آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

«الشارع» في لعبة تشكيل الحكومة: رقصٌ على حافة الهاوية!


د. وفيق إبراهيم

تصعيدُ «النواب السنة المستقلين» مطالبهم بعد الاضطرابات التي شهدتها بعض شوارع بيروت في الآونة الأخيرة يكشف انهم استوعبوا لعبة التحشيد ولم «يقبضوها»، كما كان يظن المخططون.

فهموا أن استثارة الناس بالعناوين المذهبية ودفعهم إلى الشارع بلعبة تحشيد مخطط لها هي أكبر من مجرد رد عنيف على انتقادات قاسية أطلقها الوزير السابق وئام وهاب بحق آل الحريري، وبعضها ليس مقبولاً على المستوى الأخلاقي حتى ولو جاءت بعد شتم المتظاهرين لأبيه وعائلته.

كان بإمكان حزب المستقبل وكثير من الذين تضامنوا معه لتعميق الفتنة كالنائب السابق وليد جنبلاط والسيد سمير جعجع ومسؤولين دينيين ألقوا بالعمائم أرضاً خارجين إلى القتال على مستوى «يا غيرة الدين»، كان بإمكان حزب الحريري إصدار بيان يهاجم فيه وهاب بالعيار الذي يريده بدلاً من تحريض الناس في طريق الجديدة بواسطة متزعمين محليين من «القبضايات» والمخاتير ورؤساء العائلات ومشايخ دقوا النفير وكأن حرب المذاهب بدأت.

لعبة التحشيد هذه مرّت بسلام بسبب إصرار حزب الله وحركة أمل على تفويت الفرصة على المخططين الذين كانوا يطمحون إلى افتعال «اشتباكات محدودة تؤدي بنظرهم إلى إنعاش زعامة سعد الحريري وتنقذ الحريرية السياسية من تراجعاتها المتواصلة مع إعادة الإمساك بحركة 14 آذار المتهالكة، وذلك بجذب كل المتساقطين منها وهذا يؤدي برأيهم إلى إعادة نصبها تياراً سياسياً كما كان بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري يستقوي بمذاهب وطوائف على أحزاب وطنية ومذاهب مقابلة.

لتحليل ما جرى يمكن البدء بالبسيط فيه:

هل أصيب وئام وهاب برعب جراء الاضطرابات متراجعاً إلى مرحلة تأييد النهج الحريري؟ بالطبع لا. حتى أنه وعد بمؤتمر صحافي يكشف فيه عن مستوى نهب المال العام، مؤكداً انه ناتج من سيطرة الحريرية على لبنان منذ 1990، وهو تاريخ مباشرة الرئيس رفيق الحريري العمل السياسي.

لجهة اعتذاره عن بعض الشتائم غير الأخلاقية. فهذا عمل يُحسب له وليس عليه لأنه ينم عن أخلاق عالية يتمتع بها الرجل الذي أُصِيب بنوبة غضب بسبب التشكيك بأبيه ونسبه البيولوجي.

على مستوى حزب الله وحركة أمل فلا يزالان متمسكين بمواقفهما لجهة تمثيل كل القوى الوطنية في الحكومة المرتقبة ويُسهمان في ضبط الشارع ومنع التصادم العشوائي الذي لا تُحمد عادة عقباه.

بذلك يظهر أن حزب التوحيد وحركة أمل وحزب الله تبنوا موقفاً شديد الهدوء على مستوى ضبط أي تحركات شعبية لكنهم لجهة الموقف السياسي تمسّكوا بمطالبهم في تشكيل الحكومة ورفعوها أكثر من أي وقت مضى حتى أن الأحزاب الوطنية والقومية بدأت تعترض على قبول حلفائها بسبعة وزراء فقط في حين أن أحزاب ما كان يسمى 8 آذار تسيطر على نحو 45 نائباً وتتمثل حسب ما طبقه الحريري على الأحزاب الموالية له في المستقبل والقوات والاشتراكي بإثني عشر وزيراً، وبذلك يحق لحزب الله وتحالفاته الوطنية والقومية مع تنظيم المردة باثني عشر وزيراً ونيّف أي بتمثيل متشابه لأن لديه 45 نائباً أيضاً.

فهل يستطيع الشارع الحريري فرض معادلات حكومية لمصلحة «السعد»؟ وهذا يفترض تراجع كتلة نواب السنة المستقلين عن إصرارهم على حيازة مقعد وزاري، وكانوا يقبلون قبل التظاهرات الليلية المعادية لهم أن يكون المقعد الوزاري من دون حقيبة، لكنهم قرروا بعد الاضطرابات مباشرة أن يصروا على مقعد وزاري بحقيبة وازنة استناداً إلى حجمهم الذي يصل إلى خُمس عدد النواب السنة في المجلس النيابي وهناك أربعة نواب سنة إضافيون خارج تكتلهم نجحوا بدورهم في لوائح نافست اللوائح الانتخابية الحريرية فيصبح النواب السنة خارج حزب الحريري نحو 44 في المئة من 27 نائباً هم مجموعة في المجلس النيابي، فهل تبيح هذه الأرقام للشيخ سعد احتكار الحصة السنية في الحكومة المقبلة؟

من زاوية أخرى، هل يمكن الاعتقاد أن الشيخ سعد رفع من مستوى زعامته على السنة؟ أي هل أصبح «بيْ» السنة كما وصف نفسه في واحد من خطبه الأخيرة؟ علماً أن حزبه المستقبل يقدم نفسه حزباً علمانياً فيه مسيحيون وشيعة ودروز.

المعلومات تقول إن الرئيس الحريري ترجم خطة سعودية من دون أن يعرف هدفها توتير الوضع الداخلي، وتقوم على أساس أن استفراد وئام وهاب يؤدي تلقائياً إلى اشتباك مع حزب الله على الأقل يربك الحزب لبنانياً، وبالتالي في حركته الإقليمية وقد يعطل دوره بنيوياً.

أما الأهداف الأخرى للخطة فتتعلق بضرورات تحشيد السنة حول مرجع داخلي واحد هو الحريري يلتفُ حوله كل القيادات السنية الموالية والمتمردة على السواء.

أما الهدف البعيد فيرمي إلى إعادة مركزية الدور السعودي في الشارع السني ودور الإفتاء والمرجعيات السياسية، وذلك بعد التراجع النسبي لآل سعود في العالم واهتزاز صورة ولي العهد محمد بن سلمان المتهم بإصدار أوامر باغتيال الإعلامي جمال الخاشقجي في تركيا.

إن مجمل الأهداف المنشودة حريرياً وسعودياً لن تتحقق بمجرد أعمال شغب اقتصرت على فئات ترتبط مالياً وغريزياً بمشغليها، في حين أن فئات السنة بمختلف انتماءاتها الطبقية لهي من الجماعات المفكرة الشديدة الاحترام التي لا تقبل باستخدامها في عمليات تحشيد قد تؤدي بالمنجذبين إليها إلى السقوط في الهاوية، أما استنكار القيادات السنية والوطنية لبعض ما قاله وهاب فلا يعني أبداً تأييد تفجير البلاد لمصلحة سياسيين يتراجع دورهم السياسي نتيجة فشلهم في الإدارة السياسية الحريرية التي لا تزال تسيطر على لبنان منذ 28 سنة واستدانت مئة مليار دولار ذهب معظمها إلى جيوب السياسيين من كل الطوائف، فيما جرى إنفاق القليل منها على رواتب وبنى تحتية قليلة.

الحكومة إلى أين؟ أنها معتقلة في السجن السعودي الذي يطرح بواسطة ممثليه المحليين واحداً من أمرين: سيطرة آل الحريري مع حلفائهم على الحكومة المقبلة، أو السكوت على تعطيلها حتى بروز متغيرات دولية وإقليمية تعيد البريق إلى وجه محمد بن سلمان المُكتئب والمصاب بإحباط دراماتيكي.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/12/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد