مع وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان.

كما تقول صحيفة الغارديان "أميركا نفسها حتى وإن حاول دولاند ترامب التخفيف من حدّة لهجته تجاهها فإن الكونغرس الأميركي يرفض ذلك ويطالب بالعِقاب، ولا أعتقد إنه يتخلّى عن مواقفه لأن القضية تمسّ القِيَم الأميركية (الديمقراطية والحرية) إن هو أحاط روايته بالشُبهات أمام حقائق لا تحتاج إلى تأويل أو تبرير".

التناقض في المواقف السعودية الذي لاحقَ مقتل جمال خاشقجي طرح أسئلة ليست في صالح السعودية، ما زاد الطين بلّة كما يُقال فهي لم تعترف بالقتل بداية وظلّت مُصمّمة على ذلك وفي صمتٍ يُشبه صمت الأموات، وبعد مرور 18 يوماً على جريمة القتل اعترفت بأن القتل تمّ فعلاً وداخل القنصلية السعودية ومن طرفِ مجموعةٍ سعوديةٍ تابعة لجهاز المخابرات، والمجموعة مكوَّنة أصلاً لهذه العمليات داخل الوطن وخارجه، إنها شبه فرقة مرتزقة، أو فرقة خاصة، أو فرقة مخابراتية، وأياً كانت تسميتها فإن الاعتراف بالقتل يقتضى الاعتراف بمكان رمي أو دفن أو حرق الجثة أو إختبائها، هذا أمر بديهي لا يقبل النقاش إلا في الفكر القبلي القائم على اللاوعي واللامنطق، وهو جزء مهم في سياسة بني سعود وبعض دول الخليج.

ومن ثم فإن من أعطى الأمر بالقتل واضح وهو محمّد بن سلمان وهو الحاكِم الفعلي في السعودية، ومشهود له بتهوّره السياسي بتعبير الصحافة الغربية، يقول"الأمير أحمد بن عبد العزيز وغيره من أمراء العائلة المالِكة باتوا مُدركين أن محمّد بن سلمان أصبح سمّاً" وسوابقه في سجن أكثر من 150 شخصية مالية، ودينية، أو مُناهِضة لسياسته معروفة في الوسط الفكري والاجتماعي وقد اختفى إلى الأبد الكثير منهم. والمعروف أيضاً حتى في الدول العريقة في الديمقراطية، في أميركا وأوروبا لا تتم التصفيات الجسدية لمُعارضي سياستهما خارجياً إلا بأوامر من السلطة الفعلية، أميركا والمشهود لها بالاغتيالات السياسية خارج أميركا (بل في العالم كله) لا يُعطى الأمر بالتصفيات الجسدية لأشخاصٍ لهم معها مواقف مُتصلّبة إلا من طرف الرئيس وبأمرٍ مكتوب.

في الجزائر مثلاً أُعدِم المُجاهد العربي بن مهيدي بأمرٍ مكتوبٍ من وزير العدل الفرنسي وقتها فرانسوا ميتران في غياب الرئيس الفرنسي، وكان الأمر نيابة عنه. لقد تولّى بن سلمان مسؤولية وليّ العهد بالقهر - لوليّ العهد محمّد بن نايف والمشهود له بالحنكة السياسية - في ظروفٍ مُشينة له ولأبيه سلمان بن عبد العزيز ربما هي الأولى والأخيرة في المملكة.

إذن ما الذي يريده النظام السعودي من أردوغان بعدم إظهار الجثة والمكان الذي هي فيه، والتراخي في توضيح ما طلبته النيابة التركية منها، وما موقف ترامب وهو الذي يبتزّ يومياً السعودية بل ويهدّدها الكونغرس؟ تقول صحيفة الواشنطن بوست "إذا واصلت إدارة دونالد ترامب حماية وليّ العهد السعودي فعلى الكونغرس أن يتدخّل". إن السعودية تحاول جرّ العالم إلى الاكتفاء بالقتل ومن أطرافٍ غير مسؤولة؟ وبالتالي عدم الإساءة إلى أركان النظام وعلى رأسه محمّد بن سلمان لأن غير ذلك يعني زواله وزوال الأسرة الحاكِمة، وزواله بالضرورة يعني أيضاً زوال الأنظمة السُلالية في الخليج نهائياً لأن السعودية هي رأس الحربة فيه.

وهذا يعني أن إيران هي المُستفيد الأول ومن ورائها روسيا والصين، وبالتالي نهاية الوجود السُلالي في المنطقة والذي أضرّ بها وبجيرانها. الاغتيال أيضاً مؤثر بالسلب على الكيان الصهيوني إن لم يكن على وجوده أصلاً ولذلك سكتت إسرائيل إذ لم تقل كلمة واحدة. في حين قبلها كانت تنفخ إعلامياً بأنها على وشك الدخول في لعبة التطبيع النهائي والعَلني مع كل دول الخليج. سكوت السعودية وعدم إظهار مكان الجثة رغم أنه مُشين وفي غير صالحها، فهو مبني أيضاً على خوفٍ من زوال هيمنتها على الأماكن المُقدّسة وهي تدَّعي خدمتها اجتراراً وهو أمر ممكن احتماله، لأن الجريمة المُرتَكبة لا تسمح لها أن تتولّى إمارة الأماكن المُقدّسة شرعاً، ولذلك هي ترفض ولا يمكن أن تعترف بمسؤوليتها في الجريمة وقد أعدّت لكل ذلك ترسانتها الإعلامية والمالية لشراء الذِمم.

وقد بدأتها بباكستان بمُساعدتها بثلاثة مليارات دولار وتوابعها من النفط ومشتقاته، ثم بالإعلان عن إعفاء بعض الدول الضعيفة من ديون مُستحقّة عليها للسعودية. إن وصول محمّد بن سلمان إلى هَرَم الحُكم وهو سفَّاح وعميل لأميركا والغرب عموماً يضع الكثير من علامات الاستفهام حول إشرافه على الأماكن المُقدّسة. إذ لا يجوز أصلاً لسفَّاح أن يدّعي خدمة الحرَمين والحد واجب فيه في القتل العمدي وبأسلوب وحشي، ومُحرّم شرعاً التمثيل بالميت وقد فعلها في خاشقجي، وأمام هذا المنطق الشرعي فإن السعودية تبقى تراوح مكانها في إطار حل من تحت الطاولة وبمليارات الدولارات. سواء لأردوغان أو لترامب أمْ هما معاً، وهنا يمكن توضيح تخلّف تركيا عن الإفصاح عن مكان الجثة المُمزّقة وهي تعلم مكانها يقيناً، ولأنها في حاجةٍ إلى حلٍ سياسي يطمس الحقيقة ويُبرّئ السعودية تبدو مُتجاهلة وجودها. صحيح قد تضحّي السعودية بمسؤولين كبار من جهاز المخابرات لأن طبيعة النظام فيها قائم على الغدر وسوء الأخلاق،  وإن أردوغان أيضاً يمكنه أن يفعل مثلها لأنه مُصاب بجنون العَظمَة والانفرادية في الحُكم ولو كان ذلك كله على حساب مُعتقده الديني الذي يدّعيه.

وقد فعلها مع معلّمه فتح الله غولن ومع  أستاذه في السياسة الدكتور نجم الدين أربكان (وقد حكي لي شخصياً ذلك في المُلتقى الإسلامي بولاية تبسة ،الجزائر) حيث حلّ حزبه وأدخل السجن بتهافت الثلاثي على السلطة (أردوغان، وداود أغلو، وعمار غل) ومؤامراته على سوريا وليبيا وتونس ليست ببعيدة.

إن التوجّه العام التركي يبدو واضحاً وهو رفض السكوت عن الجريمة، لكن أردوغان مع حزبه قادران على طمْسِ الحقيقة إن دفعت السعودية ما يفي بحل الأزمة المالية والاقتصادية في تركيا وهو بالتأكيد ما يطالب به سرّاً. إنه الآن يقتل من دون شفقة الكرد وخارج حدوده من دون حياء وكأنه يحارب من أجل أن يرفع على عرش السلطان مثل أجداده قبل أن يموت. وقد تطمس القضية تحت بند: تم اغتياله بأمرٍ من مسؤولٍ في المخابرات من دون عِلم النظام السعودي.

وإذا أخذنا بهذه المواقف فإن القضية لن تخرج عن منحيين لا ثالث لهما:

أولاهما: أن تتم صفقة مالية سعودية لحساب أردوغان وتطمس الحقيقة مثلما طُمِست قضية بن بركة المغربي بين الملك الحسن الثاني والمخابرات الفرنسية.

وثانيهما: تسوية بين أميركا وتركيا على حساب القضية لأن تركيا مهما غنّى أردوغان بمواقفه العدائية لأميركا لن يخرج من الحلف الأطلسي وربما يضغط بالقضية على قبوله في الاتحاد الأوروبي.

والسعودية بفائض المال وحبّ الشهوات واعتقادها السيّئ بأنها زعيمة العالم السنّي بإمكانها أن تفتح خزائنها لأردوغان كي لا تضطر إلى الانهيار أو إلى ما هو أسوأ من الانهيار. لكن مهما كان الأمر بالصفقة السرّية أو بإظهار الحقيقة فإن أنظمة الحُكم السُلالي صارت أشبه بالميت الحيّ الذي لا ينطق إلا لغواً أو سهواً وقد تمت تعريتها بما طمس من قبل تجاه قطر وحاكمها السابق المنفي في ألمانيا، أو تجاه الإمارات وحاكمها المنفي أيضاً تحت قول مُلفّق "يُعالَج في سويسرا" حتى صارت كلها أغنية "الربيع الدموي". ولكن المطالب نفسها يمكن توجيهها أيضاً إلى الرئيس أردوغان الذي توعّد بكشف كل الحقائق.

لصالح موقع "الميادين نت"

أضيف بتاريخ :2018/11/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد