آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

هزيمة التحالف في الحديدة ستوقف حرب اليمن


د. سعيد الشهابي

فجأة أعلنت قوات التحالف الذي تقوده السعودية وتشارك فيه الإمارات والبحرين، وقف القتال في مدينة الحديدة. هذه المدينة هي الميناء الأكبر الذي يزود 22 مليونا من اليمنيين بالمواد الغذائية والدواء. ومنذ أن أعلنت أمريكا ضرورة وقف الحرب في غضون شهر واحد هرع التحالف لتكثيف العمليات العسكرية على المدينة المذكورة لكي يضمن موقفا أفضل عند الجلوس على طاولة المفاوضات. وبرغم وضوح الموقف منذ فترة بأن الأزمة اليمنية لن تحل إلا بالتفاوض، إلا أن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا استمرتا في المشاركة في العدوان عن طريق خبرائهم الذين يعملون ضمن مراكز القيادة والتحكم في الرياض وعلى الحدود بين البلدين. الحقيقة المؤكدة أن صمود اليمنيين في الدفاع عن أرضهم أحرج التحالف وداعميه بشكل غير مسبوق. فالفارق الشاسع بين مستوى التسلح العسكري للطرفين كان يرجح حسم الحرب في غضون أسابيع بعد انطلاقها في 26 آذار/مارس 2015. ولكن القصف السعودي ـ الإماراتي لم يحقق سوى الدمار الهائل للبنية التحتية والتاريخية اليمنية.

كان يفترض أن يلاحظ هؤلاء المعتدون «الحكمة اليمانية» متجلية بالقرار الشجاع الذي اتخذته جماعة أنصار الله وحلفاؤهم بالانسحاب من عدن في الشهور الأولى بعد الحرب. فقد سيطروا على المدينة بسهولة ولكن حساباتهم اللاحقة أقنعتهم بعدم جدوى الاستمرار في ذلك لأنه لا يحقق هدفا استراتيجيا بالإضافة إلى أنه سيؤدي لحالة استقطاب تدفع الجنوبيين لدعم التدخل السعودي ـ الإماراتي. كما أدركوا أن بقاءهم سيجرهم للمواجهة مع تنظيم القاعدة ويشتت جهودهم المحدودة. لذلك انسحبوا وركزوا جهودهم على الاحتفاظ بالعاصمة صنعاء وميناء الحديدة واثبتوا للعالم أنهم هم المسيطرون الحقيقيون على الوضع في اليمن. وعلى مدى أكثر من ثلاثة أعوام لم تنجح عمليات التدمير الهائلة في كسر شوكتهم برغم التحالف الذي لا يمكن أن يضاهيه تحالف آخر. فهو يضم 14 دولة عربية وإسلامية بالإضافة لأمريكا وبريطانيا.

من هنا جاء قرار التحالف وقف العدوان على مدينة الحديدة تعبيرا عن إدراكه استحالة تحقيق نصر حقيقي على من يسمونهم «الحوثيون» خصوصا بعد أن سقط أكثر من 1000 من المقاتلين المدعومين من التحالف. وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية أصبحت قوات التحالف مدعاة للسخرية لأن أبواقها الإعلامية كانت تخدع جماهيرها يومها بادعاءاتها السيطرة على المدينة، مع علمها أن الأمر ليس كذلك. ولا بد من الإشارة إلى دور المنظمات الدولية ونشطاء حقوق الإنسان ومعارضي الحرب في إجبار واشنطن على تغيير سياستها بالاستمرار بدعم طرف مهزوم من أجل الحصول على المال فحسب. كما لا يمكن تجاهل دور الجريمة التي ارتكبت في اسطنبول وانعكاساتها المدمرة على السعودية وكشف ورطة كبار مسؤوليها في واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت بوقاحة متناهية. فقد أضيفت تلك الجريمة لقائمة طويلة من المبادرات والخطط الفاشلة التي قام بها ولي العهد السعودي وورط نفسه وعائلته وبلده بها واضعف وهجها السياسي والدبلوماسي والعسكري. يضاف إلى ذلك بعد آخر يشير إلى الهزيمة النفسية التي منيت بها قوى الثورة المضادة عندما صمد الفلسطينيون في غزة بوجه العدوان الوحشي الذي شنته قوات الاحتلال الأسبوع الماضي. وبرغم كثافة القصف والدمار الذي أحدثه إلا أن رد الفلسطينيين كان رادعا، فاضطر رئيس وزراء العدو للقبول على مضض بوقف إطلاق النار ضمن مشروع هدنة شاركت فيه مصر. وربما هي المرة الأولى التي يستقيل فيها وزير دفاع العدو احتجاجا على تلك الهدنة التي وصفها بـ «الاستسلام» لحماس. هذه العوامل مجتمعة أربكت موقف تلك القوى، خصوصا مع تراكم هزائم التحالف السعودي ـ الإماراتي في اليمن. وأصبح واضحا أن مشروع الحرب الذي بدأه محمد بن سلمان قد مني بهزيمة كبيرة تضاف إلى الفشل في قضايا أخرى كخطف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، واجتياح البحرين واستهداف قطر وأخيرا قتل خاشقجي.

هذه نتائج أربعة أعوام من تجربة مرة عاشتها السعودية في ظل حكم شاب دعمته أمريكا و«إسرائيل» فخيب ظنهما تماما واستعدى أهله الأقربين وأغضب جيرانه. فما مدى جدوى «رؤية 2030» إذا كانت من نتاج هذه العقلية السياسية الفاشلة؟

ولكن ماذا بعد؟ تعرف السعودية والإمارات أن وقف العدوان على اليمن سوف تترتب عليه استحقاقات مالية كبيرة تضاف للهزيمة السياسية وفقدان المصداقية. ومسألة التعويضات واحدة من أكثر قضايا الحروب تعقيدا وخطرا على البلدان التي تعتدي عسكريا على الآخرين. وهناك حالات عديدة كانت مسألة التعويضات فيها قضية مؤلمة للمعتدين. فمثلا وقعت ألمانيا مع «إسرائيل» في 1952 اتفاقية تدفع بموجبها تعويضات لإعادة إسكان اليهود وكذلك لضحايا الاضطهاد النازي.

أما العراق فقد اجبر على دفع تعويضات مالية متواصلة للكويت مقابل الغزو الذي حدث في 2 أغسطس 1990. وبعد انتهاء الحرب نص اتفاق الاستسلام على دفع التعويضات. ومنذ سقوط نظام صدام حسين في 2003 قررت الأمم المتحدة تخصيص نسبة 5 بالمائة من مدخول النفط لدفع التعويضات للكويت. فقد اعتبرت الأمم المتحدة أن العراق هو الذي بدأ الحرب وأن عليه أن يعوض الخسائر الناجمة عن ذلك التدخل. وبرغم علاقات إيران الوطيدة مع العراق، فان بعض مسؤوليها يثير مسألة التعويضات بين الحين والآخر خصوصا عندما يكون هناك اختلاف بين البلدين، أو حين يطلق مسؤولون عراقيون تصريحات تغضب الإيرانيين. وثمة قضية أخرى تكشف عمق ممارسة حق التعويض. فقانون جاستا مشروع قانون معلق في كونغرس الولايات المتحدة يضيق المفهوم القانوني للحصانة السياسية عبر تعديل قانون حصانات السيادة الأجنبية وقانون مكافحة الإرهاب. مشروع القانون أقره مجلس الشيوخ بدون أية معارضة في أيار/مايو 2016، وفي أيلول/سبتمبر 2016 مرر كذلك بالإجماع من مجلس النواب. القانون لا يذكر هجمات 11 أيلول / سبتمبر أو المملكة العربية السعودية، إلا أنه سيسمح ضمنيًا بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة من قبل الضحايا وأسرهم. وبرغم عدم ذكر السعودية بشكل صريح لكن هناك فهما عاما بأنه يهدف لامتصاص المزيد من الأموال السعودية لتعويض الضحايا. وهناك كذلك مطالبات بتعويض القطريين عما لحقهم من إضرار نتيجة السياسات السعودية والإماراتية تجاه هذا البلد العضو بمجلس التعاون لدول الخليج العربية. فهناك حصار جوي وبحري وبري فرضته تلك الدول على دولة قطر العام الماضي وأدى إلى إضرار غير قليلة بمصالح القطريين العاديين، الأمر الذي يتنافى مع التزامات الرياض وفقا للقوانين الدولية.

لقد حققت سياسات ولي عهد السعودية ومعه ولي عهد الإمارات انتكاسة استراتيجية لبلديهما فانحصرت قوتهم بالمال النفطي وليس بالقوة العسكرية أو السياسية. لقد تحولت حرب اليمن إلى مستنقع للمشاركين في الحرب، وسيكون المخاض العسير للخروج منها تحديا شديدا لن يستثني أيا من المشاركين في الحرب العبثية التي ستسجل في التاريخ العسكري أنها واحدة من اغرب الحروب وأكثرها عبرة. فإذا كانت تعبيرا عن صراع سعودي ـ إيراني على النفوذ فستكون إيران الرابحة الكبرى لأنها لم تقدم خسائر تذكر بينما سيخرج حلفاؤها من تلك الحرب بنصر كبير. وتقول التقارير أن السعودية تنفق ملياري دولار شهريا في هذه الحرب، بينما تنفق إيران 30 مليون دولار فقط. هذه نتائج أربعة أعوام من تجربة مرة عاشتها السعودية في ظل حكم شاب دعمته أمريكا و«إسرائيل» فخيب ظنهما تماما واستعدى أهله الأقربين وأغضب جيرانه. فما مدى جدوى «رؤية 2030» إذا كانت من نتاج هذه العقلية السياسية الفاشلة؟

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/11/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد