آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

هل يعودُ الكردُ إلى دولتهم السورية؟

 

د. وفيق إبراهيم

الأكراد اليوم في أزمات خانفة، هم حلفاء الأميركيين في شرق الفرات السوري وبعض أنحاء الشمال في آليات عسكرية وسياسية تغطي أدوار الاحتلال الأميركي في الأزمة السورية.

هؤلاء الكرد السوريون مهدّدون حالياً من تركيا حليفة الأميركيين أيضاً في الحلف الأطلسي ويقول الرئيس التركي أإطار ردوغان إن جيشه بصدد الهجوم على شرقي الفرات في الأيام القليلة المقبلة لتدمير «قوات سورية الديمقراطية» «قسد الإرهابية»، كما يقول وهي الآلية الكردية العسكرية التي بناها الأميركيون للسيطرة على المنطقة وتفتيت سورية وتسعير نار الأزمة.

فهل أصبح أردوغان مهتماً بمنع التفتيت وهو الذي يحتل جيباً حدودياً مساحته عشرة آلاف كيلومتر مربع تقريباً بالإضافة إلى محافظة أدلب وعفرين ومناطق أخرى محاذية.

النقطة الثانية الضاغطة على الأكراد هم إرهابيو داعش ومثيلاته، والغريب أن الأميركيين قادرون على إنهاء الإرهاب في كامل سورية في أسبوع فقط، ومنذ سيطرتهم على سبعين في المئة من مساحتها قبل سنوات عدة.

لكنهم يفضّلون مناوشتهم لاستعمالهم في الضغط على عدوة الإرهاب الأولى الدولة السورية.

وبذلك يتكوّن المشهد: أميركيون يستثمرون في الإرهاب والأكراد والأتراك، بيد أن الأتراك الذين يشكلون تاريخياً جزءاً هاماً من النفوذ الأميركي لديهم اهتمامات خاصة قد تتعارض أحياناً مع اهتمامات واشنطن ويُصادف أن الكرد نقطة خلاف أساسية بينهما في الوقت الحالي فقط. فواشنطن تسعى لاستثمارهم في إيران وسورية والعراق وربما لاحقاً في تركيا نفسها، وأنقرة تعرف أن خطر إنشاء كانتون كردي شرق سورية وشمالها، يُعرّضها للتفتيت الحتمي وربما إلى انهيار تركيا الدولة التاريخية.

فهل إعلان أردوغان لحربه الوشيكة على الأكراد في شرق الفرات يحظى بموافقة أميركية أو بغض طرف منهم لتأزيم الوضع في الشمال السوري بما يؤدي إلى مزيد من تعطيل التفاهمات الروسية التركية الإيرانية؟

يبدو أن إعلان الحرب التركية وكأنها ردة فعل على نصب الأميركيين نقاط مراقبة لهم في الشمال عند الحدود السورية التركية بذريعة مراقبة تسلل الإرهاب وهذه ذريعة يستعملها كل الذين يحتلون أراضي سورية: «إسرائيل» قالت إنها تضرب الإرهاب في سورية وكذلك فرنسا وأميركا وتركيا والسعودية والأردن وقطر وتبين أن الدولة السورية مدعومة من الروس والإيرانيين وحزب الله، هؤلاء هم الذين أبادوا الإرهاب من سبعين في المئة من أراضي الدولة. ولم يبق إرهاب إلا في القسم الذي يحتله الأميركيون والأتراك وقوات قسد الكردية. فهل عجز كل هؤلاء عن القضاء عليهم أم أنهم يناوشونهم على طريقة المحافظة على استمرار الأزمة وليس إجهاضها فيظهر بالاستنتاج أن الأميركيين يقفون وراء كل ما يحدث في شمالي سورية وشرقها، وإذا كان الجميع يعرف هذا الأمر أفلا يدركه الأتراك؟

فلماذا يجازفون إذاً بحملة ضد الكرد في «مناطق سورية الأميركية» إذا كانوا متأكدين أن الأميركيين لا يقبلون بهذا الهجوم؟

يعتقد الأتراك حسب معلوماتهم من اتجاهات البيت الأبيض المختلفة أن واشنطن لا تمانع بإنشاء مناطق فيها جيش تركي في شمال سورية والأقسام الشرقية الملاصقة لها مع بعض أنحاء الغرب.

فبذلك يتكون مشهد يعاود التأسيس لاستمرار الأزمة السورية وذلك طيلة الوقت الذي تحتاجه الإدارة الأميركية لمنع انهيار نفوذها في الشرق الأوسط، ولكي لا يحدث صدام تركي كردي تفصل قوات أميركية فرنسية بينهما، ما يؤدي إلى تشكل كانتون كردي في وسط الشرق وعمقه نحو الجنوب يلعب الدور الفعلي الذي تريده واشنطن منه، وهو التغطية الكردية للاحتلال الأميركي للحدود السورية العراقية، وإلا فعرقلة الحركة فيها بما يعطّل إمكانية تنسيق سوري عراقي كبير يخشى الأميركيون من مفاعيله على نفوذهم في كامل هذه المنطقة. الأكراد إذاً ومن جديد وسط مطاحن لعبة الأمم: مشاريع أميركية وفرنسية على قياس الشرق الأوسط، وأحلام عثمانية وإخوانية تمسك بالعقل التركي مقابل إصرار روسي إيراني على دعم الدولة السورية في مشروع استكمال سيطرتها على كامل أراضيها المحتلة من الفريق الأول ودعم سعودي إماراتي مفتوح لكل من يعمل على تفتيت سورية.

وهذا يكشف أن الأكراد ورقة للاستخدام في إضعاف الدولة السورية إلى الحدود التي لا تثير غضب الأتراك، أي لن تسمح واشنطن بنشوء كيان كردي يؤدي فوراً إلى حرب حقيقية مع تركيا، قد تدفع بأنقرة إلى حلف عسكري وسياسي مع روسيا والصين كانت قد بدأت به اقتصادياً بالسيل التركي الذي يربط الغاز الروسي بأسواق أوروبا عبر تركيا بطاقة 32 مليار م. مكعب نِصفها لأسواقها الداخلية.

وللمزيد من الضغط على الموقف الأميركي أعلنت أنقرة عن اتفاقها مع روسيا على شراء منظومة دفاع جوي متطوّرة هي «اس 400» تعتبر الأحدث بالعالم.

فمن تختار واشنطن عندما يَحمى الوطيسُ؟

الأتراك أم مشروع كردي داخلي لا إمكانيات له لإنشاء دولة فعلية لأنه لا يملك حدوداً بحرية أو جوية أو برية، أي مجرد سجن مغلق ويقتصر دوره على تسهيل السيطرة الأميركية على آبار النفط في شرق الفرات، ومساومة الدولة السورية على مشاريع إعادة الإعمار والغاز وهذا يتطلب نسف المشروع الكردي كما حدث معه عشرات المرات منذ مطلع القرن الماضي عندما باعه الفرنسيون والبريطانيون والترك وإيران الشاهنشاهية و»إسرائيل» وذلك عند كل نهاية للأزمات الإقليمية.

فهم مجرد أدوات للاستخدام الإقليمي غير قابلة للتشكيل على أي مستوى، وحدها الدولة السورية بوسعها التعامل مع المشروع الكردي في الشرق على أساس أنه جزء من الدولة السورية يمكن أن يعبر عن بعض خصوصياته في إطار الفدرالية. وهذه ميزة لا تملك إلا سورية حق منحها للأكراد لأنها صاحبة الدار، فهل يتنبه الأكراد ويرفضون استخدامهم ضد الدولة السورية؟

هناك تيارات كردية موالية للدولة ولها مكانتها، تبقى «قسد» وجناحها السياسي، فمتى يعودون إلى الدولة السورية بقرار منهم وليس نتيجة موازنات قوى خاسرة؟ فتصبح سورية بكاملها في مواجهة المشروع التركي الأميركي؟

وهذا لم يعد بعيداً كما تشير الأحداث المتتابعة. 

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/12/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد