آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

أسبوع تاريخي تحطمت فيه غطرسة ترامب ونتنياهو..


عبد الباري عطوان

يمكن القول، ودون أي تردد، أن الأسبوع الحالي ربما يشكل بداية نهاية الغطرستين الأمريكية والإسرائيلية معا، فقد جاءت خسارة الحزب الجمهوري للانتخابات النصفية الأمريكية ضربة موجعة للرئيس دونالد ترامب أفقدته صوابه وأعصابه معا، بينما شكل رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاء استجداه نتنياهو لانعقاده على هامش احتفالات الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى في باريس يوم الأحد المقبل، إهانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يسعى إليه في محاولة يائسة لتصفية الخلافات الروسية الإسرائيلية، وإعادة التنسيق بين الجانبين في سورية.

الارتباك كان باديا على ترامب أثناء مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد إعلان نتائج الانتخابات النصفية، عندما تطاول على صحافي في محطة ” سي إن إن” واتهمه بـ “الوقاحة”، وأصدر تعليماته بسحب اعتماد الصحافي الذي يتيح له تغطية اجتماعات البيت الأبيض، الأمر الذي أظهره، أي ترامب، بمظهر الرئيس “السوقي” الذي يعادي الإعلام وحرية التعبير، ويخرج عن آداب منصبه وبروتوكولاته لأول مرة في تاريخ أمريكا.

أما المتغطرس الآخر نتنياهو الذي ما زال يترنح من وقع الإهانة والتجاهل اللذين انعكسا في موقف بوتين الصارم تجاه الاستفزاز الإسرائيلي، ونكث الوعود، بالتسبب بإسقاط الطائرة الروسية “ايل 20″، ومقتل 15 خبيرا استخباريا روسيا كانوا على متنها فوق الأجواء السورية في 17 تشرين أول (أكتوبر) الماضي، عندما رفض اللقاء، وأنكر المتحدثون باسمه أي اتفاق حول وجوده أصلا، بكبرياء وترفع.
***
نتنياهو أوحى كذبا بأنه هو الذي ألغى هذا للقاء، ثم قال وزير البيئة الإسرائيلي زئيف الكين، الذي شارك رئيس وزرائه جميع اللقاءات مع بوتين لأنه يجيد اللغة الروسية بحكمه مهاجرا روسيا، فادعى أن الإلغاء جاء لأن تنسيق الفعاليات في احتفالات باريس لا يسمح بعقد لقاء ثنائي بين نتنياهو وبوتين، وهو كذب مفضوح لإنقاذ ماء وجه نتنياهو، فكيف تسمح هذه الفعاليات للقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامشها، ولقاء قمة آخر محتمل بين ترامب وبوتين، ولا تسمح بلقاء نتنياهو وبوتين؟

نتنياهو لا يعرف الحكمة التي تقول “اتقوا غضب الحليم بوتين” فهذا الرجل، مثلما يقول الخبراء بشخصيته، يملك نفسا طويلا قويا، وقدرة غير مسبوقة على كظم الغيظ، ولكنه إذا غضب لا يتردد لحظة بالانتقام والثأر، وهذا ما حدث بعد إسقاط طائرة التجسس الروسية، فقد بادر فورا، وفي أقل من أسبوعين، بتسليم الجيش العربي السوري منصات صواريخ “اس 300” التي قطعت دابر الغارات الجوية الإسرائيلية على سورية، وربما إلى الأبد، بعد أن كانت الطائرات الإسرائيلية تسرح وتمرح وتقصف مثلما تشاء، وبلغ عدد غاراتها حوالي 210 غارة في اقل من عامين.

كسينا سفيتلوفا، عضو لجنة السياسة الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي، أكدت أن المقاتلات الإسرائيلية لم تقم بطلعات قتالية جديدة في سورية منذ تسلم دمشق منظومات صواريخ “اس 300” مكذبة بذلك كل الادعاءات الإسرائيلية التي تقول عكس ذلك.

المسؤولون الإسرائيليون عادوا إلى لهجة التصعيد مجددا في محاولة لستر عوراتهم، فالوزير الكين توعد بتدمير هذه المنظومات الصاروخية المتطورة التي تشكل تهديدا لأمن إسرائيل، حتى لو أدت عمليات قصفها إلى تهديد أرواح خبراء روس، أما وزير الأمن الداخلي غلعاد اردان فدعا إلى “ضرورة استهداف الوجود الإيراني في سورية حتى لو أدى ذلك إلى نشوب مواجهة على الجبهة الشمالية، لأن التمركز الإيراني يشكل خطرا وجوديا مستقبليا على دولة إسرائيل”.

كثيرون، داخل سورية وخارجها، يتمنون أن يتجرأ نتنياهو ويعطي الأوامر بإنطلاق طائرات حربية إسرائيلية لقصف أهداف سورية أو إيرانية في العمق السوري، في اختبار للقيادتين الروسية والسورية لأن الرد سيكون مزلزلا، ومدمرا في الوقت نفسه.

إسقاط الطائرة الروسية “أيل 20” جاء هدية لا تقدر يثمن للرئيس بوتين للتخلص من عبء صداقته لبنيامين نتنياهو، ولا نبالغ انه كان يتمناها وينتظرها، للتخلص من هذا الضيف الثقيل المزعج وزياراته المتكررة، أو هكذا يعتقد العديدون، ونحن على رأسهم.
***
اللواء في الجيش العربي السوري حسن أحمد حسن، أكد أمس “أن صواريخ “اس 300” خفضت إلى حد كبير احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم على سورية”، وشدد على أنه “من حق الدولة السورية أن تدافع عن سمائها”، وقال “لا استطيع أن أجزم بوقوع هجوم، ومع ذلك فأن نجاح هذا الهجوم ينخفض إلى الحد الأدنى”، كم كان مهذبا هذا اللواء، ودقيقا في اختيار كلماته.

المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية جيمس جفري قال أمس “إن واشنطن تشعر بقلق بالغ إزاء نشر أنظمة الصواريخ الروسية هذه”، وهو قلق مفرح لكل من كان يتمنى وجود هذه الصواريخ للدفاع عن السيادة السورية، والتصدي للغارات الإسرائيلية.

“سورية الجديدة” تخرج أكثر قوة وصلابة من وسط ركام المؤامرة، وتتعافى على الصعد كافة، وباتت تملك أدوات الردع لمواجهة أي عدوان يستهدفها، فالزمن الذي كانت تسرح فيه الطائرات الإسرائيلية وتمرح في الأجواء السورية دون رد قد ولى إلى غير رجعة، أو هكذا نأمل، في ظل التغيير الكبير في معادلات القوة على الأرض وفي السماء معا، وسبحان مغير الأحول، ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/11/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد