آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

فرص نجاح اتفاق وقف إطلاق النار في سورية تبدو ضئيلة جدا.. واحتمالات الانهيار المبكر هي الأكبر

 

 عبد الباري عطوان

 

من المفترض أن يبدأ تطبيق اتفاق وقف النار في مختلف أنحاء سورية منتصف ليل الجمعة السبت، ولكن معظم الدلائل تشير إلى أن فرصه في التطبيق على الأرض تبدو شبه معدومة، فالهجمات السورية الروسية الجوية والبرية ستستمر ضد “الجماعات الإرهابية”، وهذه الجماعات سترد حتما، وتركيا، ومثلما أكد رئيس وزرائها احمد داوود اوغلو، لن تلتزم بالاتفاق وستواصل قصفها للجماعات التي تعتبرها بدورها إرهابية، مثل قوات حماية الشعب الكردية التي تحظى بدعم أمريكي.

 

هذا أغرب اتفاق لوقف إطلاق النار يتم التوصل إليه في تاريخ منطقة “الشرق الأوسط”، وربما الكرة الأرضية، لان من توصل إليه دولتان عظميان، ودون التشاور أو التنسيق مع “اللاعبين” الأساسيين على الأرض، أو حتى “الهامشيين” داخل سورية أو في المنفى، وفوجئت به الدول الإقليمية.

 

***

“الدولة الإسلامية” تلتزم الصمت تجاهه، ربما لأنها غير معنية به، لكن شقيقتها بـ”الرضاعة” من ثدي “القاعدة” كانت الأعلى صوتا، عندما خرج السيد أبو محمد الجولاني زعيم “جبهة النصرة” ببيان صوتي وصف الاتفاق بـ”الهدنة المذلة” و”المخزية”، وطالب الفصائل المقاتلة لرفضه، وقال “احذروا خديعة الغرب وأمريكا.. واحذروا مكر الرافضة والنصيرية.. الجميع يدفعكم للعودة لعهد الطاغية نظام الأسد الظالم”، و”جبهة النصرة تتشكل من شبكة من الأذرع العسكرية والفصائل، وبعضها ينضوي تحت مظلة “معارضة الرياض” التي أيدت الاتفاق.

 

رد فعل زعيم تنظيم “النصرة” يعكس حجم المخاطر التي يواجهها هذا التنظيم في المستقبل القريب في جبهات القتال، فاتفاق الهدنة استثناه، وأعطى الضوء الأخضر، بل و”الشرعية”، لمواصلة روسيا غاراتها الجوية ضد مواقعه، ولاستعادة ادلب وجسر الشغور ومناطق أخرى في شمال حلب التي يسيطر عليها “جيش الفتح”، أحد اذرعه العسكرية، مدعومة بقوات نظامية سورية على الأرض حققت انجازات كبيرة في ريف حلب الشمالي في الأسابيع الأخيرة.

 

الخلافات بدأت تطفو على السطح بين الرئيس بشار الأسد وحليفه الروسي حول العملية السياسية، والفترة الانتقالية، الأمر الذي دفع الرئيس السوري إلى الإقدام على “ضربة استباقية”، أثارت غضب هذا الحليف، عندما اصدر مرسوما بالدعوة إلى انتخابات برلمانية في أواخر شهر نيسان (أبريل) المقبل، ولكن الطرفين متفقان على مواصلة الحرب على الإرهاب ومنظماته، وعلى رأسها تنظيمي “النصرة” و”الدولة الإسلامية”، الأمر الذي قد يؤجل أو “يجمد” هذه الخلافات إلى حين.

 

الموقف على الأرض لن يتغير والغد سيكون مثل الأمس، والشهر المقبل مثل من سبقه، واتفاق إطلاق النار يذكرنا بآلاف مثله إثناء حروب الشرق الأوسط، خاصة في لبنان واليمن وليبيا والعراق وإيران، فكيف سيطبق ويحظى بأي فرص للنجاح وهناك أكثر من 250 تنظيما سوريا مسلحا على الأرض على الأقل، في ظل تداخل جغرافي بين هذه التنظيمات، وانعدام الرقابة على الأرض، وآلياتها لمعرفة من التزم، ومن لم يلتزم، ففي الكيلومتر المربع الواحد يمكن أن تكون هناك سيطرة لأكثر من تنظيم.

 

سورية تنجرف بسرعة نحو “الخطة ب” التي تحدث عنها، وهدد بها، جون كيري وزير الخارجية الأمريكي قبل بضعة أيام في حال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، أي غزو بري سعودي تركي مدعوم أمريكيا، وتقسيم جغرافي وديمغرافي لسورية، فالوزير كيري قال في شهادته أمام الكونغرس قبل يومين انه لا يوجد أي ضمان لنجاح وقف “الأعمال القتالية” بينما طالبه نظيره الروسي سيرغي لافروف بالكف عن الحديث عن خطط بديلة وعمليات برية ومناطق منزوعة السلاح، مثلما انتقد، أي لافروف، تصريحات الرئيس باراك اوباما التي أدلى بها يوم الخميس (أمس) عن ضرورة تنحي الأسد في حال التوصل إلى سلام دائم.

 

***

هذا اتفاق لوقف إطلاق النار لا يريده، ولا يحتاجه احد، ويتمنى الجميع فشله، والموافقة عليه تأتي من قبيل “سد الذرائع″ وفي إطار سياسة كسب الوقت، ومحاولة تجنب الأسوأ، أي الحرب الإقليمية التي قد تتطور إلى حرب أممية، فالوضع في سورية خرج عن السيطرة، بشقيها السياسي والعسكري.

 

المهم الآن هو شكل ومضمون السيناريو الذي سيكون عليه المشهد السوري بعد الفشل المتوقع لهذه الهدنة، وربما سيكون دمويا ومرعبا في معظم جبهات القتال، ولعل وصول الطائرات السعودية المقاتلة إلى قاعدة انجرليك التركية، وفي مثل هذا التوقيت، هو احد مقدماته، وكل ما يقال إن هدفها، أي الطائرات السعودية، الحرب على “الدولة الإسلامية” هو غطاء لهدف آخر هو “التقسيم الجغرافي” لسورية، وأنشاء كيان سني “جديد في الرقة ودير الزور والحسكة، ويكون امتدادا لآخر في الموصل.

 

هل ينجح هذا المخطط؟ وهل ستعترض الصواريخ الروسية من طراز اس 400 هذه الطائرات السعودية ونظيرتها التركية، وهل ستقف الولايات المتحدة وإدارتها مكتوفة الأيدي تراقب الموقف عن بعد؟ وما هو رد فعل تركيا ورئيسها أردوغان؟ هل ستكون حربا روسية تركية سعودية؟ أم حربا عالمية روسية أمريكية؟

الأسابيع المقبلة قد تحمل أجوبة على هذه التساؤلات.

 

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/02/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد