آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
بسام أبو شريف
عن الكاتب :
أحد المستشارين السابقين للراحل ياسر عرفات . وهو من مؤسسين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . صاحب وثيقة أبو شريف حول السلام .

بولتون وبومبيو يتنقلان في الشرق الأوسط لشرح استراتيجية الولايات المتحدة ولتوزيع الأدوار.. وهذه تفاصيل الخطة في سورية والعراق

 

بسام أبو شريف

الأزمة الداخلية التي يعيشها دونالد ترامب مع مجلس النواب الأميركي لاتؤثر على توجهاته العدوانية في الشرق الأوسط ، وهذا مايدفعه لاتخاذ قرارات حساسة على الصعيدين الداخلي في الولايات المتحدة والخارجي للسير قدما في مخطط العدوان بالسلاسة والخبث الممكنين ، وهو رجل مسرحي يرتكب الجريمة بغطاء يشد الأنظار بعيدا عنها .

اقتنع دونالد ترامب بأن انتصارات الجيش العربي السوري ، وحليفه الأساسي روسيا جنبا إلى جنب مع حلفائه الإيرانيين ، ومعسكر المقاومة العربية المتمثل بحزب الله ، اقتنع بأن السيطرة الأميركية الإسرائيلية على سوريا غير ممكنة ، وأن إسقاط النظام غير ممكن وأن لأهدف استراتيجي لوجود القوات الأميركية في سوريا ، ولذلك أعلن أنه سيسحب القوات الأميركية من سوريا لكنه لم يقل يسحبها إلى أين ولا أعلن عن موعد لسحبها ، وترك هذين الموضوعين الهامين ميدانا حرا له يقرر مايشاء حولهما ، وبطبيعة الحال سوف يقرر على ضوء التعديلات التي أدخلها على إستراتيجيته العدوانية .

نذكر الجميع بأن التحرك الأميركي في الشرق الأوسط منذ مجيء ترامب للبيت الأبيض سخر تماما لخدمة أهداف إسرائيل كشريك امبريالي للامبريالية الأكبر الممثلة بالولايات المتحدة ، وحجم ترامب الدور الأوروبي بقدر يوازي تحجيمه لحصة اوروبا من المصالح في الشرق الأوسط ، ونذكر بأن ترامب لم يخف إطلاقا توجهاته الشرق أوسطية فقد أعلن في حملته الانتخابية مايسعى لتحقيقه الآن ، وحدد ذلك بقوله : سوف يسجل التاريخ أنني الرئيس الأميركي الذي خدم إسرائيل أكثر من أي رئيس آخر ” ، وخدع الرئيس محمود عباس الذي صدق ما كذب فيه ترامب عندما التقيا .

وبدأ خطته بتوجيه الضربات لمنظمة التحرير الفلسطينية وللسلطة الفلسطينية ولعباس وبطبيعة الحال لقضية الشعب الفلسطيني (القدس – الضفة – الدعم المفتوح وفتح أبواب الجزيرة والخليج لإسرائيل وشن الحرب على اليمن وترويع مصر والتحكم بقرارها السياسي).

وأعلن أنه سيطلق صفقة العصر منذ ذلك الإعلان انسحب هو ونتنياهو من اليونيسكو لأن موقفها عادل تاريخيا من الناحية الثقافية ، وألغى اعترافه بالأونروا وقطع المساعدات عنها ثم قطع المساعدات عن السلطة وأغلق مكتب م ت ف في نيويورك ، وهو بذلك يكون قد سحب اعتراف الولايات المتحدة بمنظمة التحرير وألغى توقيع الرئيس كلينتون على اتفاق واشنطن وراح يحدد الحلول التي يراها والقائمة على ضم إسرائيل لكامل الأرض الفلسطينية باستثناء غزة وكذلك الجولان السوري والفلسطيني .

كانت تلك الخطوات شن الحرب التصفوية على قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني ، وألغى كافة المواقف التي اتخذت منذ مؤتمر مدريد تماما ، كما انسحب من الاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة المناخ ، وتماما كما حدد لأوروبا دورها المحدود وأجبر دول حلف الأطلسي على دفع أجور القوات والصواريخ الأميركية في أوروبا .

من الواضح أن كل هذه الخطوات جاءت تنفيذا لطلبات الحركة الصهيونية وليس لمصلحة الولايات المتحدة . لكن الهدف الاستراتيجي الذي رسمته له الحركة الصهيونية وإسرائيل كان إيران ( سلما أو حربا ) ، فتصفية قضية فلسطين كما تراها الحركة الصهيونية ترتبط ” إضافة لابتلاع الأرض وتمدد الاستيطان الصهيوني العنصري والبطش والتنكيل والإرهاب المنظم من دولة الصهاينة ” ، بتدمير الدول المحيطة بفلسطين ” بشكل خاص سوريا والعراق ” ، وبغزو الجزيرة والخليج سياسيا واقتصاديا وضرب إيران ومعسكر المقاومة العربية بزعامة حزب الله .

إيران … إيران

في بداية الأمر اقترحت الحركة الصهيونية على ترامب وكذلك إسرائيل عبر كوشنر توجيه ضربات قاتلة للبنية التحتية العسكرية لإيران ” المفاعلات ومصنع الصواريخ والصناعات الجوية وصناعة الدبابات والسفن الحربية ” ، لكن تحرك إيران السريع لمشاركة المقاومة الشعبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن أجبر ترامب وإسرائيل على مراجعة الموقف ، و(نلاحظ هذا الأمر بوضوح عندما ندقق في موقف نتنياهو والحكومة الإسرائيلية التي أصبح شعارها إخراج القوات الإيرانية من سوريا ، وحرمان إيران من النفوذ في العراق )، لكم الهدف الرئيسي لترامب بقي واستمر : إيران فهذا أمر مرتبط بأمن الولايات المتحدة السياسي والاقتصادي ، وليس فقط بأمن إسرائيل وبرنامجها للهيمنة على نفط الخليج .

وقرر ترامب إجراء التعديلات على خطة العدوان على المنطقة ، فأعلن عن نيته سحب القوات الأميركية من سوريا ، وانهالت التحليلات من كل صوب ، ومن كل من يدعي أنه “خبير  حسبما يحلو لمحطات التلفزيون” ، أن تلقب من تقابلهم .

ترامب أعلن انه سيسحب قواته لكن قواته ستبقى فاعلة في سوريا عندما يريد ، ويحاول بإعلانه هذا أن يصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد ، فقد تخلص من الجنرال ماتيس لأنه يريد وزير دفاع لايناقشه في قراراته تماما كما تخلص من وزير الخارجية ليأتي بالوزير بومبيو ( CIA) ، ومستشاره لشؤون الأمن القومي ليأتي بالسفير بولتون المعروف بأنه من اليمين المتطرف ، وصهيوني التوجه ولايمانع بأن يصدر له كوشنر تعليماته .

من ناحية أخرى إعلان ترامب أربك لوقت محدد حلفاء ترامب ” تركيا والخليج وحتى إسرائيل” ، لكنه سرعان ما أرسل بولتون وبومبيو لشرح الأهداف وتوزيع الأدوار ” من الضروري الملاحظة بأن كوشنروابنة ترامب كانا ضمن وفد بولتون وضمن وفد بومبيو للسعودية ” ، فماهي خطوة ترامب التالية ؟

اتخذ ترامب قرارا في منتصف ديسمبر من العام الماضي بأن يفرز قواعد القوات الأميركية في العراق وان ينقل تدريجيا قواته من سوريا إلى العراق ( وقد جرى بحث هذه الخطوة على نطاق ضيق جدا مع مسؤولين عراقيين وأكراد ينتمون لحزب برازاني ، وجرى إرسال مجموعة من المسؤولين سرا إلى إسرائيل لبحث تفاصيل عملية ، الهدف من نقل القوات الأميركية إلى العراق وتعزيز القواعد الأميركية فيها وإقامة قواعد استناد في كردستان ) ،هو تحويل العراق إلى قاعدة ارتكاز في حرب ترامب على إيران وضرب قواتها وضرب خط إمداد قواتها في سوريا وخط إمداد حزب الله .

وفاجأ ترامب العالم بزيارته ليلة عيد الميلاد هو وزوجته للقاعدة الأميركية في العراق ، وكان ” حسب المعلومات ” ، قد أجرى اتصالات مع فئة معينة من المسؤولين لإبلاغهم بذلك ، الخطر الأمني في بغداد كان تبرير نزوله في القاعدة الأميركية لكن هذه الحجة كانت غطاء شكليا والهدف كان الإعلان بأن قواته هي التي تحكم العراق وأمر لاحقا قائد القوات بالسير في شارع الرشيد وشرب القهوة في مقهى شعبي ونفذ الضباط الأمر ولم يرجمهم احد بحذاء ، وصول ترامب للقاعدة وتجول الضباط في شارع الرشيد كان إعلان بداية المواجهة الأميركية للنفوذ الإيراني في العراق تمهيدا لتحويل العراق إلى قاعدة ارتكاز للعدوان على إيران ، وبؤرة إرهابية لتنفيذ عمليات إرهابية داخل إيران ، ولاحكام السيطرة الالكترونية على اتصالات إيران وتحركاتها العسكرية في الوقت ذاته كلف برازاني وجماعته الاتصال والتعاون مع إسرائيل وبدأ عملاء واشنطن في النظام بمد رقابهم نحوه لجس النبض للتطبيع مع إسرائيل ومواجهة النفوذ الإيراني في العراق .

تعزيز الوجود العسكري الأميركي في العراق سوف يبقي القدرة الأميركية على التدخل في سوريا إذا احتاجت واشنطن ذلك دون رادع ، لكن إرضاء الحليف التركي واستخدامه في معركة ترامب وإسرائيل ضد إيران سيأتي من خلال : ( موافقة واشنطن على دخول قوات أنقرة شمال شرق الفرات بحجة محاربة داعش ضمن اتفاق سيناقشه بولتون بعدم قيام تركيا بإطلاق النار على الأكراد ) ، فتكون واشنطن قد أرضت حليفين التركي والأكراد – جزء منهم

إذا كان تقدم معسكر المقاومة قد أجبر إسرائيل وواشنطن على التراجع ، وتغيير الخطط فان القاعدة العامة تصبح واضحة وهي أن الاستمرار في الهجوم الدفاعي سوف يجبرهم مرة أخرى على التراجع ، وتأتي هنا أهمية ربط العمل المقاوم من العراق إلى فلسطين ، فحالة الاستبسال المتواصل هي التي تربك إسرائيل ، وتجعل بلع قضية فلسطين عسيرا ومستحيلا ، وهذا يتطلب تمتين العلاقة مع قاعدة إسناد المقاومة الأولى إيران وقاعدة الإسناد الثانية سوريا ، والنهوض بعمل مقاوم للوجود الأميركي في العراق ، والتصدي للمجموعات التي تسعى للتطبيع والسيرفي ركاب أميركا.

ومن الضروري أن نشير هنا إلى الخبث الذي تحمله هذه المخططات والتحركات ، الخبث في العراق يكمن في تخصيص موازنات ضخمة لإحداث شرخ بين المؤيدين لقضية فلسطين والذين يتساوقون مع التطبيع وصفقة العصر، وقد ذكر ترامب أن الولايات المتحدة صرفت 6 تريليونات على حرب العراق لكنه لم يذكر عشرات المليارات التي نهبتها من ثرواته ومليارات الدولارات التي جنتها إسرائيل وتركيا من نفط الشمال.

ثانيا: في الوقت الذي تتكثف جهود ترامب لإنشاء جبهة لمواجهة إيران من حلفاء أميركا وإسرائيل من الدول العربية برزت المشاكل التي طغت على العلاقات الأميركية مع السعودية والعلاقات السعودية التركية، وقد أخر هذا اللقاء العلني بين إسرائيل والسعودية فاندفع ترامب بخطته لتأكيد قيادة الولايات المتحدة لدول المنطقة.

وسيبحث بومبيو مع السعودية في ترميم العلاقات الخليجية بأسرع وقت لإنشاء هذا التحالف الإسرائيلي العربي الأميركي ضد إيران وحزب الله والمقاومة .

كذلك نشير أي أن ترامب وضع تكتيكا مخادعا وخبيثا مع إيران بإجراء اتصالات لبدء مفاوضات أميركية إيرانية رفضتها إيران بسبب أسسها التي حددها ترامب وهي أسس غير مقبولة من إيران ( منها إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي وإنهاء صناعة وتطوير الصواريخ البلاليستية وعدم الدخول ميدان الفضاء والأقمار الصناعية ) ، كذلك تحاول الولايات المتحدة خداع سوريا عبر رسائل لإقامة علاقات رفضتها سوريا ، أما فيما يتعلق بالجولان فقد شدد نتنياهو على إعلان أميركي بأن الجولان هي أرض إسرائيلية بسبب ما وصل لإسرائيل من معلومات حول اتفاق ضمني اميركي روسي حول اعتماد اتفاقية الفصل في الجولان ونشر قوات الأمم المتحدة على اعتبار أن الجولان هي أرض محتلة وينطبق عليها قرار 242 ، يريد نتنياهو أن يتصدى للموقف الروسي بموقف أميركي ، ووعد بولتون نتنياهو بدراسة هذا الأمر ، وحذر إسرائيل بالمقابل من ميزان التجارة المرتفع بينها وبين الصين ، خاصة في مجال الالكترونيات ” التي هي بالأساس أسرار أميركية”. 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/01/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد