آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

السعودية.. هل جاء دور لبنان بعد سوريا واليمن؟

 

 إسماعيل القاسمي الحسني

 

 يذكر المتابع أننا دعونا مرارا عبر منبر صحيفة “رأي اليوم” وقبلها بسنوات عبر صحيفة “القدس العربي”، القيادات السعودية خصوصا ومن يدور في فلكها من أنظمة خليجية عموما، لمراجعة مواقفها السياسية، وإعادة النظر بعمق ومسؤولية إلى مآلات قراراتها، وانعكاساتها على الساحة العربية ومستقبل هذه الأمة، ولا ننكر بأننا لم نجد أذنا واعية.

 

هنا لا أريد أن أعود بالقارئ لما قدمه جيفري فيلتمان أمام الكونغرس الأمريكي عام 2007، الذي تضمن طلبا لغلاف مالي قدره نصف مليار دولار، لإطلاق حملة إعلامية باستغلال كل وسائل الإعلام لتشويه صورة حزب الله، التي لمعت في سماء العالم العربي والإسلامي إثر العدوان الهمجي الإسرائيلي عام 2006، نتيجة المفاجأة الصادمة التي حققها الحزب، سواء على مستوى التخطيط العبقري لمواجهة العدو، أو الإعداد المحكم الذي عدمته حتى أكبر الدول العربية ذات مواجهة؛ ولن أعود لتقرير جيمس غلاسمن وهو من هو، الذي عرضه كذلك على الكونغرس عام 2009، يشرح فيه بالتفصيل مواقع استثمار الهجوم على الأمة العربية، لكن لن تفوتني عبارته حين قال ما مضمونه:” ليس علينا أن نجعل الأمة العربية تحب أمريكا، وإنما يكفينا أن نعمل على زرع العداء بينها وبين أعداء أمريكا، وهذا هو الأهم والأصل، وأعداء أمريكا هم إيران وسوريا وحزب الله وفنزويلا شافيز….”؛ كما لن أعود للعرض الموثق الذي قدمه تركي الفيصل للولايات المتحدة عام 2009، يقترح فيه تشكيل جيش من المرتزقة، تتولى السعودية تكوينه وتمويله، على أن تقوم الولايات المتحدة بتسليحه وتدريبه، مهمته الوحيدة هي محاربة حزب الله في عقر داره. هذه الحقائق الموثقة جئت على ذكرها وغيرها في مقالات سابقة، لا أرى حاجة للاستدلال بها اليوم.

 

إنما أتوقف عند حلقة مسلسل التدمير الذي يستهدف الأقطار العربية، من العراق فليبيا فسوريا ثم اليمن، والتي حطت رحالها منذ يومين في لبنان.

 

لابد أن أعترف هنا، أن أدوات الضغط وخاصة منها الحقيرة، لم تكن حكرا ولا بدعة من القيادة السعودية، فقد سبقتها في ذلك أنظمة عربية مثل الجزائر والمغرب، حين وقع خلاف بينها، فانتقمت كل واحدة من جالية الأخرى بالطرد المفاجئ، مواطنون جزائريون ومغاربة مدنيون، كل منهم استوطن في بلده الثاني، يعمل ويكد ويقدم حيث هو جهده وعرقه، لا علاقة له بعالم السياسة، يجد نفسه بجرة قلم مطرودا من مكان عَمَرَه سنوات، ومخلوعا من محيط ألفه لعقود، عار من كل ممتلكاته، ملقى وراء الحدود، ذات المشهد المخزي رأيناه في ليبيا مع عشرات ألاف التونسيين والمصريين، ونفس المناظر المأساوية مع ألاف الفلسطينيين في الكويت، ولعل آخر فصل منذ بضع سنوات، ترحيل مليون يمني خلال شهر واحد من السعودية؛ قرارات أقل ما توصف به أنها رعناء، وجريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان.

 

العقدة ليست في وقف الهبة السعودية للجيش اللبناني، فهي بالأساس ليست أكثر من إناء ولغت فيه ألسنة أرباب الفساد، لا قيمة لها في الميزان العسكري، وإنما العقدة في سلوك “الابتزاز″ الذي درجت عليه أنظمة عربية، وحين نقول الابتزاز فلأنه خارج عن كل أطر التجاذبات الدبلوماسية، التي تدير شأنها عقول إستراتيجية، تعي جيدا غايات استخدامها لقوتها، وتدرك الهدف المشروع عند استخدام الضغط بمفاعيلها “الناعمة”، وإنما هي مجرد انفعالات فردية تعكس حالة انتقام مما “كان” وليس تحديد هدف يمكن تحقيقه.

 

أعترف بأنني عند قراءة مقال في صحيفة عكاظ بعنوان “كشّروا عن الأنياب واطردوهم” بتاريخ 26 من الشهر الماضي، شعرت بالتقزز خاصة وأن صاحبه قبل تسعة أشهر وفق روايته قد نشر مقالا بعنوان” اطردوا الأشرار” والمقصود هنا مواطنين لبنانيين مدنيين لا هم في العير ولا في النفير، همهم الأول والوحيد لقمة العيش والعمل بجد؛ لكن مع حالة التقزز لم يخطر ببالي أن القيادة السعودية قد تشرع فعليا في تنفيذ هذه الجريمة، ذلك أن خسائر السعودية ستكون أكبر بكثير من خسائر من يتعرضون للطرد، وقد يتساءل القارئ: لماذا تتصور شيئا لم يقع بعد، وتذهب في مناقشة أمر متوهم؟ الجواب لدى وزراء وشخصيات لبنانية، أجملها بيان قوى14أذار، الذي تلاه فؤاد السنيورة، ومن أهم ما جاء فيه، اتهام حزب الله بتهديد حياة آلاف العائلات اللبنانية العاملة بالسعودية. ما يعني أن هذه القوى المحسوبة على المحور السعودي قد تلقت إشارة تبطن تهديدا بهذا الشأن، لذلك لوحت به في وجه قوى8أذار. استغلال واستخدام مصالح المواطنين للضغط على الخصم أو ابتزازه، دون مراعاة لحقوق هؤلاء الأصيلة، والتي تحفظها كل الشرائع السماوية والأرضية، سلوك وسياسة تتجاوز كل الأعراف والقوانين، وأتوقف هنا.

 

التلويح باستقالة الحكومة اللبنانية وفق ما أتباع عند كتابة هذه السطور، ودعوة نهاد المشنوق الشعب اللبناني ترقب إعلان موقف هام جدا وخطير، لا يعني إلا أمرا واحدا وهو استهداف استقرار لبنان بشكل مباشر، وفتح أبواب الله أعلم بسعتها وما تخبئ وراءها، صحيح أن هذه الحكومة هي لتصريف أعمال ليس أكثر، ولكن علينا أن نتخيل حالة الشعب اللبناني حين تتعطل بشكل كلي أعماله، وتدخل الإدارة في حالة شلل تام.

 

لا شك لدي أن هذا هو صاعق القنبلة الذي قد يفجر الأوضاع في لبنان، ويعود به إلى أوضاع  العقد الثامن من القرن الماضي، وهذا مدخل خطير لتحقيق ما أراده من قبل جيفري فيلتمن وغلاسمن وتركي الفيصل، ولنا أن نتساءل: هل جاء دور لبنان بعد العراق وليبيا وسوريا واليمن؟ تعددت الأسباب حقيقة والشعارات والمبررات، لكن هدف التخريب والتدمير واحد.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/02/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد