آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

الإرهاب «الانكلوساكسوني» متواصل


د. وفيق إبراهيم

اخترعت «بريطانيا العظمى» نظرية الاستثمار بالإرهاب بدءاً من دعم الحركة الوهابية، وتأسيس الاخوان المسلمين إلى بناء علاقات مع التنظيمات الإرهابية في القاعدة وداعش والنصرة، دونك بالتعاون مع نظرائها في المخابرات الأميركية.

يكفي أنّ الإرهابيين الفارّين من بلادهم لا يلجأون إلا إلى انجلترا، التي تستقبلهم بالترحاب، وتبني معهم علاقات تستثمرها في مراحل لاحقة.

قد يبدو هذا التوصيف قديماً ومعروفاً.. لكن ما قاله رئيس أركان الجيش البريطاني كارلتون سميت بعد خروجه مباشرة من اجتماع للحلف الأطلسي منذ أيام عدة يُحيى الذاكرة عن أدوار الانجليز القديمة والمتواصلة حتى الآن في الاستثمار بالإرهاب.

هذا الدور الذي أورثوه للأميركيين محتفظين بجزء منه، يعادل تراجع قواهم في الوقت الحاضر. قال سميث إنّ المنظمات الإرهابية من داعش والقاعدة والنصرة لا تشكل الخطر الأكبر على بلدان الغرب، معتبراً أنّ المنظمات الإسلامية ضعيفة وقيد الاندحار.

أما المفاجأة فتركزت على اعتباره روسيا المصدر الأساسي للخطر على الغرب، لأنها تنتج أسلحة غير تقليدية وتعمل في مجالات الفضاء العام والالكتروني «السايبيري». داعياً إلى التركيز على الخطر الروسي «فقط»، محذراً من أنّ موسكو تدرس كلّ الدول القابلة للاختراق في الغرب ما يستلزم مجابهتها يومياً على مستوى الدفاع والاستخبارات.

تزامن هذا التصريح مع حدثين يثيران الدهشة: الأول بدء المفاوضات الأميركية مع منظمة طالبان في أفغانستان، والثاني قصف الإرهاب لمدينة حلب بقذائف تحتوي أيضاً على غاز الكلور ما أدّى إلى إصابة مئات المدنيين بالغاز السام حدّ الاختناق.

والمعروف أنّ طالبان هي من اشتقاقات القاعدة، فلماذا كلّفت واشنطن نفسها وغزت أفغانستان منذ 2001 في حرب متواصلة حتى الآن، طالما أنها لا تريد إنهاء دورها، بل تبحث عن أدوار جديدة للقاعدة انطلاقاً من كابول ونحو جوارها الروسي في «الولايات الإسلامية»، وربما الباكستاني والهندي.

أما بالنسبة إلى جذور الإرهاب فيرقى إلى «الخوارج» في المراحل الأولى للإسلام مسجلاً تطوّراً في العصر المملوكي بواسطة علماء كابن تيمية أمّنوا له مستنداً فكرياً متواصلاً مع العثمانيين الذين طبّقوا الفكر المملوكي إنما بمجازر كبيرة استهدفت المسيحيين والأقليات الإسلامية، وبعض مذاهب السنة.

الانجليز بدورهم، هم ورثة كلّ هؤلاء.. فبعد رفض الحسين بن علي شريف مكة الموافقة على دولة لليهود في فلسطين، دعموا آل سعود كحركة بديلة عنهم، لأنهم وافقوا على ما وصفه عبد العزيز «باليهود المساكين» وحقهم بالعودة إلى فلسطين.. لذلك استعمل البريطانيون الحركة الوهابية ظهيراً فكرياً لحركة آل سعود الإرهابية، وباسم هذه القراءات الوهابية أباد عبد العزيز العرب في الحجاز ونجد والحديدة والكوفة بمعونة الطائرات الانجليزية كما دعم البريطانيون أيضاً تأسيس الإخوان المسلمين، واستعملوهم في قتال الدول الوطنية في مصر مرحلة عبد الناصر وسورية والعراق وشمال أفريقيا.

ومع تراجع الدور البريطاني بعد فشل حرب السويس البريطانية ـ الفرنسية – الإسرائيلية للقضاء على عبد الناصر في 1956، حلت المخابرات الأميركية بديلاً أساسياً لأوروبا، ونظمت علاقات مع آل سعود ومعظم حكام جزيرة العرب، وطوّرتها تحت ضغط حاجتها إلى تأديب أنظمة وإسقاط أخرى… لعلاقات مع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها حركة ابن لادن التي أفرزت القاعدة، وفروع الإخوان في مختلف بلدان العالم الإسلامي، فاستفادت من التراث البريطاني في هذا المجال.

إنّ معظم حركات الصدام بين بعض الدول في العالم الإسلامي ومنظمات متطرفة بأسماء متعدّدة إنما مصدرها، ألاعيب للمخابرات الأميركية، تعتمد على تأسيس ظروف مناسبة للانفجارات الاجتماعية والسياسية.. فالقاعدة في أفغانستان التي حاربت الجيش السوفياتي وأرهقته منذ السبعينيات وكانت بتمويل سعودي علني وتوجيه أميركي كامن… وحركات أحزاب الكتائب والأحرار و«القوات» التي استهدفت الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية وسورية، كانت بدورها بخلفية أميركية ـ إسرائيلية، وذلك بتطبيق النظرية البريطانية وهي الاستثمار في الإرهاب.

هذه بعض من الإثباتات التاريخية التي تربط بين التواصل الانجليزي والأميركي في فنون استخدام الإرهاب والذي أثبته الجنرال البريطاني كارلتون سميث بكلّ وضوح عندما أكد أنّ روسيا أشدّ خطراً على الغرب من الإرهاب الإسلاموي، وكان بذلك يشير إلى العلاقة.. القائمة على الاستخدام الغربي، الذي وقع نحو إنتاج إرهاب مدعوم من انجلوساكسونية بريطانية ـ أميركية مشتركة.

والطريف أنّ الإعلام التلفزيوني والمكتوب في الغرب والخليج عرض لقصف حلب بشكل يبدو الأمر وكأنّ النظام السوري قصف المناطق التي يسيطر عليها، متناولاً الخبر بصيغة تشكيكية على طريقة: «يقول النظام السوري أنّ مسلحين قصفوا مناطق يسيطر عليها النظام في أجزاء من مدينة حلب.. ويضيف بأنّ هذه المناطق تخضع لسيطرة الميليشيات الإيرانية وبعضها خال من أيّ سلطة».

وهناك محطات تلفزيونية تحدثت عن قصف خاطئ من ميليشيات إيرانية كانت تعتقد أنّ المناطق المقصوفة هي لما أسمته «المعارضة السورية».

وعندما يصل النفاق إلى هذا المستوى من الانحطاط الإعلامي بخلفيته الانجلوساكسونية فماذا يمكن القول؟

يجوز الاعتقاد بأنّ الداعم الأميركي ـ الغربي لا يريد أن يوجّه اتهاماً إلى داعش والنصرة بالإرهاب، مُصراً على حصر هذا الاتهام بالجيش السوري و«الميليشيات الإيرانية» والمقصود هنا حزب الله وتحالفاته.

يتبيّن بالاستنتاج أنّ الغرب يقاتل في سورية والعراق روسيا وحزب الله وإيران، يما يمثلونه من أخطار على الغرب في صراع تاريخي.. ويستهدف أيضاً إبقاء النموذج العربي ـ الإسلامي على شاكلة القاعدة وداعش غير القادرتين إلا على إنتاج أنظمة دهرية متخلفة… فالمعركة أولاً إبقاء الفكر المتخلف وإفرازاته المادية وعدم السماح لحركات متطوّرة من الانتصار… فقد تمهِّد الطريق لإنتاج دول متقدّمة تستند إلى فكر متطوّر.. الأمر الذي يؤكد أنّ الحلف الغربي ـ الإرهابي هدفه إبقاء المنطقة في القرون الوسطى حتى وقت طويل.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/11/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد