آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
كمال خلف
عن الكاتب :
إعلامي وكاتب فلسطيني

التحالف مع العدو ضد الخصم… هل العرب أغبياء بالفطرة؟


كمال خلف

يسألني أحد الأصدقاء باستمرار مازحا هل التخلف موجود داخل الإنسان العربي بالجينات أم مكتسب؟، هو سؤال لا ريب يعكس حجم اليأس المعشش في نفوس الشعوب العربية، إذ لم يكن التردي بالوضع العربي بهذا الشكل في أكثر عصورهم حلكة، الإنسان العربي يفتقد اليوم للاستقرار والحياة الكريمة، يحس بمرارة صعوبة العيش وانعدام المستقبل، وألم فقدان الكرامة الوطنية المكانة بين الأمم.

هو معرض كل يوم للسقوط في حبائل التحريض ودعوات الانتقام و الاقتتال الطائفي أو العرقي أو المناطقي، انهار أمامه كل شيء دفعة واحدة، خاض في دمه الإرهاب، وتسلط عليه الاستبداد، وأعلن أعداؤه الانتصار عليه، تدنى الخطاب الإيماني الذي شكل لقرون منظومة القيم لديه، وصل الانحطاط إلى مستوى التحريض على القتل و السحل والسبي والجلد باسم الدين والثورة ، وتلوثت العقيدة بالفتاوي الهابطة، من إباحة معاشرة الزوجة بعد الموت، صعودا إلى فتوى قتل الموظفين المدنيين لأنهم يخدمون السلطة وصولا لفتوى إباحة تدخل حلف الناتو لتدمير بلد عربي و القاموس مليء بكافة أنواع الجهل والعفن الفكري.

 إنها المأساة العربية بأمها وأبيه.

لو كان الإنسان العربي عبيط بالجينات، لما كان استطاع عربي من عمق الصحراء أن ينشر دينا سماويا حمل منظومة قيم وعقائد ومبادئ، إلى أصقاع الأرض وتعيش هذه الرسالة المحمدية أكثر من 1500 سنه وحتى اليوم، رغم محاولات تشوييها كما ذكرنا آنفا. وهل كان” يسوع المسيح” قبل النبي محمد إلا عربيا من فلسطين المحتلة، حمل رسالته إلى كل العالم وبشر الإنسان بالسلام و الحضارة.

الإنسان العربي ليس غبيا، لكن واقعا تاريخيا و معاصرا ثقيلا أرخى بظلاله على مصيره، كتبه الاقوياء بعد حربين عالميتين، جعله لا يقوى على أخذ زمام مصيره بيده، وإلى هذا اليوم لم تتمكن الشعوب العربية من إنتاج أنظمة حكمها بصورة نابعة من صلب الشعوب وكفاءاتها ونخبها. وركبت فوق ظهره أنظمة استبداد، وشخصيات كرتونية، ظالمة ومتسلطة وحديدية تجاهه و دمى ورقية بيد القوى الكبرى، هؤلاء هم الأغبياء وليست الشعوب، هم ليسوا من كفاءات الشعب أو نخبته، ولا يمثلون سواده الأعظم، إنما رجال يتصفون بالسذاجة والسطحية. لديهم حساسية مفرطة من رجال الفكر والعلم من أبناء جلدتهم، فأبعدوهم أو سجنوهم أو قتلوهم، واستبدلوهم برجال الطبل والزمر والتصفيق والتهليل، ليزينوا لهم خطاياهم.

لهذا صار واقعنا العربي حالك الظلمة، ومستقبلنا ومصيرنا أكثر ظلمة ووحشه من هذا الحاضر.

كنا بالأمس نتابع بعض النظام الرسمي العربي ورجالاته يزحفون إلى بولندا، لعقد اجتماع مع نتنياهو والأمريكيين، لبحث سبل مواجهة إيران. كيف يمكن لقادة أوطان الذهاب إلى تحالف مع عدو لهم لمقاتلة خصم أو جار منافس أو يختلفون معه؟ كيف نلجأ كعرب إلى دولة طارئه احتلت أجزاء من أرضنا ومقدساتنا، وقتلت أبناءنا مدة نصف قرن ومازالت، لنهاجم دولة عمرها 5000 آلاف عام و تتشارك معنا بالإسلام والحضارة والتاريخ والجغرافيا؟

 هل شرط مواجهة إيران هو الصداقة بالضرورة مع إسرائيل؟ لماذا لا يملك العرب مشروعا عربيا خالصا، يواجه إيران وغير إيران؟، لماذا لم تقوموا بعكس المشهد؟ طالما التحالف مع عدو ضد عدو آخر مبرر، لتتحالفوا مع إيران ضد إسرائيل ؟ لكنكم لا تملكون الخيار. لأن قراركم ليس بيدكم، انتم بيادق ودمى غير متحركة إلا بالكنترول الأمريكي.

انتم أحرار في أن تكونوا أغبياء ودمى، لكن نحن الشعوب العربية لسنا كذلك. وإن كانت هذه الشعوب لا حول لها، لأنها رهينة القمع والتجويع والفتوى و التهديد بالنفي و بالتمزق والسجون و الإعلام المأجور، لكن ضميرها سيبقى حيا ووجدانها لم تنل منه آلة الإعلام المضلل والنخب الراقصة على أنغام التطبيع والتحالف مع إسرائيل. هي شعوب صامتة مغلوبة على أمرها، ولكن إلى حين ولابد أن يفك قيدها في لحظة تاريخية.

مئة عام مرت منذ أن ضحك عليكم الانكليز، لتشاركوا في تحطيم الدولة العثمانية، بحجة قيام المملكة العربية الحرة، ومن ثم اذاقونا بسبب سذاجة أجدادكم ويل الاحتلال والتجزئة و النهب والذل و سرقة فلسطين ومقدساتها. كل شيء أخذوه منا إلا شيء واحد هو مواصفات الحاكم العربي تركوها لنا مئة عام… واليوم تعيدون الكره. فهل سنخسر سوريا ولبنان ايضا، ونناضل مئة عام أخرى للحفاظ على حدود “سايكس – بيكو” كي لا يتجزأ المجزء إلى دويلات طائفية وعرقية متناحرة تلجأ إلى إسرائيل للاسقواء على بعضها.

ربما لا تكون إيران هي الأولوية من حفلة “وارسو” بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين، إنما هي البعبع الذي جلبوا به قادة العرب إلى فخ التحالف مع إسرائيل مجانا، لمحاصرة الفلسطينيين وعزلهم، وجعل القضية المركزية للعرب يتيمة. والبدء بعصر جديد تتغير في هوية الصراع ومفهوم العدو، وثقافة ووجدان شعوب المنطقة.

وهنا تغدو العلاقات و التطبيع وتبادل السفارات ليست هي الكارثة، إنما المسار الجديد للسياسية العربية، في اعتبارها الحرب على إيران أولوية و ليست حقوق الشعب الفلسطيني ومقدسات كافة العرب والمسلمين، واعتبار العدوان الإسرائيلي على سوريا وغزة دفاعا عن النفس، كما سربت إسرائيل موقف لأحد هؤلاء. واعتبار المقاومة الفلسطينية واللبنانية إرهابا، كما ورد في ذات التسريبات.

المراهنة على وطنية وضمير وذكاء الشعوب العربية، وعلى بقية باقية من قوى حية في هذه الأمة، ستواجه هذا المشروع وتسقطه، لابد قبل كل شيء إعادة التوازن للحالة العربية، وإعادة مركز القرار العربي إلى مكانه الطبيعي والتاريخي. وهذا يتطلب أن تنهض من جديد الدول الأساسية والمحورية في الصراع مع إسرائيل، وأن تبني نفسها على أسس صحيحة وان تعطي لشعبها الأصيل فرصة المشاركة في البناء، وأن تستعيد نخبها ومفكريها وكفاءاتها التائهة، إنها مهمة صعبة لكنها مقدسة، وقدرنا أن نواجه.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/02/17