آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

أحدث النبوءات الأمريكية: سورية لم تعد موجودة.. العراق اختفى.. ليبيا في عالم النسيان.. ولبنان على طريق التفكيك.. فما مدى صحة هذه النبوءة؟

 

عبد الباري عطوان

 

كثيرة هي التصريحات التي يطلقها مسؤولون غربيون سابقون، وحاليون، حول الأوضاع في منطقتنا العربية وتطورات الأحداث فيها، بعضها يمر عليه المراقب مرور الكرام، وبعضها الآخر يضطر للتوقف عنده متأملا ومحللا، فهؤلاء هم الذين يلعبون الدور الأكبر في غزو بلداننا وتقسيمها، وبذر بذور الفتنة الطائفية فيها، وسقيها وتسميدها، ويضعون الخرائط الجديدة، ويرسمون الحدود، أما قياداتنا فهي مجرد أدوات في معظمها.

 

استوقفني هذا الأسبوع تصريحا ملفتا لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق مايكل هايدن لمحطة “سي ان ان” قال فيه “إن سورية لم تعد موجودة، والعراق انتهى، ولن يعودا إلى ما كانا عليه، وان لبنان يتفكك، وليبيا في خبر كان”.

 

إنها نبوءة مرعبه، من شخص كان يدير مطابخ الغرف السوداء في دهاليز الإدارة الأمريكية وأقبيتها، ويجند المرتزقة، ويسلح الميليشيات، ويرسم خطط الفوضى الدموية وطرق تنفيذها، ولذلك علينا أخذها بمحمل الجد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، فالمسؤولون الأمريكيون، وبعد أن يغادروا المنصب العام يصبحون، أو معظمهم، أكثر حرية في الحكم على الأمور، وتسريب بعض الحقائق والمعلومات، بوعي أو بدونه.

 

***

 

اللافت أن تصريحات هايدن هذه تؤكد جزئيا “شهادة جون كيري وزير الخارجية أمام الكونغرس التي قال فيها “أنه بات متأخرا الحفاظ على سورية موحدة”، أو تسريبات نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف بأن “الفيدرالية احد ابرز الحلول المقترحة لسورية المستقبل”، والفيدرالية في المفهوم الاستعماري الغربي تتناقض كليا مع تطبيقاتها في الغرب المستقر، وتعني الخطوة الرئيسية على طريق التقسيم وفق الأسس الطائفية والعرقية، وعلى عكس ما يقوله أنصارها لنا أن روسيا فيدرالية وكذلك أمريكا وألمانيا فأين يكمن الخطأ؟

 

القناعة السائدة حاليا، وبعد خمس سنوات من “ثورات” الربيع العربي، أن معظم هذه الثورات كانت “مفبركة”، أو جرى تحريفها عن هدفها الحقيقي من قبل الدول الغربية، والولايات المتحدة، التي وظفتها لمصلحتها، واستغلال تعطش الجماهير للحرية والتخلص من الطغاة، من خلال دس بعض العناصر، وتوظيف بعض الأدوات الإعلامية، بهدف الإطاحة ببعض الأنظمة التي تصدت للمشروع الغربي، ورفضت كل الحلول الاستسلامية للصراع العربي الإسرائيلي، وجعلت من محاربة المشروع الاستيطاني العنصري الإسرائيلي العقيدة الأساسية لجيوشها، ومحور سياساتها العربية والدولية.

 

أخطر جوانب المشروع الغربي الجديد لإعادة صياغة شكل المنطقة وحدودها من خلال مخططات التفتيت وإغراقها في الحروب، هو القضاء على قيم التعايش وحل الجيوش، وتغيير العقيدة القتالية لبدائلها الجديدة، إلى عقائد تقسيمية طائفية أو عرقية.

 

العراق لم ينته، وسورية لم تتبخر، وليبيا لن تزول من الخريطة، واليمن لن يبتلعه البحر الأحمر، أو صحراء الربع الخالي، هذه الدول التي يحمل شعوبها جينات إمبراطورية وحضارية ستنهض من كبوتها، وتعود إلى مراكزها القيادية، مثلما فعلت دائما على مدى أكثر من ثمانية آلاف عام، وذهب الغزاة وبقيت هي وشعوبها علامات فارقة في التاريخ.

 

الدول العربية، والولايات المتحدة، وإسرائيل بالذات، ستدفع ثمنا غاليا لهذه المخططات لتفتيت المنطقة التي وضعها “خبراء” حلفاء إسرائيل العلنيين والسريين، لأن لهذه المخططات جوانب أخرى لا يراها إلا القلة، أبرزها “فوضى السلاح”، وظهور جيل عربي محبط ربما يسعى للانتقام، فليس لديه ما يخسره، فبلاده تدمرت، ومستقبله انهار، وثرواته النفطية وعوائدها ذهبت إلى مشاريع رفاهية المواطن الأوروبي والأمريكي على شكل صفقات أسلحة استخدمت في قتله وأشقائه، وليس أعدائه الحقيقيين.

 

كلاوس شواب رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي أشار إلى هذه الحقيقة دون أن يقصد في كلمته إمام دورة انعقاد هذا المنتدى في كانون الثاني (يناير) الماضي عندما قال للحضور الأوروبي “أن بلادكم ستواجه تدفقا للاجئين في السنوات المقبلة ربما يبلغ عدده مليار شخص، وهو ما قد يعني سحق القارة الأوروبية بالكامل، وتغيير الثقافة والحضارة الأوروبية، وسيتسبب في أحداث فوضى حضارية غير مسبوقة”.

 

 

شواب هذا ليس رجلا عاديا يرمي الكلام على عناته، وإنما عالم اقتصادي سويسري معروف بدقة توقعاته، فإذا كان اقل من مليون لاجيء سوري أربكوا الاتحاد الأوروبي، وهددوا بتفكيكه، وإلغاء معظم اتفاقياته، وإعادة المتاريس إلى حدوده فكيف سيكون الحال لو ارتفع الرقم إلى مليار مسلم؟

 

***

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “ابتز″ الأوروبيين عندما استخدم قنبلة اللاجئين “النووية” وفتح بحار بلاده إمام تدفق اللاجئين، ولم يغلقها إلا بعد حصوله على ثلاثة مليارات دولار سنويا، وحرية التنقل لمواطنية دون “فيزا” مما يكشف خطورة هذه السلاح واستخداماته في المستقبل القريب، علينا أن نتصور كيف سيكون الحال لو كان هذا التدفق مسلحا من قبل من يصفه الغرب بالإرهابيين؟

 

الذين يمزقون الوطن العربي، ويحولون دوله إلى فاشلة، ويرسمون خرائط جديدة من أجل بقاء إسرائيل قوة عنصرية محتلة وآمنة، سيكتشفون خطأهم الكارثي في المستقبل القريب، فنحن العرب والشرق أوسطيين، دفعنا جزئيا أو كليا، ثمن مخططات التقسيم هذه من دمائنا وثرواتنا واستقرارنا، على مدى السنوات الخمس الماضية، ولن نستغرب، أو نستبعد، أن يكون دور الآخرين الذين طبخوا هذه المخططات قد بات وشيكا، فأنتم وحلفاؤكم البادئون، والأيام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/03/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد