آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

ترامب يجري وراء سراب في إيران

 

صالح القزويني

مضت نحو تسعة شهور على انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، والذي ترتب على ذلك فرض حزمتين من العقوبات على إيران، وحسب ما أعلنه المسؤولون الأميركيون فان هذه العقوبات وخاصة الحزمة الثانية منها هي الأشد في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وإذا كان الهدف من هذه العقوبات هو إرغام طهران على الاستجابة لطلب واحد وهو التفاوض مع واشنطن؛ فإن رفض إيران التفاوض مؤشر على أن العقوبات لم تحقق النتائج المرجوة.

التصريحات التي أدلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ضد إيران في المحطات التي زارها خلال جولته في المنطقة تبين بوضوح أن الإدارة الأميركية لديها شكوك تجاه فعالية العقوبات التي فرضتها على إيران لذلك جاء للمنطقة وكانت أحد أهداف الزيارة سد الثغرات في هذه العقوبات، غير أن بومبيو لا يدري أن المشكلة ليست في العقوبات كما انه لا توجد ثغرات فيها، لأن تشابك المصالح بين الولايات المتحدة والعواصم التي زارها بومبيو تبلغ حدا لا يستطيع أي من حلفاء أميركا معها التمرد على قرارات واشنطن.
فشل العقوبات في تحقيق الهدف الرئيسي منها وهو إرغام إيران على التفاوض مع أميركا يستوجب من ترامب أن يعيد النظر في المتبنيات التي دفعته إلى الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات، ولعل المتبنى الرئيسي هو أن إيران رضخت للمطالب الأميركية ووافقت على الجلوس على طاولة المفاوضات عندما شددت واشنطن العقوبات عليها.

هذه المقولة روجتها حكومة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عندما انضمت إلى مجموعة 5+1 وبدأت التفاوض مع إيران، فلم يكن بوسعها الاعتراف بفشلها في كل الخطط والمشاريع التي مارستها ضد إيران، لذلك قالت أنها استطاعت جر إيران إلى طاولة المفاوضات والقبول بالقيود التي فرضتها الدول الخمس على برنامجها النووي والتي تبلورت بالاتفاق النووي نتيجة العقوبات التي فرضت عليها.

ورغم أن اوباما تخلى عن هذه المقولة وتبنى مقولة أخرى وهي، “لم يكن لدي خيارا آخرا سوى التوقيع على الاتفاق النووي، ولو كان بامكاني تفكيك المشروع النووي الإيراني لفعلت” إلا أن منافسه الحزب الجمهوري تبنى هذا الرأي والمقولة وبدأ الترويج لها من أجل الطعن بإدارته وسياسته الخارجية، فالجمهوريون شهروا سبوفهم ضد أوباما وروجوا لمقولة أنه هزم امام ايران وقد كان بامكانه انتزاع المزيد من التنازلات من إيران وتركيعها؛ من أجل النيل منه والفوز على حزبه ومرشحة الحزب هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية.

وبما أن ترامب مرشح الحزب الجمهوري فمن الطبيعي أن يفرض الحزب عليه هذا الرأي لينفذه، إلا أن كل ذلك كان في الأساس مجرد وهم وسراب ولا أساس له واستخدمه اوبامو لتبرير فشل سياساته تجاه إيران وليحفظ به ماء وجهه، وسرعان ما تخلى عنه وأعترف بشكل غير مباشر بفشل سياسة الضغط على إيران.

ربما يتساءل البعض، إذا كان السبب وراء كل هذه الأزمة هو رفض طهران التفاوض مع واشنطن فلماذا لا توافق على التفاوض وينتهي كل شيء؟

هنا تجدر الإشارة إلى أن طهران ليست لديها عقدة تجاه التفاوض ولا تخشى التفاوض مع أية قوة عالمية والدليل على ذلك هو أنها جلست على طاولة واحدة مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والتي تعتبر من أقوى دول العالم وتتمتع بحق الفيتو، ولو كانت تخشى شيئا لخشيت من هذه الدول ووقعت على كل ما تطلبه في أول اجتماع معها، غير أن استمرار المفاوضات لأكثر من عامين يدل على أن المفاوض الإيراني بقى يحاور ويناور طيلة فترة المفاوضات واستطاع انتزاع التنازلات من الدول العظمى في الوقت الذي قدم فيه بعض التنازلات.

لذلك ليست لدى طهران عقدة من مبدأ التفاوض، وإنما مشكلتها تتمثل في أنها ترفض التفاوض تحت طائلة التهديد والعقوبات، وتعتقد أنها لو وافقت على التفاوض فإن العالم سيعتبرها قد رضخت للعقوبات والتهديدات ووافقت على التفاوض، ولذلك أعلن قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي أنه ليست من المصلحة التفاوض في الوقت الراهن وبعد فرض العقوبات.

حاليا تسعى طهران عبر العديد من الإجراءات الدبلوماسية والسياسية والأمنية والاقتصادية إلى ايصال ترامب إلى قناعة بأنه يجري وراء سراب ووهم، وربما وصل ترامب إلى هذه القناعة أو سيصل إليها في المستقبل، ولكن طهران سوف لن توافق على التفاوض معه إن لم يتخذ قرار إلغاء العقوبات على إيران والعودة للاتفاق النووي.

هنا ينبغي التنبيه إلى أن ترامب ربما يتعهد لإيران ويقسم لها بالإيمان المغلظة بأنه سيلغي كافة العقوبات عنها لمجرد موافقتها على التفاوض، فحفظا لماء وجهه يشترط عليها إلغاء العقوبات بعد البدئ بالمفاوضات، وقد توافق طهران على ذلك.

فرضية التفاوض والسيناريوهات المتوقعة هي البديل عن الوصول إلى طريق مسدود وفي نهاية المطاف نشوب الحرب، ويسعى ترامب وفريقه من خلال التحركات الحالية والقادمة ومن بينها عقد مؤتمر بولندا إلى الايحاء لطهران بأنهم ماضون للاعداد للحرب، بينما تسعى إيران من خلال إجراءاتها وأوراقها لاقناع ترامب وفريقه بأن السبيل الذي يسلكونه غير مجد، وهنا فرق شاسع بين الايحاء الذي يسعى ترامب لتحقيقه وبين الإجراءات على الواقع التي تقوم بها إيران.


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/01/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد