آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

غَزّة تَنْتَصِر مَرَّةً أُخرَى..


عبد الباري عطوان

عندما تقرر غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة في غزة بدء الرد على جريمة الاحتلال التي تمثلت في اغتيال الشهيد نور بركة، فان التطبيق العملي لهذا القرار إطلاق مئتي صاروخ على المستعمرات الإسرائيلية في غلاف القطاع، وإصابة عشرة مستوطنين للمرة الأولى منذ عدة أشهر، وانطلاق صفارات الإنذار، وإصدار تعليمات رسمية بفتح الملاجئ.

أذرعة المقاومة ترد بشكل موحد، ودون تردد، فالحكومة الإسرائيلية هي التي  اخترقت التهدئة، وأرسلت قواتها الخاصة في عملية استعراضية فاشلة، عليها تحمل نتائج عملها، فالمقاومة اليوم غيرها بالأمس، وباتت أكثر قوة وصلابة، والقبب الحديدية التي كلفت المليارات باتت شبه عاجزة أمام صواريخ المقاومة الأكثر تطورا.

ورغم حالة الغموض التي تحيط بالعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ليل الاثنين، وأدت إلى مقتل عميد في القوات الخاصة الإسرائيلية، واستشهاد سبعة من مقاتلي “القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس″، إلا أن ما يبدو واضحا مدى تطور القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يوضح أسباب أحجام القيادة الإسرائيلية عن شن هجوم على القطاع، بالإشارة إلى تهديداتها المتكررة في هذا المضمار.
***
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، كان واضحا في تثبيت هذه الحقيقة، أي الخوف من نتائج غزو القطاع الباهظة ماديا وبشريا ومعنويا عندما قال في مؤتمر صحافي عقده في باريس “لن أتراجع أمام حرب ضروس.. ولكنني أحاول أن أتجنبها إذا لم تكن ضرورية”.

تطور القدرات العسكرية للمقاومة في القطاع يمكن رصدها في أمرين رئيسيين:

ـ الأول: أن الوحدة الخاصة التي تسللت إلى شرق مدينة خان يونس في قطاع غزة في ثلاث سيارات مدنية، لم تصمد أمام القوات الفلسطينية التي نجحت في رصدها، وتبادلت معها إطلاق النار مما أدى إلى قتل العميد وإصابة آخر، ولولا التدخل العسكري الإسرائيلي الجوي، والقصف المكثف من قبل الطائرات بطيار أو بدونه، واستخدام الطائرات العمودية لإجلاء أفراد هذه الوحدة لكانت الخسائر البشرية أكبر بكثير.

ـ الثاني: إطلاق كتائب القسام 200 صاروخا استهدف المستوطنات في غلاف غزة كرد انتقامي، لم تنجح القبب الحديدية الإسرائيلية إلا في التصدي 60 منها، بينما وصلت الباقية إلى أهدافها، الأمر الذي سيشكل قلقا كبيرا للقيادة الإسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري.

أهداف هذه العملية الحقيقية ما زالت غامضة، وقطعا ليس من بينها اغتيال الشهيد نور الدين محمد سلامة بركة، أحد قادة جناح القسام الميدانيين، الذي استشهد وهو يطارد الوحدة الخاصة مع زملائه الآخرين، وفق بيان الناطق باسم القسام، الأمر الذي يجعلنا نطرح عدة احتمالات:
ـ الأول: أن يكون الهدف الرئيسي لهذه العملية محاولة اختطاف شخصية كبيرة في حركة حماس، يرجح البعض أنها السيد يحيى السنوار، زعيم حركة “حماس” في القطاع الذي يعتبر من أبناء المنطقة المستهدفة، أو قيادي آخر، بهدف استخدامه كورقة ضغط على حركة “حماس” للانخراط في مفاوضات تبادل للأسرى.

ـ الثاني: محاولة جمع معلومات، أو إطلاق سراح أسيرين إسرائيليين موجودين لدى حركة “حماس″، أو جمع المعلومات عنهما.

ـ الثالث: تخريب التفاهمات التي توصلت إليها حركة “حماس” مع الجانب الإسرائيلي بوساطة مصرية قطرية “غير مشتركة” للتوصل إلى اتفاق تهدئة، وهناك نظرية تتحدث عن صراع أجنحة داخل السلطة الإسرائيلية، بين جناح مؤيد لهذه الصفقة وآخر معارض لها.
***
الأمر المؤكد أن الأداء الفلسطيني القوي والمتميز في التصدي لهذه العملية وإفشال مهمتها أصاب إسرائيل وقيادتها بحالة من الرعب والهلع، انعكستا في قطع نتنياهو زيارته لباريس والعودة فورا إلى تل أبيب وعقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري المصغر.

رجال المقاومة في القطاع الذين توحدوا طلبا للانتقام المشرف يثبتون مجددا، وللمرة الألف أنهم ما زالوا على العهد، وعلى أهبة الاستعداد لمواجهة أي عدوان إسرائيلي، وتطوير قدراتهم الدفاعية والهجومية في الوقت نفسه.

إنه رد قوي من أبرز محاور المقاومة بشقه الفلسطيني على الهجمة التطبيعية الرسمية العربية مع دولة الاحتلال، والتذكير بأن المقاومة ما زالت حية، وقوية، وتستطيع تغيير كل المعادلات على الأرض.

 “صفقة القرن” لا يمكن أن تمر، ورجال المقاومة في فلسطين المحتلة ما زالوا على العهد، ولم يخدعهم السلامان الاقتصادي والإنساني، وسيتصدون حتما، ومعهم كل الشرفاء العرب والمسلمين لهذا الزحف المخجل نحو التطبيع مع الملطخة أيديهم بدماء أهل الرباط، والمدافعين عن المقدسات العربية والإسلامية في القدس المحتلة.. والأيام بيننا.

صحيفة الرأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/11/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد