آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. جلال جراغي
عن الكاتب :
صحفي وباحث إيراني

هل سياسة السعودية تتغير تجاه إيران بتغيير وزير خارجيتها؟‏

 

د. جلال جراغي

القدر المتيقّن أنّ الهدف الكامن وراء أي تغيير في مؤسسات القرار في أي بلد كان، هو تغيير المقاربات ‏السياسية داخلياً وخارجياً لذلك ‏البلد، بعبارة أخرى، إنّ التغيير الذي يطال كبار الأشخاص والمسؤولين في حكومة أي بلد، بحد ‏ذاته، يشكل مؤشراً على تغيير في ‏توجهات مستقبلية لذلك البلد. وانطلاقاً من ذلك، يمكن الإشارة إلى أن التغييرات التي عصفت مؤخراً بمجلس الوزراء السعودي ‏لاتدل إلا ‏على مسألتين: ‏الأولى هي أن السياسات المعتمدة للحكومة السعودية أحبطت في تحقيق توقعاتها إن لم تكن منيت بالفشل الكامل والثانية منها هي أن السياسات المتبعة تتم تغييرها تماشياً مع ‏المصالح العلياء للبلد وأجندات مؤسسة القرار الأعلى، وبناء على ‏هذا، إن التعديل الأخير في مجلس الوزراء السعودي حصل في هذا السياق التحليلي.‏

وفي هذه المقاربة الجديدة التي لجأ إليها الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، بهدف إعلان تغيير المسار السياسي للحكومة، كان وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، في صدر قائمة الذين تم استبدالهم بأشخاص آخرين. 
وتمت إقالته وتخفيض مكانته رغم أنه كان معروفاً بدفاعه الشرس عن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خاصة ذلك المتعلق بقضية مقتل الصحافي السعودي المنتقد لسياسات بلاده، جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في اسطنبول تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكذلك دفاعه المستميت عنه في شتى القضايا الإقليمية والدولية، إلا أنه كذلك تم تغييره، والسبب في ذلك، أنه لم يستطع كما كان ينبغي تحقيق التوقعات والسياسات العريضة للسعودية، ومن ناحية أخرى، قام الملك السعودي بهذا التغيير، بهدف الإعلان للداخل والخارج أن الخطوط العريضة السياسية لبلاده تم تغييرها، غير أن التغيير الوزاري، في الواقع، تم بهدف إخراج البلد وولي عهده من عنق زجاج الأزمات الخانقة على المستوى الإقليمي والدولي وتعزيز مكانته الذي تضعضع بسبب هذه الأزمات وكذلك أراد (الملك) إرسال رسالة إلى العالم مدلولها هو أن المسار الإصلاحي المتبع من قبل ولي العهد لم ولن يتوقف.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الصدد بعد إقالة الجبير واستبداله بـ«إبراهيم بن عبدالعزيز العساف»، المعتقل سابقاً في «ريتز كارلتون» هو ما إذا كان هذا القرار سيؤدي إلى تغيير في مقاربة السياسة الخارجية للسعودية، خاصة إزاء إيران أم أن سياسة الرياض في هذا المجال لن تتغير وستستمر على ما كان عليه من ذي قبل ؟ ولا شك أن هذا التغيير فتح المجال أمام تكهنات واسعة خاصة للإجابة على هذا السؤال.

وأما حول إقالة الجبير، فينبغي الإشارة إلى تعليقات تمت طرحها، من بينها إحباط السياسات الإقليمية السعودية بدءاً من اليمن ومروراً بالعراق وسوريا ولبنان ووصولاً إلى قضية مقتل جمال خاشقجي، وكان الجبير دوماً عدواً لدوداً لإيران ومحور المقاومة وكان يلعب دوره في هذا المجال بشكل ممتاز. وعلى هذا، لايمكن أن يكون سبب إقالته المقاربة السياسية الجديدة للحكومة السعودية حيال القضايا الإقليمية والدولية. وكما أن عادل الجبير كانت له اتصالات وعلاقات وثيقة مع جميع الدوائر الصهيونية في الولايات المتحدة وإنها رحبت بتعيينه وزيراً للخارجية السعودية عام 2015، ذلك أنه كان يهاجم على إيران وسياساتها الإقليمية إرضاءً لهذه الدوائر. وفي هذا الاتجاه، جدير بالإشارة إلى أن إقالته لا تعني تغيير الخطوط العريضة للسياسات الخارجية السعودية وكذلك لاتشكل هذا الخطوة تغييراً جوهرياً في سياساتها إزاء منطقة الشرق الأوسط بأسرها ومن ضمنها إيران، وإنما ليست هذه التغييرات في الحكومة السعودية إلا تغييرات في الشكل والتكتيك حسب العرف السياسي التي الهدف الكامن ورائه تهدئة الأمور الداخلية وكذالك إخراج البلد من عنق زجاجة الأزمات الراهنة على المستوى الداخلی والإقليمي والدولي. أضف إلى ذلك، إن كافة صلاحيات اتخاذ القرار جمعت بيد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بصفته الحاكم الفعلي للبلاد، حيث أنه هو الذي يعين نوعية سياسة خارجية بلاده لا وزارة الخارجية ومن فيها، وبالتالي، فإن في مجال تحديد مقاربة السياسة الخارجية للسعودية وأجنداتها على المستوى الإقليمي والعالمي، ليس هناك فارق بين الجبير والعساف، مضافاً إلى ذلك، أن الجبير لم يبتعد بشكل كامل عن الجهاز الديبلوماسي والسبب في ذلك قد يرجع إلى نشاطاته المستقبلية في مجالي الإعلام و السياسة. أضف إلى ذلك كله، يبدوا أن سبب تعيين العساف للوزارة الخارجية يرجع إلى الأهداف الاقتصادية الكامنة وراء هذا القرار وعجز الموازنة السعودية وبناءاً على ذلك، تم تغيير بوصلة السعودية من الأمور الأمنية والسياسية إلى الأمور الاقتصادية.

وفي المحصلة، يمكن القول بأن سياسة السعودية الخارجية في ظل تعيين العساف للوزارة الخارجية لن تتغير حيال إيران بالنظر إلى اعتبارات وأجندات عدة على المستوى الإقليمي والعالمي، منها ما يرجع إلى خطة واشنطن للسلام في الشرق الأوسط وتعرف إعلامياً بـ «صفقة القرن» والجهود الجبارة التي يبذلها الكيان الإسرائيلي لتطبيع علاقاته مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية كمرتكز أساسي لسياساتها في هذا الاتجاه، وبناء على ذلك، إن السعودية لن تغيير سياستها الخارجية تجاه طهران، ذلك أن الغاية الحقيقية للمملكة العربية السعودية هي إقامة تحالف استراتيجي مع إسرائيل ضد إيران ومصالحها في المنطقة وبناء على ذلك، لا يمكن أن تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران في نفس الوقت.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/01/01