آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إبراهيم الأمين
عن الكاتب :
صحفي لبناني ورئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية

من «سلامة الجليل» إلى «درع الشمال»: قتال المهزوم


إبراهيم الأمين  

ماذا في مقدور العدو أن يفعل، إذا كان عاجزاً عن تحمل كلفة حرب مفتوحة مع حزب الله؟ (أ ف ب )

سألت ضابطاً في المقاومة الإسلامية: هل ضعف عدوّنا إلى هذه الدرجة؟ أجابني: لا لم يضعف، لكن الواقف قبالته صار قوياً!

السؤال فرضته إجراءات العدو القائمة منذ أسبوع، تحت عنوان «درع الشمال». والمسألة، هنا، ليست التنمّر على عدو قوي وحاقد، حقق نقطة استخباراتية في كشف ما أعلن عنه، لكنها تكمن في المتغيرات الجوهرية التي طرأت على معركة تقترب من مفترق أساسي في سياق مشروع إزالة إسرائيل من الوجود. وكل ما علينا، ليس التحديق إلى صورة إسرائيل التي عرفناها قوية جداً، بل التركيز على الثقب الكبير في روحها، حيث باتت خطواتها العملانية، عسكرياً وأمنياً وإعلامياً ودبلوماسياً، تشبه بعض العرب في زمن الهزيمة الذي أفل إلى غير رجعة.

منذ توقف العمليات العسكرية في 14 آب 2006، وإسرائيل تعاين، يومياً، استثماراً غير مسبوق من جانب حزب الله لنصره الكبير. والاستثمار بالنسبة إلى الجهات الحرفية في تل أبيب، لا يتعلق بموجة التعاطف والتأييد الشعبي له، ولا في تقدمه سياسياً داخل لبنان، بل في كيفية انتقاله، مرة واحدة، من هيكل القوة المنظّمة التي تقوم عقيدتها على الدفاع وإفشال خطط العدو، إلى هيكل القوة المنظّمة والقوية أكثر، والتي تضم عقيدتها بند القتال الهجومي، ونقل المعركة إلى أرض العدو. وخلال السنوات الـ12 الماضية، كان العدو يقوم بكل ما يقدر عليه، لمنع تراكم القوة لدى المقاومة. لكن يأسه من تحقيق الهدف، جعله يعمل على توظيف قدرات غيره في معارك مختلفة مع المقاومة. ومع كل استحقاق، كان العدو يعود ليدرك أن مشكلته لا تعالج بواسطة الغير. وها هي حرب سوريا وأزمات العراق واليمن، وكل مشاكل لبنان الداخلية، لم تأت للعدو بما يأمله، بل على العكس، صار لزاماً عليه التعامل بنفسه مع قوة، يقول هو، إنها أقرب إلى جيش يملك القدرة على الصمود والإيلام.

لسنا نحن من يريد معالجة أزمة الخيارات عند العدو. لكن، يمكن تلبّس عقل العدو في هذه الأثناء، في محاولة لفهم ما يقوم به.

«متى توافرت القدرة والإرادة للقيام بعمل عسكري كبير، فإن إسرائيل لن تحتاج إلى ذريعة لشن عدوان جديد على لبنان»! هذه قاعدة ثابتة في عقل كل من ينخرط فعلياً في الصراع العربي – الإسرائيلي. لكن، متى تتوافر هذه القدرة والإرادة؟ ليس في إسرائيل، اليوم، من يجرؤ على الإجابة. لا يقدر سياسيوها ولا عسكريوها ولا أمنيّوها، ولا كل من هو في موقع القرار ومطّلع على المعطيات، على ادعاء معرفة الجواب. لكن كل من في إسرائيل يعرف انه لا يمكن الركون إلى هذا الإحباط، وأنه يجب القيام بأي شيء، في سياق ما يفترضونه معركة احتواء قوة حزب الله.
دلّت حرب عام 2006 على نقطة جوهرية في الصراع الاستخباراتي مع العدو. في تلك الأيام، أعلن دان حالوتس، رئيس الأركان، عن عملية الوزن النوعي، التي قام بها سلاح الجو ضد ما اعتقد العدو أنها مخازن الصواريخ الأساسية للمقاومة. لم تمض أيام قليلة، حتى تيقن العدو أن تقديره لم يكن دقيقاً. والخلاصة التي توصل إليها الحرفيون لدى العدو تقول: يبدو أن عدونا يعلم ما نعلمه عنه. بل قد يكون عدونا ضللنا بأن أعلمنا بما أراد لنا أن نعتقده الكنز الثمين، ووقعنا في الفخ!

اليوم، يتصرف جيش الاحتلال وقيادته استناداً إلى معطيات استخباراتية حول تموضع المقاومة على طول الحدود مع فلسطين. قرّر العدو، فجأة، أن يوافق المستوطنين على وجود أنفاق. يقول موشي يعلون، وزير الحرب الأسبق، إن الكذب ليس فيه مشكلة. لقد نفيت وجود أنفاق قبل عامين، رغم أنني كنت أعلم بوجودها. بنيامين نتنياهو لا يريد أن يكذب هذه المرة، لكنه قرر التخلي عما يفترض أنه «سر استخباراتي ثمين» بالكشف عن الأنفاق وتدميرها من الناحية الجنوبية. لكن لا نتنياهو، ولا قيادته العسكرية، يجيبان عن أسئلة الجمهور: هل أن ما تعرفونه هو كل شيء عند الطرف المقابل؟ وماذا لو كان حزب الله يعلم بأنكم تعرفون بوجود هذه الأنفاق؟ وكيف لنا أن نتأكد من عدم وجود المئات من هذه الأنفاق على طول الحدود؟ ثم لماذا لم تتركوا هذه المعلومات للاستخدام في الحرب المقبلة، مثل أن تفخخوا النفق، وتفجروه في حالة استخدامه من قبل حزب الله؟...

إذا كان مبدأ حفر الأنفاق صار واقعاً في عقل العدو إزاء طريقة عمل حزب الله، فكيف سيكون العمل على مسح الحدود متراً متراً من أجل ضمان عدم وجود أنفاق مخفية؟ ومن قال إن حفر نفق قبل عشرة أعوام، يشبه حفر نفق قبل بضعة أعوام فقط، أو قبل بضعة شهور، أو قبل بضعة أسابيع؟ ومن قال إن الأنفاق يشبه بعضها بعضاً، كما هي التربة وطبيعة الأرض التي لا تتطابق في كل الأمكنة؟ وكم من الوقت تحتاج إسرائيل للخروج إلى شعبها معلنة انجاز المهمة؟ وكيف سيعيش المستوطنون مع أسابيع وأشهر طويلة من الحياة الخاضعة تماماً لمزاج ضابط عسكري؟ وكم ستصرف موازنات من الجيش ومن المؤسسات المدنية لمواجهة هذا الاستحقاق؟ وفي النهاية، فإن في قيادة العدو الحقيقية من يقول، عن وعي، إن الأنفاق، على أهميتها الاستراتيجية أو التكتيكية، ليست هي الخطر الحقيقي الذي تخشاه إسرائيل.

هاجس العدو المركزي الحصول على موقف عالمي ضد حزب الله ومحاولة تعديل القرار 1701 واستئناف الخلاف بين اللبنانيين

لكن بعيداً عن الضجيج، والى جانب الحذر القائم من احتمال ارتكاب العدو حماقة على شكل خطأ، ينتج عنه ما لا يريده احد اليوم، فإن تل أبيب تسعى إلى مكاسب سياسية مباشرة من خلف هذه العملية، وهي تريد النتائج السياسية، لأنها ببساطة باتت تعلم علم اليقين انه لا يوجد في الجهة المقابلة لها، من يقدر على إدخال أي تعديل، شكلي أو هامشي أو ثانوي، في برنامج عمل المقاومة العسكري والأمني العامل من دون توقف. وقد لاحظت استخبارات العدو، خلال الأسبوع الماضي، كيف تصرف حزب الله على الحدود، لكنهم، لن يتحدثوا لشعبهم عن الأمر!

والثمن السياسي المتاح الآن، هو منع اللبنانيين أولاً، ودول المنطقة ثانياً، وعواصم القرار العالمي ثالثاً، من التصرف وكأن حزب الله بات قدراً لا قدرة عليه. العدو هنا، يسعى بكل قوته لأن يعيد المقاومة بنداً خلافياً داخل لبنان. صار العدو يقبل بأن يخرج سياسي أو إعلامي فقط، ويعترض على سلاح المقاومة. هو يريد ضجة في لبنان، لكنه لا يحصل عليها. وهو في المقابل يريد من حلفائه في فلسطين وسوريا والدول العربية البقاء في حالة استنفار، على خلفية أن حزب الله يشكل عنصر تهديد لهم قبل أن يكون عنصر تهديد لإسرائيل. والعدو يريد من أوروبا ودول العالم التصرف مع حزب الله على أنه جسم منبوذ، لا فائدة من الحوار معه أو التعامل معه حتى كأمر واقع. العدو يريد أن تساعده الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في موجة إدانة عالمية لحزب الله. يريد أن يعيد النقاش في الأمم المتحدة حول القرار 1701، وما إذا كان بالإمكان تعديل القرار وإضافة بنود تجعل القوة الدولية قادرة على تولي حماية الحدود. والعدو يسعى إلى إقناع أوروبا بأن تصنف الحزب كله كمنظمة إرهابية، ومن ثم منظمة إجرامية. والعدو يسعى إلى جعل العرب المتحالفين معه يقومون بالأمر نفسه، وأن يجعلوا حزب الله عدواً لشعوبهم، وأن يحظروا التعامل معه أو النطق باسمه أو الدفاع عنه. وهم يسعون مع الغرب لأن يفرضوا حظراً عالمياً على حزب الله، لاعتقادهم أن ذلك يفيدهم في لحظة المواجهة الكبرى، وهم يدركون انه جهد لا طائل منه.

لكن، ماذا في مقدور العدو أن يفعل، إذا كان عاجزاً عن تحمل كلفة حرب مفتوحة مع حزب الله؟ وماذا بمقدوره أن يفعل إذا كان جيشه لا يضمن نصراً، لا سريعاً حاسماً ولا ناصعاً، إن فتحت النار على جانبي الحدود.

الذين لم يتعرّفوا على إسرائيل الجديدة، يمكنهم العودة إلى الخلف مسافة ست وثلاثين سنة. عام 1982، قامت إسرائيل بأكبر عملية عسكرية تحت عنوان «سلامة الجليل». هذه «السلامة» جعلت العدو يتذرع بجروح أصابت دبلوماسياً إسرائيلياً، لشن حرب قادت إلى احتلال بيروت، وسعي إلى طرق أبواب الشام يومها. أما اليوم، فإن هذه «السلامة» تحتاج إلى كل أنوار العالم للإضاءة على مشهد اكتشاف نفق، يمتد بضعة أمتار داخل فلسطين المحتلة، وفي مكان منبسط، يعرف العدو أنه ليس فيه أي مانع طبيعي، أو بشري، لقيام عشرات المقاتلين بالتقدم، سيراً أو بدراجاتهم أو بسياراتهم العسكرية أو المدنية نحو قلب الجليل. والمخيال لدى العدو، ليس فقيراً إلى درجة أن يقنع نفسه بأن تدمير نفق كفركلا، يقفل بوابة تحرير فلسطين! 

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/12/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد