آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
كمال خلف
عن الكاتب :
إعلامي وكاتب فلسطيني

في الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية.. هل سعت إيران إلى التشييع في البلاد العربية.. إليكم تجربة شخصية

 

كمال خلف

تحتفل إيران هذه الأيام بالذكرى الأربعين لثورتها ، ذاك التاريخ من العام 1979 كان زلزالا سياسيا غير موازين الإقليم ، وقلب دور ووجهة إيران في المنطقة لصالح القضايا العربية ، وكان أول الفرحين والمرحبين و الرابحين من تلك الثورة هم الفلسطينيون .

طرد الإسرائيليون شر طردا من دولة إقليمية تشكل قوة كبيرة في محيطها . لكن هل سعت إيران فعلا إلى تصدير مذهبها منذ تلك المرحلة حتى اليوم ، كما يعتقد الكثيرون منا  ؟ وهل تقوم إيران بتشييع العرب أينما حلت أو استطاعت لذلك سبيلا ؟ .  اسمحوا  لي أن أقدم شهادة من تجربتي ، ثم انتقل إلى مساحة الرأي والاستنتاج  بقدر من الموضوعية ، لاكتشاف الأمر بين أن  كان يقع في دائرة الواقع أو الأسطورة .

أتذكر منتصف العام 2006 عندما جئت إيران لأول مرة ، وذهبت  وقتها للعمل في إحدى قلاع الدولة الحصين وهو مبنى الإذاعة والتلفزيون الإيراني ، هو ليس بناء عاديا ، إنما مدينة كاملة على مساحة شاسعة شمال العاصمة طهران ، يحوي عددا كبيرا من القنوات المحلية وأخرى بلغات عدة ، بالإضافة إلى المصارف والملاعب و الجامعات وروضات الأطفال ، و مسجد كبير ، ومسبح ، ومطاعم  وشركة حجوزات للطيران ، وحدائق ، وبناء ضخم للمؤتمرات .

 أتذكر كذلك كم الاهتمام والترحيب الذي حظيت به من الإيرانيين رغم كوني شابا في أول العمر ، ولكن كان يكفي أن أكون فلسطينيا حتى تفتح أمامي أبواب القلوب والاهتمام .
 في القناة العربية التي أنشأتها إيران في العام 2003 ، وجدت عددا كبيرا من الصحفيين العرب ، من فلسطين و سوريا و العراق ، ومصر ، والسودان ، والمغرب العربي ، وموريتانيا ، والأردن  ولبنان . كان غالبية هؤلاء من الطائفة السنية . وعبر سنوات عملت فيها مع هذا الفريق ، وجدت أن فيهم المتدين و اليساري و القومي العربي  ، والليبرالي  و آخرين محايدين . كان خليطا أمن حالة من التفاعل و النقاش اليومي الممتع في العمل أو في منازلنا حيث كنا نجتمع مساء .
كان الزملاء من العرب السنة يصلون في المصلى داخل القناة  إلى جانب الزملاء  الشيعة من الإيرانيين أو العرب ، لم يكن الإيرانيون ، إدارة أو موظفين يهتمون باختلاف مذهب أغلبية الصحفيين العرب . لم يكن أيا من الصحفيين العرب يشعر بالتردد في أداء صلاته أو التعبير عن معتقادته الدينية . عبر السنوات ، خرج عدد كبير من هؤلاء للعمل في بلدان أخرى ، دون أن يغيروا مذهبهم ، عاد قسم منهم إلى بلدانهم ولم يتشيعوا أو يتأثروا بالمذهب الرسمي للدولة التي عملوا بها .  هذه شهادة للتاريخ ، ويعلمها  تماما كم كبير من الزملاء ممن أصبحوا اليوم في قنوات مختلفة وبلدان عدة .  فإذا كانت إيران لم تعمل على تشييع نخبة من الصحفيين العرب وهم في قلب دولتها ، وتركتهم على مذهبهم حتى غادروا ، فلماذا تذهب لتشيع في أقصى العالم العربي .

أذكر في تلك الأيام كم الصداقات التي حصلت عليها هناك ، من مختلف شرائح الشعب الايراني ، وهي صدقات بنيت على الاحترام والثقة ، لم يطلب فيها أحدا مسؤولا كان أو إنسانا عاديا ، أن يثبت لي أن مذهبه هو الأفضل أو الأجدى بالاعتناق ، وفي حال طرحت المسائل الدينية على بساط البحث فإن كثيرا منهم ، كان يسعى إلى إظهار الأخوة والوحدة وعدم التفرقة . محاولا إزالة أي شوائب أو أفكار سلبية عن الشيعية .

الشعب الايراني شعب متدين لذاته ، لكنه شعب مدني ، يهتم بالثقافة والحضارة والعلوم الانسانية و الرياضة والتجارة و الترفيه  وليس كما يتصوره البعض منا  مهوسا بنشر مذهبه ، أو حث الآخرين على اعتناق عقائده  وصدق أو لا تصدق أن الشيعة الايرانيين اكثر اعتدالا بمراحل  من نظرائهم الشيعة العرب  .

 أما النخبة السياسية ، وتلك التي تمارس الحكم ، فإنها ترى أن مكسب إيران ومصلحتها في أن تتواصل و تتحالف مع القوى السنية ، بلدانا أو أحزاب ، أو تيارات بكونها سنية لا أن تتغير لتصبح شيعية ، فليس من مصلحة إيران تشييع العرب ، خاصة اولئك الذين ينظرون اليها بعين الصديق . تدرك إيران أنها بحاجة إلى جسور تواصل مع العرب ، وأن تشييع من يقترب منها مسألة عديمة الفائدة ، بل مضرة بها . تحالفت فتح مع الثورة الإيرانية في بدايتها وفي أوج زخمها ، ولم تتشيع فتح ، وجاءت حماس الإسلام السياسي السني ، واعتمدت على إيران في التسليح و الدعم و التمويل ، ولم تتشيع حماس ، وكذلك الجهاد ، والجبهة الشعبية اليسارية ، وكذا قوى وأحزاب سنية في لبنان . وإلى أسطورة التشيع في سوريا ، حيث لا وجود لها على أرض الواقع ، بل تزداد سوريا اليوم مدنية وعلمانية عبر مجموعة من القوانيين الجديدة .

التشييع الإيراني أعتقد أنه استخدم كوسيلة لتخويف المجتمعات والنخب و الأحزاب من التعامل مع إيران ، وبالتالي يغدو هذا الشبح في سياق الحملة الشاملة لعزل إيران ، واستعداء العرب لها.

في ذكرى الثورة الإيرانية  نقول أن  المشكلة تكمن في أننا كعرب لم نفهم إيران ، لم نفهم ماهي من داخلها  وكيف تفكر ، وماذا تريد، وماذا نريد منها ،  وماهي حدود تعاوننا معها ، أو عدائنا لها . لذلك لم نحسن حتى اليوم التعامل مع هذا الجار الكبير و العريق . أعتقد أن علينا التدقيق في أساطير كثيرة سوقت للعرب على أنها مسلمات ، حول إيران وغيرها .  إن الخلاف السني الشيعي هو  أحد مظاهر التخلف في العام العربي ، وأن التخلص منه واجب ديني وطني و إنساني ، وشرط من شروط التقدم والتطور والالتحاق بركب حضارة الأمم .


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/02/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد